ما انفك بعض المحرّضين يظهرون في القنوات الفضائية ضيوفاً عليها، فيقيمون حفلات الشتم أو الردح الفضائي حسب تعبير أحد الكتاب العرب، يكذبون ويشتمون ويفترون دون أن يرفّ لهم جفن.
تلعب الوصاية الدينية في المجتمعات الإسلامية والعربية دوراً مؤثراً في تفكك البنية الفكرية، واجتناب الأكاديميين والكتاب التفكير الجدلي والنقد التحليلي لجميع المشاكل والظواهر التي تواجه الفرد والمجتمع مما له صلة بالدين، ويقوم بهذه الوصاية بعض من رجال الدين المسلمين الذين يتولون مراكز دينسياسية لها سلطاتها الخاصة، فضلا عن الأفراد الذين يعطون أنفسهم حق الوصاية على الأكاديميين والكتاب والمبدعين ومحاكمة ما ينتجون. الأدلجة الدينية واحدة من آلات التدمير المنظّم للعقل والتفكير الحر والإبداع، وهي المعيار الوحيد الذي يُقيّم من خلاله الآخرون ويُحكم عليهم بأحكام نابعة من ضيق فكر الأدلجة نفسه.
لا ريبَ أنّ الكلمة سلاح خطير عندما تكون مقدمة إلى إشعال الفتنة التي لعن الله من أيقظها، وعندما تفضي إلى التجييش والتحريض على الآخر المختلف فكرا. مما يجعل الأبواب مشرعة أمام أيّ متهور نزقٍ ليسارع إلى محو ذلك الشخص أو الأشخاص من الوجود اعتقادا منه أنهم منكر تجب إزالته باليد لأن فعل القلب لا يصح في هذه الحال بما هو تراخ عن الانتصار بقوة لدين الله! ويأتي بعد ذلك أضعف الإيمان وهو الهجوم المنظم عبر قنوات كثيرة!! إنه إرهاب من نوع آخر، إرهاب لا يشهر السلاح لكنه يهيئ لإشهاره.
الكلمة الطيبة سلاحٌ له وقع السحر في النفوس البشرية وقد شبه الله الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء (أَلَمء تَرَ كَيءفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصءلُهَا ثَابِتٌ وَ فَرءعُهَا فِي السَّمَاء) إبراهيم – 24، شَبّه الله الكلمة بالشجرة من حيث طبيعتها وما فيها من حياة ونماء، فالشجرة تنمو وتثمر وكذا الكلمة، كما تشبه الكلمة الطيبة الشجرة من حيث إنّ لها أصلا وجذورا تصاغ حسب ضوابط خاصة تنطلق مما حثّ عليه الخالق من آداب، ومن ثم فهي منتج له هدف معين وهو الابتعاد عما تزينه الشياطين من إنس أو جن مما يُشيع روح العداوة والبغضاء (وقلء لِعبادي يقولوا التي هي أحسنُ إنّ الشيطانَ ينزغُ بينهم إنّ الشيطانَ كانَ للإنسانِ عدوا مبينا) الإسراء –
53كما تعد الكلمة الطيبة مفردة من مفردات القول الحسن الذي جعله الله مرادفا للصلاة والزكاة (وقولوا للناسِ حسناً وأقيموا الصلاةَ وآتوا الزكاة ) البقرة 83، وهي لا تنفك من كونها طيبة أو خبيثة، فإذا كانت طيبة فهي لك، وإذا كانت خبيثة فهي عليك، وقد وصف الله في كتابه الكريم الكلمة الخبيثة بقوله: (وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجءتُثَّتء مِن فَوءقِ الأَرءضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ) إبراهيم 26، أي ليس لها ثوابت وتؤدي إلى الطغيان والبغضاء والكراهية (قدء بدت البغضاءُ منء أفواهِهم وما تُخفي صدورُهم أكبرُ) آل عمران
