ثمة أمر جديد في تصرفات السلطة السورية حديثاً، يستدعي منا جميعاً العجب! فهي التي كانت تنادي وتتبجح على الدوام (بالعلمانية) ومنعها بالقوة لأي نشاط أو تنظيم أو حزب سياسي يأخذ سمة أو اسم أو صفة دينية، متعللة بان حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد للدولة والمجتمع وهو حزب قومي لعموم الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، بكل شرائحه وطوائفه. وكذلك حسب ما جاء بالتعريف الإنشائي للحزب بأنه للكادحين والعمال وصغار الكسبة ولم ينح بأي اتجاه من شأنه أن يدعم أي توجه طائفي أو عصبوي من شانه أن يهدد أمن الوطن أو “إثارة النعرات الطائفية والنيل من هيبة الدولة وإضعاف الشعور القومي” حسب ما جاء في التهم التي ألصقت بمعظم المتعقلين السياسيين، ومنهم ميشال كيلو ومحمود عيسى،والتي رفضت ( السلطات) إطلاق سراحهما، بعد قرار الإفراج عنهم والتي أقرت به هيئة المحكمة مؤخراً.
بعد هذه المقدمة الشكلية للموضوع، لا بد لنا من الدخول في صلب القصة التي نحن بصددها والتي أثارت الكثير من التساؤلات لدى العديد من أبناء محافظة السويداء بشكل خاص وباقي الشعب السوري بشكل عام بكل فئاته وتصنيفاتهم الفكرية وحتى (البعثيون) منهم.
أن يزور (المير طلال) الجبل هذا أمر عادي بل أقل من ذلك، كون أواصر القربى أقوى من الجغرافيا في حكم العلاقات العائلية بين أبناء الطائفة الواحدة. وحتى هذه العلاقات إن كانت فهي حكماً في أجندة (المير) لا سواه!
لكن أن تمهد السلطات في المحافظة بكل أنواعها الحزبية وتفرعاتها الهيكلية، من فرق وشعب، والفرع والجمعيات الفلاحية ومجالس المشايخ،ونقابات العمال،وجميع الدوائر الحكومية،والمؤسسات التربوية من الروضات حتى كل فروع الجامعة ويضاف طبعاً إلى كل ما سبق، جميع الفروع الأمنية بكل مسمياتها الكثيرة للزيارة المنشودة، وكأنها حدث تاريخي جلل مثل كل الأحداث التاريخية التي نشهدها بشكل درامي في حياتنا اليومية.
– تاريخ الزيارة 9/11/2008، ومكان الاستقبال الملعب البلدي، وستكون كل الحشود والتي قدرت بحوالي 25000 شخص على أهبة الاستعداد لملاقاة (المير) وربعه والذين يعدون أكثر من 1000 شخص جلهم من المشايخ الأجلاء. بحناجر لا تمل الهتاف المتنوع من كل الرفاق، ورجال (الجوفيات والسحجة) الذين يتغنون بها مبهورين منذ أكثر من نصف قرن من الزمان، ودبكات شعبية بالسيف والترس، وحمالة بيارق الثورة، وزغاريد (زمن الحروب) تصدح بها الرفيقات، في حفل (يمجد الخالق) من كثرة الترتيب والدقة في إعداده، من قبل جوقة رائعة من المخرجين!
طبعا انتهت مهمة الكثيرين من الموظفين المدفوعين بالقوة، وبالتكليف أو بالتخويف، للمشاركة في مراسم الاستقبال فور خروجهم من دوائر وظائفهم،إلى بيوتهم، غير مأسوفين على تلك المشاركة، وانتهى عند ذلك يوم الدوام الحكومي كعطلة رسمية، لقناعتهم بأن تعطيل كل الدوائر الحكومية في المحافظة لغرض الاستقبالات فقط أمر غير مقبول لأي سبب كان. وخاصة بعد أن مل كافة المواطنين من مواسم كثيرة ومتعددة للمسيرات الجوالة في كل أنحاء القطر، في ظل أزمة اقتصادية خانقة تضغط على كل شرائح الشعب قيل موسم الأعياد.
