“زيارة نتنياهو إلى قبرص هي الأولى لرئيس وزراء إسرائيلي، وتعكس زيادة التعاون بين البلدين حول موارد الغاز الطبيعي ولكنها ستزيد على الأرجح من التوترات مع تركيا.”
يقوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة إلى قبرص يوم الخميس الخامس والعشرين من شباط/فبراير، وذلك بعد مرور ثلاثة أشهر فقط على زيارة مماثلة قام بها الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس. وتأتي هذه الزيارات الرسمية في أعقاب سلسلة من الاجتماعات على المستوى الوزاري لمناقشة تطوير حقول الغاز الطبيعي المكتشفة حديثاً قبالة الشواطئ ومجموعة من التعقيدات الدبلوماسية والأمنية المرتبطة بذلك والمتعلقة بالجارتين تركيا ولبنان. وقد وجدت كل من إسرائيل وقبرص ما يكفي من الغاز في مناطقهما البحرية الاقتصادية الخالصة لتلبية الطلب المحلي لسنوات عديدة، وتوفير كميات إضافية متاحة للتصدير، ولكن إدارة التوترات الدبلوماسية الإقليمية حول هذه الموارد قد تكون صعبة.
الخلفية
لسنوات عديدة كانت العلاقات بين إسرائيل وقبرص تتسم بالحذر حيث كانت تعوقها روابط إسرائيل الوثيقة سابقاً – والضعيفة حالياً – مع تركيا. إلا أن العلاقات بين نيقوسيا وأنقرة متوترة بسبب تواجد ما يقرب من 30000 جندي تركي في شمال قبرص منذ عام 1974، عندما تدخلوا لحماية المجتمع القبرصي التركي بعد انقلاب لم يدم طويلاً قام به القبارصة اليونانيين. ومنذ ذلك الحين تم تقسيم الجزيرة حيث يعيش القبارصة الأتراك في “جمهورية شمال قبرص التركية” المعلنة من جانب واحد وغير المعترف بها دولياً إلا من قبل أنقرة. وفي غضون ذلك، انضم القبارصة اليونانيين إلى الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر أن الحكومة في نيقوسيا هي صاحبة السيادة على الجزيرة بأكملها – مما يثير الكثير من غضب تركيا و “جمهورية شمال قبرص التركية”.
الكسب المفاجئ
تميَّز اكتشاف حقول الغاز البحرية الضخمة – الذي تزامن مع حدوث تراجع في العلاقات بين إسرائيل وأنقرة – بوقوع أزمة دبلوماسية حادة فضلاً عن حادثة “مافي مرمرة” في أيار/مايو 2010، والتي لاقى خلالها تسعة نشطاء أتراك حتفهم على متن سفينة احتجاج متجهة إلى قطاع غزة، وذلك في مواجهة وقعت مع جنود كوماندو من البحرية الإسرائيلية. وفي كانون الأول/ديسمبر من ذلك العام، وقّعت إسرائيل وقبرص على اتفاقية حدود بحرية بعد اكتشاف حقل “لفيتان” – أي تنين وهو اسم تم اختياره بشكل مناسب – في المنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل. وبعد ذلك بعام أعلنت قبرص أنه تم العثور على الغاز بكميات تجارية في «كتلة (بلوك) 12» من المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بها على مقربة من حقل “لفيتان”.
والحقل القبرصي الجديد، الذي قُدر بأنه يحتوي على 7 – 8 ترليون قدم مكعب من الغاز، بإمكانه أن يجعل الجزيرة ذاتية الاكتفاء في مجال الطاقة على مدى عقود من الزمن ويسمح أيضاً في الوقت نفسه بتصدير كميات كبيرة منه إلى أوروبا. ويُقدر أن حقل “لفيتان” الإسرائيلي يحتوي على حوالي 17 ترليون قدم مكعب من الغاز، معدة جميعها للتصدير لأن حقل “تامار” البحري الأصغر (8 تريليون قدم مكعب) يكفي للاستهلاك المحلي. وفي الواقع، تعتبر احتياطات “تامار” كبيرة بما يكفي لتلبية الطلب الإسرائيلي لعشرات السنين، وحتى يسمح باستخدام الغاز على نطاق واسع. (هناك حاجة ماسة لغاز “تامار” – المقرر بدء ضخه بحلول عام 2013 – بسبب توقف الإمدادات من مصر.)
