إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
الصورة: مربّع الشهداء في مقبرة”بهشتي زهرا”( أي “فردوس الزهراء”)، في جنوب طهران
كيف ينظر شعب إيران إلى مغامرات نظامه في سوريا والعراق واليمن؟
في ٢٠٠٩، هتف الإيرانيون « لا غزة، ولا لبنان »! واليوم؟
مراسل جريدة « ليبراسيون » الفرنسية، “جان-بيار بيران”، زار « مربّع الشهداء » في مقبرة « بهشتي زهرا »، أي فردوس الزهراء » الذي يمتد على مساحة ٤٠٠ هكتار مزروعة بالشهداء! ثم تحدّث إلى شبيبة طهران التي تحتقر « عقيدة الإستشهاد » وتعيش « حلم أميركا » بأدق تفاصيله إلى درجة تقليد المقاهي الأميركية.
« إنفصام شخصية »، ربما. والأهم، فهو مؤشر أساسي إلى أن مشكلة العرب الحالية ليست مع « شعب إيران »، بل مع نظامه!
شعب إيران مغلوب على أمره، مثل العراقي واللبناني والسوري واليمني!
هزيمة « الملات » انتصار للعرب، وللإيرانيين أيضاً!
*
إيران هي بلاد “الفردوس”! وهنالك أكثر من خمس كلمات تعني “الفردوس” في اللغة الفارسية، وفي الشعر الفارسي خصوصاً. وعلى الأرض هنالك الفردوس الكبير، مثل “بهشتي زهرا” (أي “فردوس زهرا”، نسبةً لابنة النبي)، الذي يقع على أبواب الأحياء الجنوبية لطهران ويمتدّ على مساحة ٤٠٠ هكتار نحو الصحراء. وبالمقابل، هنالك “زوايا فردوس” صغيرة في المقاهي والكافيتريا التي يرتادها شبّان وشابات للتمتّع بقدر نسبي من الحرية، ولتذوّق كوكتيل “موجيتو الفارسي”، بدون كحول “الروم” طبعاً، ولو أنه بنفس اللون الأخضر للكوكتيل الذي يشربه الكوبيون، ومعه حتى شريحة الحامض الأخضر التي لا بد منها.
يتوسّط مقبرة “بهشتي زهرا” ما يسمّى “مربّع الشهداء”: ما لا يقلّ عن ٣٠ ألف مقاتل سقطوا أثناء الحرب مع العراق (١٩٨٠-٨٨) أو متظاهرين سقطوا برصاص جيش الشاه، وهذا عدا من سقطوا في عمليات إرهابية قامت بها منظمات مناوئة للنظام. ولكن بعض “الشهداء” لا يستحقون أن يُدفنوا في هذا المربّع الأسطوري: وحتى لو كانوا قد قتلوا جرّاء نضالهم ضد نظام الشاه، فإن الجمهورية الإسلامية لا تُضفي صفة “الشهيد” على مناضلي اليسار المتطرّف مثلاً، وتحرمهم من الدفن ضمن هذا المربّع!
ماء الزهر
بعد ٣٥ سنة من انتصار الثورة، وإقامة النظام الإسلامي، يمكن للمرء أن يعتقد أن هذا الفصل قد أُقفِل، وأنه بات موضوعاً قديماً. وبالفعل، ففي أيام الأسبوع، وعدا بضع أمهات جئن لتنظيف قبور أبنائهن، ولتعطيرها بماء الزهر، وتلاوة سورة قرآنية، فإن “مربّع الشهداء” يبدو مهجوراً. ولكن صمت المكان يتبدّد بعد ظهر أيام الخميس. فبعد ظهر الخميس هو يوم دفن عناصر “الباسداران” و”الباسيج” الذين يُقتلون في سوريا. وهكذا ينضمّ شهداء اليوم إلى شهداء الأمس.