118.وقد وردت عدة آيات تحض على الكلام الطيب (ادءعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالءحِكءمَةِ وَالءمَوءعِظَةِ الءحَسَنَةِ وَجَادِلءهُم بِالَّتِي هِيَ أَحءسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعءلَم بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِه وَهُوَ أَعءلَمُ بِالءمُهءتَدِينَ) النحل 125.وقوله (ولا تجادلوا أهلَ الكتابِ إلاّ بالتي هيَ أحسنُ إلا الذينَ ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أُنزلَ إلينا وأُنزلَ إليكمء وإلهُنا وإلهُكم واحدٌ ونحنُ لهُ مسلمون) العنكبوت 46.فلقد جمعت الآية بين أمرين هما الدعوة إلى الإيمان، وإحسان معاملة أهل الكتاب ماعدا من ظلم منهم، ومن شدة حرص الخطاب القرآني على حسن معاملة أهل الكتاب ومجادلتهم بالحسنى استخدم أسلوبا بلاغيا وهو القصر بالنهي والاستثناء، فنهى عن كل جدال مع أهل الكتاب واستثنى منه ما كان بالحسنى. وإذا كان هذا الأمر القرآني يُلزم به المسلمون تجاه غير المسلم، فما هو الشأن مع المسلم الذي يختلفون معه في أمور لا تمس جوهر الدين وثوابته؟ كيف يجيزون لأنفسهم رميه بما يرمونه به ظلما وعدوانا ضاربين عرض الحائط بكل توجيهات القرآن والسنة؟
الكلام غير المسؤول من تكفير وتخوين للكتّاب واتهامهم بالعمالة للغرب والتآمر على الوطن وغير ذلك مما يحلو لبعضهم إشهاره عبر الفضائيات ومنابر المساجد والمنتديات الألكترونية ؛ سلاح خطير لم يجد للأسف من يقول لأصحابه كفوا، فما تقولونه ليس في مصلحة الوطن ووحدته في هذه المرحلة الصعبة من حربه مع الإرهاب، إن فعلهم هذا ينبع من أبواب كلها شرٌ نهى عنها القرآن وحذرت منها السنة وهي الظن والغيبة والتنابز بالألقاب (يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إنّ بعضَ الظنِ إثمٌ ولا تجسسوا ولا يغتبء بعضُكم بعضا) الحجرات 12(ولا تنابزوا بالألقابِ بئسَ الاسمُ الفسوقُ بعدَ الإيمان) الحجرات 11، ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: كلّ سُلامى من الناس عليه صدقة،… والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة) فإن كانت إزالة الأذى عن طريق المسلم صدقة فماذا يُسمّى إلصاق التهم بلا دليل بالمسلمين اتباعا لهوى الأنفس الأمّارة بالسوء؟ ألا يدخل هذا في البهتان الذي قال الله عنه (والذينَ يؤذونَ المؤمنينَ والمؤمناتِ بغيرِ ما اكتسبوا فقدِ احءتملوا بُهتانا وإثما مُبينا) الأحزاب 58.وهو البهتان الذي نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه عنه قائلا: (أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم، قال ذكرك أخاك بما يكره، قيل فرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته). رواه مسلم، ومما رواه أيضا (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النار فأعرض وأشاح ثم قال اتقوا النار ثم أعرض وأشاح حتى ظننا أنه كأنما ينظر إليها ثم قال اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة…)!! لقد جاء تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على الكلمة الطيبة فعدّها صدقة، وبلغت الكلمة الطيبة حدا صارت معه وقاية من النار؟ فأين أولئك النفر من هذا كله؟ لا أظن أن هذه التوجيهات الدينية تغيب عنهم إن كانوا فعلا ممن يشتغلون في الدرس الديني ويتخصصون فيه، فإن كانوا يعلمون فتلك مصيبة وإن كانوا لا يعلمون فالمصيبة أعظم ؛ لأنهم يزعمون أنهم يدافعون عن الدين، وحري بمن يدافع عن شيء أن يكون عارفا له فاهما أصوله ومبادئه مدركا أوامره ونواهيه!!
بعض هؤلاء الناس ينطبق عليهم ما جاء في صحيح مسلم من مداراة من يُتقى فحشُهم: أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ائذنوا له فلبئسَ بنُ العشيرة أو بئسَ رجلُ العشيرةِ! فلما دخل عليه ألانَ له القولَ. قالتء عائشةُ: فقلتُ يا رسولَ اللهِ قلت له الذي قلتَ ثم ألنتَ له القولَ؟ قال يا عائشةُ إن شرّ الناس منزلة عند الله يوم القيامة من وَدَعَهُ أو تركه الناسُ اتقاءَ فحشه). فلقد لاحظت أن بعضا ممن يكتبون في قضايا التنوير يحتاطون كثيرا فيما يكتبون اتقاء شر أولئك النفر الذين يتربصون بهم ولا يتركون مقالا لكاتب حتى يشنعوا عليه بما يؤذيه ويؤذي أهله لفرط قدرتهم على الكذب والافتراء باسم الدين الذي يتبرأ مما يفعلون، أما الوطن فلم نعهد فيهم حرصا عليه بدليل خطابهم الذي يحوي كل مفردات التعاطف مع القضايا الإسلامية حتى لو كانت في أقصى الأرض، ولم يكن أمن الوطن ووحدته واستقراره يوما مفردة من مفرداتهم ؛ بدليل تراخيهم في محاربة الإرهاب والإرهابيين، بل إنّ بعضا ممن يتولون صناعة خطاب الكراهية ضد المواطنين ممن يسهمون في تغذية ثقافة الإرهاب.
ما انفك بعض المحرّضين يظهرون في القنوات الفضائية ضيوفاً عليها، فيقيمون حفلات الشتم أو الردح الفضائي حسب تعبير أحد الكتاب العرب، يكذبون ويشتمون ويفترون دون أن يرفّ لهم جفن، فلقد تواطأ جميعهم على اختراع الكذب وكانوا أول من صدقه، ومن خلال القنوات أيضا اعتاد بعضهم القيام بدور المناصر فيظهر شاهدا ومؤيدا عبر الهاتف متهما الكتاب والصحفيين بالتهم إياها بل ويضيف إليها، ليبدو في صورة عادل إمام في مسرحية (شاهد ما شفش حاجة)!!! لقد انتشر ذلك الخطاب وشاع حتى أصبح من يحاول تحليله لا يجد سوى لغة مشحونة بمفردات الحقد والكراهية والتخوين والتكفير، ونكاد لا نجد لهذا الخطاب الذي يعج بكل تلك الحمولات مثيلا في المنطقة، وكأنه لا رابطَ دينيا ولا وطنيا يربط بين منتجيه والمستهدفين به، مما أقام حاجزا نفسيا وجدارا عازلا بين الطرفين أين منه جدار برلين فالجميع متهم في دينه ووطنيته.
أما المواقع الألكترونية فتقوم بدور مرسوم ومخطط له، الغرض منه الطعن والتحريض والكذب بكل ما أوتيت من قوة ؛ بهدف تشويه أولئك المختلفين والتشكيك في دينهم ووطنيتهم لتشيع هذه الرسالة فيتلقاها أكبر عدد من الناس الذين يراهنون على سذاجتهم فيصدقون ما يتلقون دون أدنى جهد. مما يؤكد أننا نعيش زمنا يكثر فيه عدد مَنء لا يحترمون الكلام المسؤول، ولا يدركون خطر الكلام غير المسؤول على أمن المجتمع ووحدته. كما يؤكد عجز الحوار الوطني عن ترسيخ ثقافة الحوار التي كان يمكن لها أن تحول دون انتشار هذا الخطاب الموبوء، إضافة إلى شعور منتجي ذلك الخطاب بالأمن ؛ حيث لا توجد وسيلة لمحاسبتهم فيكثر افتراؤهم لأنهم أمِنوا العقاب، فمن هو الكاتب الذي يفكر في رفع دعوىً على ذلك الشيخ الفضائي أو ذاك المتصل هاتفيا باسمه الصريح ملقيا التهم جزافا على كل الكتاب، أو هذا المنتدى الألكتروني، أو ذاك الموقع الذي خُصص للنيل من الكتاب والمبدعين السعوديين والعرب، متخذاً من مفردة قرآنية اسما له، وواضعا الآية كاملة في صفحة الموقع الرئيسية شعارا، بما يشي بكلمة الحق التي يراد بها الباطل، ثم يورد أسماء معظم الكتّاب التنويريين ملحقاً به كل ما أفرزته ضدهم أقلام الكتاب من خفافيش الإنترنت وغيرهم ممن يكتبون بأسمائهم الصريحة للرد على طروحات أولئك الكتّاب وهي ردود لا تخلو في مجملها من الشخصنة والهجوم صراحة أو ضمنا!! أقول من هو الكاتب الذي فكر أو يفكر بإقامة دعوى ضد أولئك موقنا بأنه سيجد تجاوبا من الجهة التي سيشكو إليها؟