خيارات تجارية
سيكون الخيار التجاري الأكثر وضوحاً لفوائض تصدير الغاز الإسرائيلي والقبرصي هو توريده إلى الجزيرة عبر خط أنابيب تحت سطح البحر، ثم ضخه عن طريق الأنابيب عبر الجزيرة نحو الشمال، وتحت البحر إلى المناطق الرئيسية في تركيا. وهناك، يمكن أن ينضم إلى شبكة أنابيب تزوّد دول أوروبا بالغاز. بيد، نظراً للعداء القائم من قبل تركيا تجاه الحكومة القبرصية اليونانية والانتقادات الأخيرة لإسرائيل، فإن هذا الخيار ليس واقعياً في المستقبل المنظور.
ومن بين البدائل الأخرى، بما في ذلك مد خط أنابيب عبر جزيرة كريت إلى المناطق الرئيسية في اليونان، فإن الخيار الأكثر مصداقية من الناحية العملية هو إقامة مصنع للغاز الطبيعي المسال على الساحل الجنوبي للجزيرة يكون ذو ملكية مشتركة، يعمل على تحويل الغاز إلى شكل يمكن شحنه في أي مكان في العالم. وقد درست إسرائيل أيضاً موضوع إقامة سفينة [عائمة] فوق حقل “لفيتان” لاستخراج الغاز الطبيعي المسال أو نقل الغاز عبر أنابيب إلى سواحلها على البحر المتوسط. وفي السيناريو الأخير، يمكن تحويل الغاز إلى غاز طبيعي مسال لغرض التصدير وربما عبر مصنع – غير مبني بعدُ – على ساحل إسرائيل الصغير على البحر الأحمر، والذي هو أكثر ملاءمة لبيع الغاز في السوق الآسيوية المتنامية والمربحة للغاية. وحالياً هناك لجنة وزارية رفيعة المستوى تدرس هذه وغيرها من الخيارات، ومن المقرر أن تقدم قريباً تقريراً عن استنتاجاتها إلى نتنياهو.
تهديدات أمنية
باستثناء خطوط الأنابيب تحت البحر (التي تقع على أعماق تصل إلى 5000 قدم)، فإن كل جانب من الجوانب الأخرى المتعلقة باستكشاف حقول الغاز الجديدة وتطويرها وانتاج الغاز منها هي عرضة للهجوم أو التخريب، بغض النظر عما إذا كان الهدف هو معدات حفر الآبار أو إمدادات السفن أو المروحيات أو مرافق المعالجة – على الأرض أو قبالة الشاطئ. وتوسع إسرائيل قواتها البحرية والجوية (بما في ذلك الطائرات بدون طيار) لحماية المنشآت والعاملين في منطقتها الاقتصادية الخالصة، ومن المتوقع أن ترحب قبرص بهذه المظلة الأمنية تحت ستار سلسلة من اتفاقيات الدفاع الثنائية بين البلدين. (وخلافاً لمعظم دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، فإن قبرص ليست عضواً في منظمة حلف شمال الأطلسي، وليس لديها سوى جيش صغير بدون وجود قوات جوية وبحرية كبيرة). وتكهنت بعض وسائل الإعلام بأن إسرائيل سوف تحصل على إذن لاستخدام القاعدة الجوية القبرصية في بافوس، على الساحل الغربي للجزيرة. وفي الوقت الحاضر فإن هذه “القاعدة” هي مجرد جانب عسكري صغير وفارغ عادة لمطار غالباً ما يستخدم للرحلات السياحية الوافدة من أوروبا.
