“مليتا” بتسكين الميم، خلافا لقواعد اللغة العربية، هي إحدى قمم جبل الريحان، حوّلها حزب الله إلى معلم سياحي جهادي. زرته مع من زاروه، مواطنين محبين للمقاومة، إعلاميين وفضوليين وسائحين، الخ. مشاعر شتى تغمر الزائر من لحظة دخوله تلك المنطقة التي كانت محظورة على غير المقاومين لثلاثة أعوام خلت، ومحظورة لأشهر قليلة خلت على غيرالمهندسين والعمال والعمارين والتقنيين وسواهم ممن بنوا على سطح ذاك الجبل، جبل مليتا، منشآت للسياحة الصعبة و المخيفة والممتعة في آن.
مئات السيارات وآلاف من البشر قصدوا مليتا في اليوم الافتتاحي المجاني. بعده ستصير الزيارة مدفوعة: أربعة آلاف ليرة لبنانية للكبار ونصفها للصغار ومجانا للأطفال. لولا لباس الإسلاميات الأسود واللحى الخفيفة المرخية لخلت نفسك في أي مكان سياحي في العالم، الأقصر وأصوان مثلا أو كنيسة مون مارتر في باريس أو أي سرداب للمترو. أمواج من البشر ذهابا وإيابا في الممرات والدهاليز والقاعات والأنفاق أو على أسطح الباحات الفسيحة التي لا يعرف الزائر مآلها، هل تبقى باحات أم ستتحول إلى منصات أم سيردمها قصف وحشي إسرائيلي. كيف ترتفع تلك المباني بأبهة النصر الإلهي، بيينما يرتفع على الطرف الآخر من الوطن كلام عن عدوان وحروب وأزمات إقليمية ومفاعلات نووية؟
تنظر إلى إنجازات المهندسين وقبلها إلى بطولات المقاومين، ثم تتذكر أن خطابا سياسيا قد يطيح بكل هذه الطمأنينة، إذن تسرع الخطى لتنهي جولتك السياحية قبل أن ترتفع نبرة طالعة من التحدي، التحدي الذي تسمعه في قاعة العرض البصري السمعي، وفيه كلام عن صواريخ جاهزة لتقصف أي ميناء أو مطار أو مصنع في إسرائيل أو أية سفينة في البحر الأبيض المتوسط. تنظرمن سطح الجبل نحو المتوسط الممتد أمام ناظريك وتتخيل أنك ترى الأندلس الضائعة، ثم تشيح بنظرك نحو فلسطين السليبة. وتسأل، كيف يمكن أن يدير هذا المعلم السياحي حزب يعيش قادته في المخابئ أو وراء الستار، وهل تصدق هؤلاء الشبان إن حدثوك عن السياحة، أم تظنهم يمارسون التقية معك، فيقولون لك شيئا ويضمرون شيئا ؟ وتسأل هل سيسمح عدونا الصهيوني للحزب الذي حقق “نصرا إلهيا” عليه ولا يتوقف عن تهديده صباح مساء بالصواريخ العابرة للأوطان، هل سيسمح له بتنظيم نشاط سياحي في مليتا، وهل سيسمح له بأن يستكمل هذا المشروع الكبيرالواعد : فندق على سطح الجبل وتلفريك يصل تلتي جبل الريحان، مليتا وسجد ؟ حين تسمع كلاما عن المشروع الطموح تفرغ ما في قلبك من خوف وتتذكر كلاما عن أن حرب تموز هي آخر الحروب مع إسرائيل، ثم تستدرك أن هذا الكلام قيل في حرب تموز، صحيح، لكن الحرب تجددت بعده في غزة، انتهت الأولى ب1701 وتمنت اسرائيل أن تنتهي الثانية بمثله. تسأل إذن : ولماذا الصواريخ والاستعدادات العسكرية ؟ فيمتلئ قلبك مجددا بالخوف ؟
بين مليتا وسجد واد عميق يجري فيه نهر الزهراني الذي سمي على اسم مصبه لا على اسم منبعه، نبع الطاسة. وتأخذك الأفكار إلى صور مشوشة في رأسك عن الملكية والعدالة والدولة…ذلك النهر ومجراه كانا ملكا لنا نحن أهالي جرجوع، كان أهلنا يديرون عليه مطاحن مائية، وكنا نسبح في بركه الواسعة الباردة ونصطاد العصافير على ضفتيه، ثم أتى من يلغي الحياة من على جانبيه ويجر ماءه في أنابيب ضخمة تتجه نحو قرى النبطية وقضاء صيدا ولا تصل إلى بيوتها.
حين عدنا،بعد الانسحاب الاسرائيلي، إلى مطحنة كان يديرها والدي، فاجأنا مجاهد لا نعرفه بالسؤال عن هويتنا. خرج من مطحنتنا ليسألنا من نحن، ومن اين أتينا ولماذا أتينا، واكتشفنا أنه من قرية بعيدة من البقاع وعذرناه لأنه لا يعرف هذه الأرض وأصحابها. فهل بدأت ملكية جديدة لهذه المطاحن ولتلك الجبال ؟ يروي لنا أهلنا كيف تنازع على ملكية الأرض في القرية أشخاص من قريتنا وإقطاعي من صيدا صار ابنه، أطال الله عمره، صديقا حميما. أما غابة السنديان الممتدة بين سطح الجبل وأول بيوت القرية فهي محمية محظورة على الفلاحين الذين كانوا يخرقون الحظر حين يقصدونها هربا من التجنيد الإجباري في جيش الانكشارية، أو بحثا عن غصن سنديان طري يضعونه على مائدة المواشي أيام الشتاء الصعبة. بعد أكثر من قرن من الزمن تحصن حزب الله في قلب هذه الغابة هربا من القوى الحليفة لسوريا التي أجبرته على الاختباء عامين كاملين، بنى خلالهما جزءا من تلك الدهاليز، ثم راح يحولها، بعد عشرين عاما، إلى جزء من مشروعه السياحي. نسأل في سرنا، هل استملك الحزب المطاحن والغابات أم أنه صادرها باسم المقاومة والمجهود الحربي، ليقيم عليها مشاريع استثمارية سياحية- سياسية؟
هل يعيد التاريخ نفسه؟ فيما مضى كانت الأرض تنتقل بوضع اليد أو بالحيازة ثم بالملكية بأمر من السلطان. من هو السلطان اليوم؟ صرنا في زمن الصكوك والسندات، ولا يمكن ان تنتقل الملكية إلا بعقود بيع. عرفنا من الأهالي أن حزب الله لا يريد أن تتكرر “فتح لاند” العرقوبية في اعالي جبل الريحان، ولذلك راح يشتري أراضي واسعة وبأسعارمغرية، لكن جزءا من الصرح السياحي مقام على الأملاك العامة، فضلا عن أن الأراضي المشتراة لا تكفي لقيام المخطط كله، لا سيما التلفريك الذي لا بد أنه سيحتل الهواء وسيحتاج إلى أعمدة تنصب في الأملاك العامة والأملاك الخاصة على حد سواء.
قبل أن تصل إلى موقف السيارات الشاسع المعد لاستقبال المئات منها، يستوقفك حاجز يتملى من الوجوه ثم يرحب بك ويومي إليك بالمرور، كأنه يكتفي بتنبيهك تنبيها مهذبا إلى أنك صرت في حرم حزب الله: ابتسم أنت في المعلم السياحي في مليتا.تركن سيارتك وتنزل منها لتجد نفسك بين السماء والأرض، في أعلى الجبل، يمتد أمامك الأفق غربا بغير حدود، وتعترض ناظريك لجهة الشرق قمم أخرى من جبل الريحان. ثم تجد نفسك أمام سور وبوابة كبيرة. حراس مدنيون ملتحون يستقبلونك والممرات تدلك على خريطة الطريق: قاعة العرض البصري السمعي، تشاهد وتسمع فيها شريطا وثائقيا عن المقاومة وتاريخها،تستنتج منه أن ما أنت فيه هو مشروع سياسي بامتياز يخص حزب الله لا المقاومة. يمضي بك الظن في هذا الاتجاه لما تعرفه عن الفارق بين الحزب السياسي والمقاومة. الحزب السياسي يسعى، ككل الأحزاب، وراء المصالح الآنية أو الستراتيجية، ويبني تحالفاته وخصوماته وصداقاته على أساس تلك المصالح ومن أجلها.أما المقاومة فهي محاطة بهالة من القداسة بفضل الشجعان الذين لا ترى وجوههم بل ترى بطولاتهم وإنجازاتهم، والذين، ككل المقاومين والجنود المجهولين في العالم، يحرصون على إبقاء هوياتهم الشخصية في الظل ويختفون وراء قداسة القضية. تمضي في هذا الظن لأن ما تسمعه وتراه في الشريط الوثائقي خلو من أية إشارة لمقاومات أخرى تنافست على البدايات، فأية عملية كانت الأسبق، عملية الويمبي أم عملية صيدلية بسترس ؟ والثابت أن الأكثر شجاعة هو القرار الشيوعي ممهورا بتوقيع جورج حاوي ومحسن ابراهيم، ولا يهم من كان المنفذ الأول.
