كيف استطاع التشيع السياسي وتيار حزب الله و«الثورة الإسلامية»، ان تختطف آراء وعواطف الشيعة في المنطقة الخليجية والعربية..بهذه السهولة؟
لماذا لا نسمع صوتاً معارضاً لبعض السياسات الخارجية الإيرانية، وبخاصة تلك التي يدفع عموم الشيعة خارج إيران ثمنها، أو موقفاً فاصلاً معها، ليدرك الجميع ان السياسات الإيرانية، لا تمثل آراء كل الشيعة في العالم العربي؟ الكثير من شيعة الكويت والعراق والبحرين ولبنان والسعودية مقتنع بأن إيران لا تمثل في كل سياساتها آراء الشيعة، وأن سياسات هذه «الدولة الإسلامية» منذ عام 1979، تعرّض مصالح الشيعة في بلدانهم العربية والعالم كله، لمخاطر سياسية وعزلة اجتماعية وربما لتهديدات واعمال انتقامية، كما رأينا في حادث الحسينية بالمملكة العربية السعودية، وكما نرى في نسف مساجد الشيعة في باكستان، وما نقرأ ونتابع في قنوات التلفاز والانترنت والصحافة والمكتبات وفي تفجيرات بيروت.
ولكنك لا تكاد تسمع لهؤلاء المعارضين او المتحفظين صوتاً أو احتجاجاً أو موقفاً معارضاً أو ناقداً أو حتى محتجاً ومنبهاً لعامة جمهور الشيعة ممن يساقون الى تعصب طائفي خطير.
بين هؤلاء كما لا يخفى، وبخاصة النخبة الدينية والسياسية والمالية والاجتماعية والثقافية، آلاف الاطباء والمهندسين والفنيين والأكاديميين ورجال الأعمال وشيوخ الدين والشخصيات السياسية والثقافية والكتاب والاعلاميين.
غير أنهم، الا نادراً، بلا صوت ولا اعتراض ولا نقد لأي ممارسة سياسية إيرانية، مهما كانت تمس مصالحهم او صورتهم السياسية او علاقاتهم مع بقية المواطنين والمذاهب، كما هو متبلور ومكشوف في المنطقة الخليجية ولبنان وسورية والعراق والبحرين، منذ أكثر من عشرين سنة.
فمن يستطيع ان يدافع عن خطأ إيران البارز في خلق «حزب شيعي مسلح» في لبنان على الرغم من ارادة الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني، بات اليوم يتحكم في استقرار لبنان ومصيره، بعد ادخاله في حرب ضد اسرائيل دمرت مصالح كل اللبنانيين؟ ومن يجد في الفقه الجعفري مبرراً للوقوف مع نظام بعثي متسلط على شعبه منذ عقود، يقتل الشعب السوري ويدمر مدنه بلا رحمة، ويشتت النساء والاطفال والشيوخ في مخيمات تركيا ولبنان والاردن؟ واذا كانت إيران قد اسست حزب الله في لبنان لمجابهة اسرائيل فلماذا تم اجبار هذا الحزب على العمل كأداة عسكرية إيرانية في سورية ضد مصالح الشعبين السوري واللبناني، وبشكل وضع سائر شيعة العالم العربي في وضع محرج، وامام عشرات الاسئلة التي لا جواب عليها، واخيرا وسط كراهية وعداوة طائفية ضد الشيعة، ستدفع ثمنها خلال سنوات طويلة من المشاعر المتوترة.
