خاص بـ”الشفاف”
ليس الإبن سر ابيه دائماً! صحيح أنه تربى في كنف الاب، ولكن في ظل الشقيق الاكبر الذي عمل جاهدا مع الوالد لتأمين انتقال سلس لميراث العائلة السياسي من بيار الجميل الجد الى بيار جميل الحفيد. مرورا بالاب الرئيس امين، الذي ورث مقعد شقيقه في رئاسة الجمهورية، وكان ورث مقعد الراحل موريس الجميل النيابي، ورئاسة حزب الكتائب من الوالد المؤسس.
اما “الإبن”، النائب سامي، فكان مشاكسا في بدايات عمل الشقيق الوزير الشهيد بيار، فأنشأ حركة “لبناننا” الموازية لنشاط شقيقه الكتائبي. وفي حين كان بيار يجاهد في ساحة الحرية كان سامي يسعى لاثبات نفسه بعراضات وتمايز سياسي، من خلال تسويق مقولات في “اللامركزية الادارية الموسعة” التي تصل الى حدود اللامركزية السياسية وإعطاء البلديات صلاحيات سياسية وانمائية في ظل الحكومة المركزية.
تمايز سامي عن شقيقه بيار استمر حتى بعد استشهاده، واصبح جزءا وبعضا من طباعه. فهو، حسب البعض، يتمايز للتمايز ويشاكس للمشاكسة، ويطلب الامر فيطاع، في ظل حماية الوالد الذي يريد ان ينقل الحزب الى نجله سامي، والنيابة الى سامي، وقرار الوزراء الكتائبيين وتوزيرهم الى سامي.
سعى سامي مع الوالد الرئيس الى وضع يده على الحزب، فأنشأ ما يعرف حاليا باللجنة المركزية لحزب الكتائب، وعُيّن سامي منسقا لها، تمهيدا للقفز منها الى رئاسة الحزب.
لكن سامي ضاع أخيراً بين المبادئ وسيلان اللعاب الكتائبي التاريخي للمشاركة في جميع الوزارات والحكومات، والذي يحكم تطلعات الوالد الرئيس. فقرر الشيخ الرئيس المشاركة في الحكومة، في حين امتنع رئيس حزب القوات اللبنانية عن المشاركة. فحار سامي بين إعلان المباديء والشروط للمشاركة وإغراء إرضاء الرئيس سعد الحريري والتقرب منه على حساب التباين في وجهات النظر بين الحريري وجعجع.
واعتقد النائب الشاب ان قرار الحزب بيده، فزار الرئيس تمام سلام وابلغه قبل جلسة الثقة ان وزراء الحزب سوف يستقيلون من الحكومة بسبب البيان الوزاري الذي لم يلحظ إعلان بعبدا صراحة. كما أن هذا البيان تطرق الى مسألة “المقاومة” بما لا يتسق ونظرة الكتائب. وأسمع النائب سامي الرئيس سلام كلاما مناقضا لما كان سمعه من الوالد، فحار رئيس الحكومة في أمره، أي كتائبي يصدق، سامي ام والده؟
وما ان خرج سامي من لقاء رئيس الحكومة حتى بادر الأخير إلى الاتصال بالرئيس الأب امين مستفسراً: هل ستشارك الكتائب في الحكومة؟ فأسرع الرئيس الاب امين الى دارة الرئيس سلام مطمئنا: “سنشارك في الحكومة ايا يكن شكل البيان، اما سامي فطول بالك عليه دولة الرئيس وانا اعالج الوضع”!
عاد الرئيس والابن الى البيت المركزي للكتائب. فدخل سامي وهو يستشيط غيظاً، في حين دخل الوالد وهو يسعى الى التهدئة، ليتبين ان غالبية المكتب السياسي الكتائبي من مؤيدي الرئيس الاب، ولا يجارون الابن في سياسته. واستفاض الابن في موعظة على كتائبيين افنوا أعمارهم في الحزب، ومن بينهم كثيرون كانوا كتائبيين قبل أن يولد، فدار الهمس في المكتب السياسي الكتائبي، لترتفع الاصوات، خصوصا ان النائب نديم الجميل، عضو المكتب السياسي الكتائبي ايضا، كان اعلن رفضه المشاركة في الحكومة صراحة، ودخل على خط المناقشات الحامية في المكتب السياسي. فكان ان انقسم المكتب بين سامي، ومواقف نديم المبدئية، ولاقت مواقف نديم استحساناً، في حين سمع سامي من رفاقه في الكتائب من يصف مواقفه وقراراته بأنها “خبط عشواء”!
فوضى النقاشات داخل المكتب السياسي، لم تعكس حيوية دمقراطية حزبية، بل اكدت سيطرة الاب الرئيس على مقررات الحزب، فخرج سامي من النقاشات مستاءً. وشاركت الكتائب في الحكومة، خلافا لرأيه، في حين حافظ نديم على موقفه المعلن منذ البداية، وتغيب عن الجلسة التي طرحت فيها الثقة على التصويت.
وكان النائب سامي الجميل زمجر في المجلس النيابي، في مناقشات البيان الوزاري، وانتقد الحكومة التي يشارك حزبه فيها بثلاثة وزراء الى درجة أن الرئيس نبيه بري سأله ممازحا “ماذا تركت للقوات؟”، إلا أنه منح الحكومة الثقة!!
عاد سامي الى الحزب ليتقدم باستقالته من اللجنة المركزية، لانه لم يستطع جر الحزب الى موقفه في الاستقالة من الحكومة، واعطى الحكومة الثقة خلافا لخطابه في المجلس وقبل ذلك في احتفال قوى 14 آذار في “البيال”، ولما كان ابلغ به الرئيس سلام، ولما كان يعمل له في مكتب الكتائب السياسي!
ولأن مواقف إبن عمه النائب نديم لاقت استحسانا في المكتب السياسي الكتائبي وفي الاوساط السياسية المسيحية، استشعر سامي بأن عليه الخروج بموقف يعيد اليه اعتباره سياسيا أقله في صفوف الحزب. فتقدم باستقالته، ما دفع اعضاء المكتب السياسي الكتائبي للتذمر من “غوغائية” النائب سامي، الذي يُعتقد أنه، في النهاية، سيعود الى موقع قيادي في الحزب به ثمنا لتعريضه لتناقضات مصالح الاب والمستوزرين من جهة، وفوضى مواقف سامي من جهة.