هذا ما حصل، وأظن بأنني لم أبالغ كثيراً في تصوير ما حدث، لكن القصة الحقيقية من وراء كل ذلك لم تتضح بعد!
هل كان الغرض من كل هذا الصخب اللعب على التوازنات الطائفية بين لبنان وسوريا؟ أم هي صفحة جديدة تكتب في سفر العلاقات بين البلدين،من خلال خيوط واهية مثل خيوط العنكبوت؟ أو هي حفل عمادة لمستقبل جديد لتلك العلاقات أو فعل مبني للمجهول لآخرين قد يفهمون معنى هذه الزيارة أو لا يفهمون؟ كل تلك الأسئلة مشروعة في ظل ضبابية العلاقات السابقة، وتاريخ فيه من المخزون المؤلم الكثير لما اكتنف ضفاف البلدين من شحن كنا فيه الضحايا على الدوام. وما فصل 12 موظفاً من المحافظة من أصل 17 من القطر في 16/6/2006 إلا دليل واضح على ماهية تلك العلاقات، في ذات الوقت التي أصبحت فيه أسباب ذلك الفصل (الناقص) مدعاة للسخرية من الجميع، حين تداعت كل الفعاليات السياسية في سوريا، والناطقة باسم النظام، التأكيد على ما طالبنا به سابقاً، من إقامة علاقات دبلوماسية بين الدولتين، واحترام متبادل بينهما، في ظل أسس جديدة فيها من الجدية الكثير. وفي ذلك البيان، كان في أول مطالبنا الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين، وكان أخر قوافل المعتقلين – في حينها – عشرة من المثقفين الذين وقعوا على وثيقة (اعلان بيروت – دمشق) وهم ميشيل كيلو ورفاقه، وإغلاق ملف الاعتقال السياسي بالكامل في سوريا.
وتوالت الأحداث وما فيها من مرارة وقسوة، تمثل في استمرار مسلسل الاعتقالات دون توقف وشهدت السجون السورية زحمة معتقلين كثر، بلغ في أعلى مراحله دفعة واحدة حوالي 40 معتقلا خلال يومين قبل عيد الأضحى بوقت قصير من عام 2007، وخرج منهم من خرج، وبقي الآن منهم 12 ناشطاً من قيادات اعلان دمشق، ومجلسه الوطني وقد صدر بحقهم حكم ظالم في 29/10/2008 بسنتين ونصف السنة. وطوت الأيام قصة فصلنا من الوظيفة، في زحمة الأحداث، مثل القضايا الكثيرة المنسية في بلادنا. فبعد وقت – قصر أو طال – سيخرج المعتقلون جميعاً من السجن – إنشاء الله – مرفوعي الرأس، لأنهم أصحاب قضية حق مشروع في التعبير عن رأيهم السياسي، في بلد سطرت فيه كل الحياة السياسية وحتى التخمة بالخطوط الحمر، لكن قضية عودتنا إلى وظائفنا، وإلغاء منعنا من السفر، أو حتى استخراج جواز سفر، أمر في واقع المستحيل حالياً، وخاصة في ظل السياسة الأمنية، المبنية أصلا على العقاب الجماعي، وكوننا أصبحنا – لله الحمد- (فزاعة مخيفة) يضرب بها المثل من قبل الجهات الأمنية، لكل من تسول له نفسه العبث في أي عمل سياسي، من شأنه أن يعرض نفسه وعياله لغضب السلطات، والتي تظن نفسها قوية بما فيه الكفاية، لتحارب الموظفين بلقمة عيش أبنائهم.