تهديدات دبلوماسية
تندرج جهود نيقوسيا لتطوير قطاع الغاز تحت ظل تركيا، التي تقول بأن المياه الإقليمية لقبرص لا تتجاوز 12 ميلاً بحرياً بدلاً من 200 كيلومتر بحري، وهو الحد الأقصى المعتاد المسموح به من قبل “اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار”. ومن وجهة نظر أنقرة – الفريدة من نوعها – فإن حقل «كتلة (بلوك) 12» المكتشف حديثاً والكائن جنوب قبرص، يقع في الواقع في مياه تركية (انظر الشكل). وفي العام الماضي، أرسلت أنقرة سفينة المسح الزلزالي “بيري ريس” (التي تحمل اسم رسام خرائط عسكرية من العهد العثماني) لمسح المنطقة.
وفي غضون ذلك، تشعر إسرائيل بالقلق إزاء التناقض بين نظرة لبنان حول حدودها البحرية مع قبرص والخط الذي تمت الموافقة عليه بين الجزيرة وإسرائيل. فبيروت تعتبر أن النقطة الجنوبية من الخط الفاصل الذي رسمته مع نيقوسيا عام 2007 كان خطأً. وبصورة محرجة، هذه هي بالضبط النقطة نفسها التي تشكل الآن الطرف الشمالي من الحدود البحرية التي رسمتها نيقوسيا مع إسرائيل. وحتى الآن تم رفض جهود لبنان لإعادة التفاوض حول اتفاقيتها مع قبرص، حيث تلفت نيقوسيا النظر إلى أن الخلاف هو بين بيروت وإسرائيل. إن الخطوط المتناقضة – والتي تشكل منطقة على شكل دائري مكونة من عدة مئات من الأميال المربعة – يمكن أن تصبح قضية أخرى مفتعلة بين إسرائيل ولبنان (رغم أن إسرائيل لم تعثر بعد على أي احتياطيات للغاز في المنطقة، بينما لم تبحث لبنان حتى الآن عن احتياطيات كهذه).
برنامج زيارة نتنياهو
خلال الساعات القليلة التي سيقضيها نتنياهو في قبرص، من المقرر أن يجتمع مع الرئيس ديميتريس كريستوفياس، ووزير الخارجية ايراتو كوزاكو ماركوليس. كما من المقرر أن يتم التوقيع على اتفاق في مجال البحث والإنقاذ الذي سوف يمنح الأطراف مرة أخرى الفرصة لمناقشة الترتيبات الأمنية لمنشآت الغاز البحرية. وسوف تكون قبرص متحمسة لسماع التفكير الإسرائيلي الأخير بشأن أفضل السبل لاستغلال احتياطات الغاز، في حين سوف يكون نتنياهو حريصاً على تجنب التحول إلى طرف غير مقصود لنزاع التقسيم القائم في الجزيرة منذ فترة طويلة. إن موقف نيقوسيا المعلن هو أنها ستستخدم أي عائدات من الغاز الطبيعي (والتي ليس من المتوقع أن يتدفق إلا بعد سبع سنوات) لصالح جميع مواطني قبرص – وهذه صياغة تستثني الجيش التركي المرابط في الجزيرة، فضلاً عن أكثر من 100000 من الأتراك من المناطق الرئيسية في تركيا (وفقاً لتقديرات نيقوسيا) الذين جاؤوا للعيش والاستقرار هناك.
مخاوف واشنطن
ورد في التقارير أن بعض مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية يعتبرون اكتشاف الغاز في المياه المحيطة بقبرص بمثابة فرصة دبلوماسية لحل النزاع التاريخي في الجزيرة، على الرغم من أن التطور قد يجعل المشكلة أكثر تعقيداً. فالقبارصة اليونانيين والأتراك على حد سواء يستمرون بالتمسك بمواقف تفاوضية عنيدة. يجب أن يكون الحد الأدنى هو تشجيع استغلال هذه الاحتياطيات الجديدة للطاقة، وليس فقط لأن شركة “نوبل إينرجي” التي مقرها في هيوستون هي لاعب رئيسي في المناطق الاقتصادية الخالصة لكل من إسرائيل وقبرص، ولكن أيضاً بسبب الفوائد الاقتصادية التي ستتدفق إلى المنطقة. ويبدو بالفعل أن الضغط الأمريكي قد قلل من الخطابات المثيرة التي صدرت عن أنقرة في كثير من أيام العام الماضي، ومن المرجح أن تبقى الجهود الدبلوماسية المماثلة والمستمرة أمراً حيوياً.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن