بعد أن ووري جثمان الجندي – محمود هللي
محمد – ذي التسعة عشر ربيعا الثرى في مسقط
رأسه قرية – عين البط – بمنطقة – عين
العرب – ( كوباني ) المعربتين في نهاية
الشهر المنصرم يكون عدد الضحايا من
العسكريين الكرد اثناء تأدية واجب خدمة
العلم منذ عام 2004 قد بلغ بشهادات منظمات
حقوق الانسان السورية ثلاثة وعشرين شهيدا
لم يقض أي واحد منهم نحبه في الأعمال
الحربية أو في الجبهة بمواجهة اسرائيل بل
في الثكنات والمهاجع والطرق المؤدية اليها
مما يفسح المجال لظهور الكثير من الشكوك
لدى ذوي وعائلات الضحايا في وجود أسباب
أخرى غير معلنة مرتبطة بخطط عنصرية تستهدف
أبناء القومية الكردية ومما ضاعف تلك
الشكوك هشاشة الحجج وانعدام الأدلة
المقنعة التي تقدم عادة للأهالي لدى تسليم
الجنازات من جانب مسؤولي السلطة العسكريين
والأمنيين.
من الصعوبة بمكان تبرئة السلطة من دماء
المجندين الكرد عندما نعلم أن ظاهرة
التصفيات الجسدية هذه بفعل القتل العمد قد
بدأت منذ ارتفاع وتيرة القمع على الصعيد
الوطني العام من اعتقالات وملاحقات ومحاكم
استهدفت كل من يشكك في ولائه للنظام من
شرائح وفئات ومجموعات معارضة وأفراد
وتفاقمت بالتزامن مع صدور قرار سياسي –
أمني من رأس النظام بناء على توصية من
مسؤول الملف الكردي اللواء محمد منصورة
يقضي بتنفيذ خطط زجرية عنفية تقوم
باعدادها لجنة من كبار جنرالات أمن النظام
باشراف مباشر من شقيق الرئيس ماهر الأسد –
للي أذرع – النشطاء في الوسطين السياسي
والثقافي في المناطق الكردية الى درجة
اثارة بعض الزعامات القبلية العربية
الموالية للسلطة على الكرد في المناطق
المختلطة وخاصة المتاخمة للحدود العراقية
كرسالة سياسية في الوقت ذاته الى القوى
المتعددة الجنسيات وخاصة الأمريكية
وحكومة اقليم كردستان العراق الفدرالية
وكلنا نتذكر مخطط الفتنة قبل خمسة أعوام في
نفس عام استشهاد الجندي الكردي الأول –
محمد شيخ محمد – من عفرين الذي أفشلته
الجماهير الكردية في هبتها المجيدة
بالمواجهة الدفاعية الشجاعة في القامشلي
وكوبانية وعفرين وحلب وزورافا بضواحي
العاصمة دمشق بعد أن قدمت كوكبة من الشهداء
الذين راحوا ضحايا رصاصات قوى السلطة
القمعية بكافة تشكيلاتها المعروفة.