أظن لا أحد!!! وأتساءل أين المسؤولون عن مراقبةالمواقع من ذلك الموقع الذي ينضح بالحقد والكراهية؟
وأما بعض الكتاب فيستغلون بعض الصحف التي تفرد مساحة لهذا الخطاب بوعي أو دون وعي منها حتى تبدو وكأنها شريكة في هذا الخطاب التحريضي المملوء بمفردات التخوين والتحريض، ومن هذا مقال كتبه أحدهم في إحدى الصحف المحلية يخوض فيه مع الخائضين في دين الكتاب ووطنيتهم، وما أحسب صاحبه يفوق أيا من الكتاب التنويريين وطنية، فالوطنية تعني الدعوة إلى الوحدة وجمع الشمل ونبذ الفرقة والتعدي. إذن هو خطابُ الفتنة والفرقة، وذاك صنيع المنافقين لا الوطنيين المخلصين، تأملوا قوله:
“لو سألني سائل عن صناع التطرف ومفرخي الإرهاب الحقيقيين في بلادنا المملكة العربية السعودية!!! لما ترددت في القول بأن الذين يطلعون علينا طلعات شبه ممنهجة في بعض وسائل الإعلام…. يتناولون مسلّمات الدين بالطعن والازدراء بما لا عهد بمثله..”!! متى كان الكتاب صناع إرهاب؟ بل متى قبض على إرهابي كان إرهابه صنيعة الكتاب التنويريين؟ وما دليله على الطعن في مسلّمات الدين وازدرائها؟ إن ما يسوقه من تهم لا يعني إلا الجرأة التي أمِنت العقاب!!! ثم يأخذ في ذكر الأسباب التي أدت إلى صناعة ذلك الخطاب الذي يعده إرهابيا فيقول: “الجهل المطبق بحقيقة الحال والواقع، فيما يمثله الدين الإسلامي الحنيف للمملكة العربية السعودية”!! ولا أدري ماذا يعتبر ذلك الكاتب نفسه على الصعيدين الوطني والاجتماعي ليرمي كتّابا مواطنين بالجهل فيما يتعلق بقيام وطنهم وتأسيسه على الدين؟ ذلك المفهوم الذي تربينا عليه ولُقءنّاهُ عبر مناهجنا الدراسية فكلنا – أعني الكتاب الذين ينتقدهم – أبناء هذا الوطن ولسنا وافدين عليه حتى نجهل حقيقة تكوينه الديني والسياسي، ليأتي متهما إيانا بجهل هذه الحقيقة!!! ويضيف “الظن الخاطىء بأن عداء الدين وأهله – تأمل نبرة التحريض – هو جواز السفر إلى الرقي والوجاهة!!!!” أما ثالثة الأثافي فهي التماهي مع خطاب التخوين الرائج كقوله “التقرب إلى العاملين في بعض السفارات الأجنبية…” أقل ما يقال عن كلام كهذا هو إنه خطاب متهافت غلبت عليه لغة النفاق الاجتماعي بالتقرب إلى فئة في المجتمع لها ثقلها وتأثيرها، ثم هو خطاب يصدق عليه ما نقوله في لهجتنا النجدية “مع الخيل يا شقرا”!!!
أما أحد الكتاب المغاربة الذي تربطه علاقات بصانعي خطاب الكراهية في بلادنا فلقد أعطى نفسه حق حشر أنفه في شأن لا يعنيه، بل وأخذ يعزف على النغمة ذاتها نغمة التخوين والعلاقات مع السفارات الأجنبية معنوناً مقاله بـ”الليبراليون السعوديون الأقلية الناطقة” ويبدأه بقوله:
“الشعور بالخزي والعزلة الشديدة على المستوى الشعبي أصبح يلازم فئة الليبراليين… وبشكل عام يولد الإحساس بالعزلة لدى الليبراليين إحباطاً نفسياً، لا يفتأ مع توفر مقومات التأثير يتحول إلى ثورة جامحة مصرة على اختراق المجتمع وتجاهل مكوناته وثوابته وطبيعته مهما كلف الثمن. وباستقراء الوضع يمكن إجمال ردة فعل الليبراليين الناجم عن العزلة في نقطتين:
النقطة الأولى: الاستعلاء على الداخل.