منْ من الإيرانيين او عموم الشيعة المؤيدين لسياساتها المدمرة يرضى ان يقوم اهل السنة من الاكراد او البلوش وبعض اهالي جنوب إيران ببناء حزب سياسي مسلح بالعتاد الثقيل والمدرعات والدبابات والصواريخ داخل إيران مثل حزب الله في لبنان، يتلقى الاوامر والتمويل من تركيا مثلا او الدول الخليجية والعالم العربي؟
لقد دفع الشيعة ثمناً باهظا من سمعتهم وامنهم وسلامتهم ومستقبل ابنائهم مقابل سكوتهم الطويل هذا، وصار خصومهم يوجهون اليهم كل التهم، ويعتبرونهم جماعة غامضة التفكير لا تنطلق في اولوياتها من مصالح بلدانها، فهل هناك من يدرك مخاطر هذه التهم؟
وقد قدم الشيعة انفسهم عبر الاجيال كأقلية محاصرة مسلوبة الحقوق، وكممثلين للمظلومين وانصار لكل قضية عادلة، وكمحاربين لكل اشكال اللاشرعية والاستبداد والتسلط، ولكن جملة من السياسات الإيرانية الخاطئة ومن المغامرات التي حظيت بتعاطف شيعي واسع بسبب التضليل واستغلال المشاعر والمخاوف من كل لون، عزلت الشيعة كل العزل في لبنان والدول الخليجية والعراق واليمن وربما في كل مكان.
فالكل من المحايدين يرون ان إيران تتصرف في الخارج عكس تصرفها في الداخل، وتتدخل في شؤون عربية وخليجية بما لا يعنيها، وترفع في كل مكان، من لبنان الى سورية الى البحرين واليمن وغيرها، ما تشاء من شعارات من دون مراعاة مصالح الاقليات الشيعية ومن دون ان تحسب حساباً للموازين السياسية والمخاطر الطائفية ومن دون أي فائدة للشعب الإيراني نفسه.
لماذا لا تشرح لنا إيران أو مؤيدو سياساتها في الكويت ولبنان واليمن والبحرين مثلا، ما مصلحة شيعة هذه الدول في دعم جماعة حماس في غزة، أو الهتاف بمناسبة ومن دون مناسبة بالموت لامريكا، او المطالبة باسقاط بعض الانظمة الخليجية؟ لماذا لا تعتدل إيران في سياساتها الخارجية، وتترك هذه التدخلات والشعارات التي تحطم اول ما تحطم المصالح العليا لإيران نفسها وشعبها واقتصادها وسمعتها ومكانة شعبها الثقافية وسمعتها الدولية، وتجبر هذا الشعب على مواصلة معاناة حالة الحرمان الممتدة نحو 35 عاما؟
لماذا لا تلتفت إيران الى تحقيق مجتمع الرفاهية وزيادة مستوى الدخل لشعبها وحل مختلف مشاكل التنمية فيها بدلا من هذه المغامرات العسكرية المكلفة التي يدفع الإيرانيون والشيعة في كل مكان ثمنها؟
لقد عانى شيعة الكويت والدول الخليجية خاصة منذ عام 1979 من سياسة تصدير الثورة الإيرانية ومظاهرات موسم الحج وتكوين الخلايا الحزبية واستغلال سذاجة وطيب نوايا بعض شباب الاقليات، وكذلك سوء الاستفادة من الحريات المذهبية والانفتاح السياسي الخليجي، ثم بدأت مرحلة ثانية لتعبئة الشيعة مع مغامرات حزب الله، وللاستفادة من الاجواء التي توافرت في العراق بعد سقوط النظام سنة 2003، ثم انزلق مؤيدو سياسة حزب الله وإيران الى اقامة مأتم «عماد مغنية» بماضيه المعروف، في احدى حسينيات الكويت!
وجاءت مرحلة علنية صارخة من التدخل في سورية، ثم دعم الجناح المتشدد في المعارضة البحرينية، وهي المجموعة التي شقت صف المعارضة الوطنية الشيعية – السنية، بشعارات استعراضية ذات مدلولات كارثية، يخشاها حتى شيعة الكويت..ولا يعلم احد الآن الى اي متاهة يتجه الحوثيون في اليمن، وكيف ستتم المصالحة بين الدول الخليجية وإيران بعد كل هذه الاخطاء والتدخلات الخطيرة؟
لا بد لشيعة الكويت وغيرها، وبخاصة رجال الدين والاقتصاد والشخصيات المعروفة والاكاديميين، من الرجال والنساء، ان يرفعوا صوت العقل والنقد، وان يوجدوا في أوساطهم موقفا وطنيا مستقلا في وجه هذا الانزلاق الطائفي الشديد المخاطر.