تخرج من قاعة العرض البصري السمعي إلى قاعة المتحف المجاورة التي جمعت فيها بقايا أعتدة وأجهزة عسكرية من جيش العدو، وعلى الجدران لوحات سجلت عليها كل المعلومات المتاحة عن تشكيلات الجيش الصهيوني وأماكن تجمعه وتجهيزاته وألويته وفرقه وثكناته ومدرعاته وطائراته، الخ. ولا يخفى على مطلع أن تلك المعلومات متوفرة في مركز مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وقد استفاد حزب الله منها ومما أضافه عليها من رصده واستطلاعاته وشبكة علاقاته، مع سوريا وإيران على نحو خاص. مع ذلك تدخل رهبة إلى قلب السائح، حين يرى هذه اللوحات :هذا الحزب الذي يعرف كل هذه الأسرار عن العدو، لا بد أنه قادر على أن يقرأ ما في رأسك من وساوس ومخاوف على مصير مليتا والوطن، إلا إذا كان ضجيج الحروب حولنا مفتعلا، تخويفا لمن هم خائفون أصلا أو لمن هم مشككون بهذه الستراتيجيات الدفاعية التي لا تصون وطنا ولا تحمي قضية.
تخرج إلى متحف في الهواء الطلق فيه بقايا آليات ومجنزرات ومدافع وأجهزة ضخمة مما لا يتسع له متحف القاعة المغلقة. متحف لا تدخل إليه ولا تخرج منه بل تدور حوله، وحين تنتهي الدورة في أروقته تجد نفسك أمام نفق يبلغ المسير فيه 650 مترا على ما تفيدك لوحة عند مدخله. في آخر رحلتك السياحية، تبقى في ذاكرتك صورة المجسم الرابض في المتحف، صورة رمزية تجسد مدفعا ربطت فوهته كعقدة الحبل، مدفعا معاديا مستسلما. أنت الآن على مدخل النفق، والنفق نفقان: واحد شق بين الأشجار، سقفه أغصان السنديان وشباك بلون الشجر للتمويه، يتدرج نزولا ليطل على قرى إقليم التفاح، وآخر محفور تحت الأرض وفيه ممرات وغرف ومصلى ومطبخ…هناك مقاومون أبطال فتتوا الصخر ولم تضعف عزائمهم، ولا هانوا أمام حصار فرضه عليهم،في عامي 88 و89، النظام السوري وأنصاره اللبنانيون، وعلى رأسهم حليف البلديات اللدود حركة أمل وسائر المخلصين لوحدة المسار والمصير، لا سيما حزب المغفور له إيلي حبيقة الذي كتب مقاتلوه على جدران البيوت أسماءهم وتواريخ مشاركتهم في الحصار. حصار منعوا خلاله على مقاتلي حزب الله لقمة الخبز ونقطة الماء. مقاتلون أبطال ما هانوا أمام الحصار ولا هانوا أمام قصف إسرائيلي وعدوان متكرر، يومي أحيانا، وواسع النطاق أحيانا على غرار ماحصل عامي 93 و96. ربما لأنهم خرجوا من ظلمة الانفاق لم يميزوا جيدا بين من حاصرهم ومن ناصرهم!