مع فارق، هو أنه ليس هنالك مكان محدّد مخصّص لـ”شهداء سوريا”! فقبورهم المصنوعة من الرخام الأسود تتوزّع ضمن “المربّع” حسب الأمكنة المتوفّرة، مما يجعل صعباً إحصاء عددهم الدقيق! وبين شواهد القبور، يلمح المرء أحياناً شاهدة عليها صور شبّان قاتلوا على الجبهة السورية.
رسمياً، لا توفد طهران سوى “مستشارين عسكريين” إلى سوريا، وهي لا تشارك في القتال مباشرةً! أما في الواقع، وحسب ما تقول شواهد قبورهم، فإن “أحد أتاهي” و”علي أناهي”، وعمرهما ٢٠ و٢١ سنة، كانا مجرّد عنصرين بسيطين من “الباسيج”. وقد قُتلا قبل أشهر وهما يدافعان- حسب التعبير المعتمد- عن “ضريح حضرة زينب”، شقيقة الإمام الحسين، وهو ثالث الأئمة التاريخيين للشيعة. ويقع ذلك الضريح في ضاحية دمشق، وكان يزوره مليون حاج إيراني كل سنة قبل الحرب. والحقيقة هي أن الشهداء لم يُقتلوا كلهم قرب ضريح زينب، ولكن زعم مقتلهم قرب ضريح زينب يضفي قدسية على التزامهم ويشهد على أنهم ماتوا دفاعاً عن “أهل البيت”!
وقد أصرّ شخص ذو لحية طويلة محنّاة بالأحمر التقيناه بين القبور على أن “هؤلاء من الباسيج، وليس من الباسداران”! هل الفارق مهم؟ أجاب: “طبعاً، فالباسداران مقاتلون محترفون. وهم ينفّذون أوامر الحكومة. أما الباسيج، فهم يقاتلون من كل قلبهم. إنهم يتطوعون لأنهم يؤمنون بما يقومون به. وفي كل مرة يكون المجتمع بحاجة لهم، فإنهم يكونون حاضرين”! ويتابع: “أنتم الغربيين تعتقدون أن الباسيج هم من أبناء الطبقات الفقيرة، ولكن ذلك ليس صحيحاً! يوجد بينهم مهندسون، وأساتذة جامعات، وأطباء..”. ويضيف أحد مرافقيه: “أنتم، الغربيين، تعجزون عن تصوّر معنى كلمة “شهيد”!
الخطر الجهادي
في مربّع الشخصيات التي ماتت من أجل الثورة، هنالك ضريح الجنرال حسين همداني، الذي قّتل في سوريا، في ٨ أكتوبر. كان الجنرال همداني من المقاتلين في الحرب مع العراق، ثم شارك في قمع المظاهرات الضخمة التي شهدتها المدن الإيرانية في العام ٢٠٠٩ إحتجاجاً على ما اعتُبِر تزويراً لانتخابات الرئاسة لصالح محمود أحمدي نجاد. ويقع قبره قرب قبر “علي سيد شيرازي”، رئيس الأركان الأسبق للقوات المسلحة الإيرانية، الذي اغتال “مجاهدو خلق في طهران في ١٩٩٩.
يمرّ رجل دين بيده زهرة قرنفل. يقول أنه من مدينة “أراك”، ويشرح لنا أنه “ليس هنالك فرق بين شهداء الأمس وشهداء اليوم”، بين من قتلوا على التراب الإيراني لمواجهة الغازي العراقي، وأولئك الذين ذهبوا ليموتوا في سوريا دفاعاً عن الديكتاتور الدموي بشّار الأسد: “الإسلام لا يعترف بالحدود. إن قدرنا هو أن نقاتل في سبيل الله أينما كان. هنالك ٨٢ بلد إسلامي في العالم. وينبغي الدفاع عن كل واحد منها إذا ما تعرّض للهجوم”.