النقطة الثانية: الاستقواء بالخارج.. كلام كهذا لا يصدق عليه إلا قولنا إذا لم تستح فافعل ما شئت!!! فكيف تجرأ هذا الشخص على كتابة ما كتب عن فئة من المواطنين لها وزنها كفئة مثقفة واعية لها همها الوطني ودورها التنويري واعتقادها الديني الذي يسمو فوق الشبهات، حتى تأتي نكرة وصولية وافدة لتطعن فيها تزلفا وتقربا لصناع خطاب الكراهية مما يدخل فعلها في خانة التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى عنه القرآن الكريم!!!
حالة التردي الفكرية هذه تستوطن عقول بعض الذين يتحركون في كهوف التعصب جاعلين التكفير سلاحاً فعالاً لقمع وجهة النظر الأخرى التي تدعو للانفتاح على العالم ونبذ قيم الاستبداد والتخلف في المجتمع، فالأغبياء وحدهم الذين يتصورون أنهم ينتصرون للدين من خلال حفلات التخوين والتكفير، وهذا أسلوب المتعصبين والمؤدلجين الذين استمرأوا إنتاج خطاب التعصب والكراهية بذريعة الدفاع عن الدين، وفي الوقت نفسه لا ينفتحون على قيم الدين ويصمون آذانهم فلا يتماهون مع توجيهاته التي ذكرناها أعلاه، ويصرون على النفي الكلي للآخر الشريك في الدين والوطن.
علينا مواجهة هذا الداء المزمن في البنية المجتمعية والثقافية بمحاربة هذا التعصب والاستعداء المقيت بحلول عملية، حيث لا تفيد الندوات ومؤتمرات تقريب وجهات النظر ؛ لأنها تعيد إنتاج ثقافة التعصب ذاتها، ويصبح همُ كلِ فريق تأكيدَ ما يثبت إدانة الآخر ليواجهه به فنقع مرة أخرى في فخ الخطاب التخويني مما يزيدنا تشتتاً وفرقة.
لا بد من إيجاد خطاب وطني يملك مقومات التصدي لذلك الخطاب بمنهجية فكرية واقعية تحرر المواطن من ثقافة الولاء لخطاب التخوين والتكفير التي تتملكه فتجعله ضحية لسلطة فكرية مشوهة. تتطلب المواجهة قطيعة معرفية مع ذلك الخطاب بتبني فكر حضاري إنساني جديد وترجمة هذا الفكر في مناهج التعليم ووسائل الإعلام، ونشر خطاب ديني متسامح وسياسات مجتمعية غير تمييزية وتشريعات عادلة.
وأخيرا تنبع ثقافة التخوين والتكفير من ضعف المحصول الديني والثقافي وتواري الحس الوطني، ومن يملك مقومات الفكر الذي يزعم الدفاع عنه – وهو هنا الفكر الديني – لا يخشى من محاورة الآخر، ولا يسارع إلى تكفيره وتخوينه.
* الرياض
سِلاحُ التخوين / جِدارُ برلينأوافقك في طرحك مشيرا إلى نقطتين : 1 ـ أما ارتباط بعض الصحفيين ومن تسميهم أمريكا بالمسلمين المعتدلين بالسفارات والجهات الأجنبية فقد أشار إليه تقرير راند الأخير صراحة … وتحدث عن طريقة الالتفاف على حكومات الدول التي لا تتلقى مساعدات كالسعودية والكويت هكذا نصّ على هاتين الدولتين وحثّ على زيادة دعم هؤلاء .. فيجب ألا ننكر واقعاً . 2ـ أما خطاب الكراهية وتخوين الآخرين فهو للأسف متبادل منذ القصيبي وأعداؤه الأربعة في حكاياتاهم المشهورة إلى اليوم .. هؤلاء الآباء (القصيبي والعودة ) تغيروا تماما أما الأبناء فلازالوا في طفولتهم الفكرية أنا أكره أولئك كما أبغض هؤلاء… قراءة المزيد ..