تدخل إلى الحرم السياحي مع آلات التصوير! لا شك أنها خطوة متقدمة. منذ أشهر قليلة منعني جندي مصري من أخذ صورة تذكارية على السد العالي… كان ينفذ تعليمات عمرها عشرات السنين، ولم ينتبه إلى أن التصوير صار ممكنا عبر الهاتف النقال وعبر آلات تصوير لا ترصدها أية رقابة… وقبله عبر الأقمار الاصطناعية التي تميز من أعالي السماء إبرة على الأرض في كومة قش… ومن سنوات اعتقل الجيش اللبناني في النبطية لبعض الوقت وفدا عربيا ودوليا كان يقوم بجولة في منطقة النبطية، حيث راح بعض أعضائه يلتقطون الصور على تلة نادي الشقيف المشرفة على المدينة. أن تدخل إلى حرم سياحي مقاوم مع آلات التصوير يعني أنك أمام إنجاز فكري هائل. يعني أن العقل العربي بدأ يدخل في رحاب العصر. يخطر في بالك للحظة ألا تصدق ذلك، لأن حزب الله، من ناحية أخرى، أقام الدنيا ولم يقعدها ضد الحكومة حين حاولت أن تنصب أجهزة كاميرات في العاصمة!!! ما هذه المفارقة؟ صور مباحة في حرم المقاومة، ومحظورة في العاصمة، إذن يترسخ الشك في استراتيجية دفاعية تقتصر على الجنوب وتبقي العاصمة مشرعة في مهب الرياح الأصولية والتدخلات الخارجية والأعمال التخريبية؟! إن بعض الظن إثم، أو إن بعض الظن من حسن الفطن، من يدري أي القولين هو الصحيح؟
آخر مرة وطئت قدماي فيها أرض مليتا كانت في أول السبعينيات من القرن الماضي، قبل أن تنفجر الحرب الأهلية في لبنان. مليتا وسائر التلال الريحانية نعرفها شبرا شبرا. كنا صيادين اثنين الآخر صياد ماهر من قريتي إسمه رفعت، بيته على حدود الحمى(المحمية). في السادسة إلا ربعا، كنا، كل صباح من صباحات الخريف، نقصد ذاك المكان، على طريق الإسفلت، نوقف سياراتنا على باب الغابة قرب البيوت، وكان يكفي رفعت أن يفتح باب منزله ليجد نفسه على “مربط” الصيد، خط مرور دجاج الأرض، الطائر الموسمي، من الأرض المفلوحة إلى الغابة.تنتهي رحلة الصيد في السادسة والربع. وفي بعض أيام الموسم كنا نتابع نهارنا، نبدأ مسير الصيد من هناك وكلابنا أمامنا تمهد الطريق عبر الجبال إلى مليتا و صافي ومزرعة الرهبان قبل جزين، ثم نعود على الأطراف الأخرى من التلال لنرتاح أمام تلك الصخرة العملاقة على سطح جبل مليتا، صخرة “شقيف بورصوص”. في فيء تلك الصخرة أخذنا في تلك المرة قسطا من الراحة، الصخرة ذاتها التي شاهد جدي بالقرب منها ضبعا، وغير بعيد عنها سيبني حزب الله فندقا. أجيال وحضارات. ” يدفن بعضنا بعضا وتمشي أواخرنا على هام الأوالي”.
رفعت مات مهجرا، فهو غادر قريته قسرا ولم يعد إليها. ما زالت طلقات “جفته” (سلاح صيد) تتردد في سماء مليتا ؟ فهو اقام فيها معازا وقصدها صيادا وصمد فيها عشرات السنين، فهل يمكن لهذا المعلم السياحي أن يضم بين قاعاته متحفا لتاريخ هذه المنطقة، أم أننا ” يدفن بعضنا بعضا” ويتقطع التاريخ وتمحي ذكريات القرى؟ مليتا ليست فحسب انفاقا حفرها أبطال مقاومون في الصخر، إنها كذلك الحدود بين لبنان الصغير والولاية، فيها حكايات وحدة الأرض والشعب. كانت أول الولاية وأخر الوطن. ابطال آخرون قبل أبطال حزب الله ألغوا الحدود وجعلوا الولاية جزءا من لبنان الكبير، فصار جيلنا فخورا بانتمائه إلى لبنان الوطن، بينما راح جيل جديد يحفرفي مليتا المعاصرة، مليتا السياحة، تاريخا جديدا محفوفا بمخاطر عودة الجنوب ولاية سورية أو فارسية من القرون الوسطى، أو يجعلها متحفا تمحي منه ذاكرة العيش “المشترك” الإسلامي المسيحي، ذاكرة الوحدة الوطنية. إذ ليس من المصادفة أن يترافق افتتاح المعلم السياحي مع إقصاء مسيحيي جرجوع عن بلديتها، وهم اصل البلدة وسكانها الأوائل؟!