وفي المقبرة نفسها، نجد في مربّع الشهداء نفسه، قبوراً مبعثيرة لعمال مهاجرين أفغان- عددهم ٣ ملايين في إيران، وهم من “الهازارا” الشيعة بمعظمهم- ذهبوا ليموتوا في سوريا. وفي الأغلب، فقد ذهب هؤلاء للحصول على رواتب، أو للحصول على بطاقات إقامة وعدتهم بها السلطات الإيرانية إذا وافقوا على الذهاب للقتال ضد “الخطر الجهادي”. وفي شهر مارس، أعلنت مؤسسة الشهداء أن عائلات الذين قتلوا أو أصيبوا في سوريا سوف يحظون بدعمها، أيا كانت جنسيتهم. وفي ٢٠١٥، حسب إحصاء لمعهد”أميركان أنتربرايز”، بلغ عدد القتلى في سوريا ١١٣ إيرانياً، و١٢١ أفغانياً، و٢٠ باكستانياً، كلهم شيعة طبعاً، منذ العام ٢٠١٣- ويضاف إليهم مئات من أعضاء ميليشيا “حزب الله” اللبنانيين، ومن المتطوعين العراقيين.
إن عبادة الشهداء هي إحدى ميزات الثورة الإسلامية. إلى درجة أن مقبرة “بهشتي زهرا” كانت أول مكان زاره الخميني في ١٩٧٩ بعد عودته من باريس. وفي شوارع طهران نجد صوراً للخميني وتحتها دعوات للتضحية من “الشبان الذين يضعون أنفسهم في خدمة الشهيد والبطولة”! وللمحافظة على طقوس عبادة الشهداء، فإن التيارات المحافظة في إيران تسعى للإستفادة من سقوط شهداء جدد في سوريا أو في العراق للعودة إلى صدارة المشهد السياسي.
تسامح نسبي
بعكس كل ما سبق، فليس هنالك أي معنى لعقيدة الإستشهاد للشبان والشابات الذين يرتاون مُجمّع “سام” التجاري في شارع “فرشته” في شمال طهران، بل، ولا يفهم أولئك الشبان والشابات حتى “لماذا يكترث أحد لهذا الموضوع”!
إن “فردوس” الشبيبة الإيرانية مختلف تماماً: فهو عبارة عن مقهى (“كافي شوب”) بديكور أشبه بديكور كاراج سيارات في لوس أنجلوس، بمواسير سيارات ظاهرة في السقف، وكراسي تختلف كل واحدة منها عن الأخرى. على مدخل المقهى، يحلّ حرّاس خصوصيون محلّ عناصر “الباسيج”. وهذا المقهى هو، أيضاً، فردوس الفتيات اللواتي قمن بعمليات تجميل للأنف- ٦٠ بالمئة على الأقل من الفتيات. وهو أيضاً فردوس جزادين “هيرميس” المصنوعة في فرنسا فعلاً، وليس “المقلّدة”. أما الشبّان فيحرصون على إظهار أزرار قمصان ماركة “مون بلان” على أكمامهم!
حينما تخرج الفتيات لتدخين سيارة على شرفة المقهى، فإن الوشاح الذي يغطي الشعر يسقط لثوانٍ، أو لدقاقق! ما هذا؟ لعبة؟ أم تحدي؟ أم شكل من أشكال المقاومة؟ تجيبنا “شوكوف”، وهي إيرانية جميلة عمرها ٢٧ سنة تعمل مدرّسة للغة الإنكليزية: “غطاء الرأس هو أكبر عبء أعاني منه. ثم التلوّث في طهران. وثالثاً، غياب الحريات!
إن التسامح النسبي الذي تستفيد منه هي وصديقاتها هو بفضل الرئيس حسن روحاني: “الوضع أفضل منذ وصوله إلى الرئاسة. إن ميليشيا “الباسيج” تستمر في اقتحام السهرات، وهذا ما حدث لإحدى صديقاتي مؤخراً، ولكن تدخّلهم أصبح أقل من قبل. وهنالك فارق آخر، هو أنهم لم يعودوا يضعون الأصفاد في يديك حينما يعتقلونك”!
ليت الزمان يعود إلى زمن الإمام الخميني العظيم حيث كان الجميع او الاغلب ملتزم بالتعليم الدينية..العار لامريكا والغرب الفاسد