إن – الرسالة – التي وجهت إلى أبناء المحافظة في قضية الفصل تلك بليغة جداً،إن كان من حيث التأثير المباشر على الآخرين أو من حيث هي وضع النقاط على الحروف لجميع من يعنيهم الأمر، وعلى كافة المستويات، وحظر على كل من يتكلم بقضية الفصل تلك، أو بالخوض في غمارها إلا بشروط “تعجيزية”، اقلها التنصل من التوقيع على ذلك البيان الذي أدى إلى فصلنا، والأكثر من ذلك الاعتذار من (الشعب السوري) عما جاء فيه جملة وتفصيلا. ووقف الجميع موقف المتفرج على ما أصابنا من حيف لحق بنا تحت أنظار كل رجال الدين والسياسة في المحافظة، ولم يستطيع احد منهم البوح بمكنوناته إلى الآن إلا همساً! حيث درجت العادة لدى السلطة السياسية أن تزج رجال الدين في السياسة في قضايا كثيرة حسب ما تراه مناسباً، وخاصة في التمهيد لزيارة طلال ارسلان ووفده العرمرم وغيرها الكثير، وفي الوقت نفسه تبعد السياسة التي تحمل وجهاً دينياً عن كافة مجالات العمل السياسي في سوريا ! وهذا طبعاً قرأناه في مشروع قانون الأحزاب منذ أكثر من 5 سنوات، والمزمع طرحه قريباً في الأسواق – بعونه تعالى. وفي حالات كثيرة رأيناها تسعى جاهدة إلى أخذ مواقف سياسية من – بعض – المشايخ الروحيين للطائفة، والذين ينأوون بأنفسهم بكل هدوء للابتعاد عن أي تصريحات من شأنها أن تخرجهم عن الهدف الديني الذي ينشدونه. وقد دأبت السلطة في بلادنا منذ أمد بعيد على التنديد بتدخل المؤسسة الدينية بالعمل السياسي زاعمة أن تدخل المؤسسة الدينية في السياسة يخرج الدين عن مفهومه؟
فالمقابل وأمام ذلك المهرجان الطائفي الذي حصل وما فيه من (بهورة) لا داعي لها مطلقاً، يستهجن المرء مهما صغر شأنه أن تعمد السلطات الأمنية في المحافظة بتاريخ 19/11/2008 إلى حشد كل قواتها المجوقلة والراجلة لمنع سهرة ثقافية لعدد من المهتمين بالشأن العام بالسويداء. وما كان من هذا التصرف مؤخراً،حين حوصرت بعض البيوت لناشطين بالمئات من قبل رجال الأمن والشرطة، إلا لتأكيد المنع الذي فرضته قوى الأمن بالقوة، في مقابل قرار اتخذ بكل رحابة صدر، من قبل إدارة ملتقى العمل الوطني في السويداء، بإلغاء موعد السهرة المقررة، وكان الهدف من كل ذلك (العرض العسكري!!) توجيه رسائل واضحة، وبالجملة لكل من يفكر مستقبلاً بعمل محاضرة أو حتى مجرد مقالة، قد يكون من شأنها “أن توهن نفسية الأمة،وتعرضها للخطر الخارجي” (!) وإن أي عمل أو تجمع أو لقاء أو(مهرجان )، مهما كان حجمه أو نوعه أو مكانه يقصد منه “النيل من هيبة الدولة، و إيقاظ النعرات العنصرية والمذهبية ” هو بالتأكيد جرم لا تستطيع السلطات أن تقف موقف المتفرج حين وقوعه، أو حتى التفكير فيه!! وشتان بين المهرجانين.
marwanhamza@maktoob.com
شهبا – سوريا – السويداء
سوريا ولبنان وسحر الزيارات الطائفية كل رجال الدين والسياسة في المحافظة، ولم يستطيع احد منهم البوح بمكنوناته إلى الآن إلا همساً! حيث درجت العادة لدى السلطة السياسية أن تزج رجال الدين في السياسة في قضايا كثيرة حسب ما تراه مناسباً، وخاصة في التمهيد لزيارة طلال ارسلان ووفده العرمرم وغيرها الكثير، وفي الوقت نفسه تبعد السياسة التي تحمل وجهاً دينياً عن كافة مجالات العمل السياسي في سوريا ! وهذا طبعاً قرأناه في مشروع قانون الأحزاب منذ أكثر من 5 سنوات، والمزمع طرحه قريباً في الأسواق – بعونه تعالى. وفي حالات كثيرة رأيناها تسعى جاهدة إلى أخذ مواقف سياسية من – بعض… قراءة المزيد ..
سوريا ولبنان وسحر الزيارات الطائفية
Mr Marwan Hamza, be patient the time will show you lot of things free.