تمضي في النفق مندهشا مستغربا! نفق علني واسرار عسكرية يجتمعان أمامك.خطان متوازيان يلتقيان ” بإذن الله”. كيف يكون النفق علنيا والتحضيرات للحرب على قدم وساق. عند بداية الحفر، أي منذ عقدين من الزمن، جفف المجاهدون الخبز وخبأوه في براميل للأيام الصعبة، الأيام التي تسبق ” ظهور الإمام المهدي” على ذمة من كانوا يطلبون من الأهالي أن يحذوا حذوهم في تجفيف الخبز. كان ظهور المهدي وشيكا، ولم يظهر في حينه، ثم صار وشيكا مرة أخرى بعد حرب تموز ولا زالوا ينتظرون! حين قال الشيخ الشيعي، الدكتور غير المعمم، في محاضرته على طرف الحمى في جرجوع إن المهدي فكرة أكثر مما هو حقيقة، وإنه موجود في كل الديانات، بما في ذلك غير السماوية، كما عند الهنود، كفره بعض المعممين من الحضور. وبديلا عن تبادل العادات والتقاليد والأعياد بين المسيحيين والمسلمين، وعن تجاور الكنيسة والمسجد في جرجوع، راح صبية الجهل والأصولية الإسلامية يعبَرون في الحي المسيحي عن فرحهم الفاجر باستبعاد المسيحيين عن بلدية القرية… تستغرب كيف يمكن أن تتعايش مثل هذه الأصولية المتعصبة مع حضارة السياحة والمتاحف والتلفريكات، وتشك شكا عميقا في أن يكون هؤلاء الصبية من أتباع الإمام موسى الصدر! وتسأل: أبهذا العقل سننتصر؟
نفق علني! نفتخر بالأنفاق، نفتخر كيف نختبئ، نمضي عميقا تحت الأرض ربما لأننا لا نستطيع أن نجاري سوانا فوقها، ربما لأننا نخجل بما نحن عليه فوقها. نتقاتل، نكفر بعضنا بعضا، نحارب العلم بالاساطير، والعمل بالبطالة، نقفل باب النهضة، الباب الذي فتحه محمد علي باشا والشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني : المدرسة والعلم والمعرفة،وندخل في الأنفاق كالخلد، بينما هم يطورون سلاحهم الجوي وأدوات عدوانهم، ونكتفي نحن بالبهورات. هم في ناطحات السحاب والأبراج يمخرون عباب السماء بالصواريخ والأقمار والطائرات تدكنا دكا، ونحن نقاوم بالاختباء والتخفي. حضارة التخفي وحضارة القمر والمريخ. أين نحن وأين هم؟ هم أسياد الأرض والفضاء ونحن أسياد التقية والعمل السري والانقلابات…وأسياد الحياة الآخرة التي هي “خير من الأولى”.
مع ذلك، إنهم ابطال، أولئك الذي حفروا وهندسوا وبنوا وشيدوا. غير أن بطولاتهم لن تحفظها متاحف ولا أنفاق إذا ما استمر مشروع الشيعية السياسية مهيمنا على العقول والنفوس. الشيعية السياسية خطر على الشيعة والوطن وخطر على إنجازات المقاومين الأبطال. الحماية الوحيدة لتاريخنا وبطولاتنا هي دولة القانون، دولة الوحدة الوطنية. من دونها قد يتحول هذا الصرح السياحي في يوم من الأيام إلى مقام كمقامات سجد وصافي وبوركاب وعلي الطاهر وعشرات المقامات المشيدة على تلال القرى للأولياء المزعومين.
moukaled47@hotmail.com
* جامعي لبناني
(صورة الغلاف منقولة عن جريدة “الأخبار”)
شيعية سياسية أم شيعية سياحية؟
— m.a.rad@hotmail.com
تحياتي الحارة مقالة رائعة جداً كما عودتنادائماًعندمانقرألك نتشوق لقراءةجديدك لأنك الاكثر موضوعية اتمنى انترسل لي كل جديد