انتكاسة المخطط حينها لم تكن نهايته بل
يستمر بمختلف الصور والأشكال حيث مازال
نظام الاستبداد بأشد الحاجة الى خوض معارك
أمنية جانبية لحرف الأنظار عن الصراع
الأساسي بينه من جهة والشعب السوري
بغالبيته وبينها الكرد من الجهة الأخرى
ومازال الشأن الكردي ورقة مناسبة للتلاعب
بها واستثمارها في اثارة الفتنة القومية
الداخلية وتفكيك وحدة صف الشعب السوري على
أساس اختلاق وتضخيم الخطر الكردي المزعوم
بالاضافة الى حاجة أخرى وهي تعويض النقص
بالمزايدة القوموية الداخلية عن فشله في
استرجاع الأرض الوطنية والحفاظ على سيادة
الوطن والعجز عن تطبيق ولو جزء بسيط من
الشعارات القوموية البراقة الممانعة
المرفوعة دائما وأبدا تجاه القضية
الفلسطينية والعمل العربي المشترك
والوحدة العربية وفي هذا السياق وحده يمكن
قراءة عمليات اغتيال الجنود الأكراد أما
على صعيد آليات التنفيذ المنظم والدقيق
والسري لهذا المسلسل الرهيب فيعود حسب كل
التقديرات الى وقوف منظمة في غاية السرية
من ورائها على غرار المنظمة العسكرية
الفاشية التركية – أرغنكون – التي كشف حتى
الآن عن جزء يسير من عملياتها السرية بعد
اعتقال بعض أعضائها من اغتيالات وتصفيات
واعتقالات وخطف استهدفت نشطاء الحركة
الكردية في تركيا وقامت بأعمال مثيرة
للتعصب والعنصرية للحيلولة دون ايجاد الحل
السلمي للقضية الكردية والابقاء على مراكز
القوى العسكرية وامتيازاتها وهي كما أعلن
عنها تنظيم قديم نشأ وتوسع عبر غلاة الضباط
العسكريين والأمنيين الشوفينيين واستغل
في مجال نقل المعلومات وتنفيذ العمليات
شخصيات كردية محسوبة على الحركة القومية
الكردية وفي هذا المجال لانرمي التهمة
جزافا ولانضع فرضية وجود – أرغنكون – سوري
من وحي الخيال بل استنادا الى المعطيات
التالية:
1 – القطاع العسكري الأكثر موالاة
للنظام والمغلق باتقان منذ تسلط حزب البعث
بداية ستينات القرن الماضي في مراتبه
العليا ومؤسساته القيادية وأجهزته
المخابراتية على الكرد حيث يمنع عليهم
الانتساب الى الكلية العسكرية أو تسنم
المواقع نقول بأنه المكان الأنسب في
السرية والتحكم لحبك المؤامرات وتنفيذ
الخطط من دون اشكالات محتملة.
2 – يمكن لأي مخطط يجري تنفيذه عبر هذا
القطاع أن يغطي كافة المناطق الكردية
ويؤدي مهمة توجيه رسائل التهديد والتخويف
بالقتل والابادة الى كل عائلة كردية في جبل
الأكراد أو كوباني أو الجزيرة أودمشق وحلب
وسائر أماكن التواجد الكردي في الأرياف
والمدن في الداخل والخارج.
3 – تمشيا مع الرؤية الأمنية للقضية
الكردية من جانب الأنظمة السورية
المتعاقبة واعتبارها تمس الأمن القومي
العربي، يتم التعامل مع الكرد شعبا وحركة
سياسية بمنظور عسكري مجرد وعبر جهاز
الاستخبارات العسكرية منذ عهد الضابط
الانقلابي أديب الشيشكلي مرورا بالعقيد
عبد الحميد السراج والعقيد حكمت مينة
والمقدم منذر الموصللي والعقيد يوسف طحطوح
وانتهاء بالملازم – اللواء محمد منصورة
والعقيد ماهر الأسد وتعتبر هذه الحفنة من
الضباط العسكريين جزءا من كتلة أوسع واكبت
تنفيذ السياسة الشوفينية أنيطت بها في
مراحل متلاحقة مهام محاربة الكرد بكل
السبل المتوفرة ومنها انبثق جهاز مخصص
للملف الكردي.
4 – الدفعات الأولى من المعتقلين الكرد
من الرعيل الأول أحيلت الى سجن المزة
العسكري وغالبية عظمى من الدعاوي المرفوعة
على الناشطين في الحركة السياسية الكردية
مرت عبر المحاكم العسكرية تلتها محكمة أمن
الدولة العليا الخاضعة للقوانين العسكرية
الصارمة حيث كان كاتب هذه السطور الى جانب
الراحل عثمان صبري من ضيوفها الأوائل عامي
1968 و 1969 وحضرا جلستي الاتهام والدفاع
عندما انعقدت في مبنى البرلمان السوري
بدمشق خصيصا وللمرة الأولى لمحاكمة
ومعاقبة وادانة قادة الحركة الكردية
بهيئتها العسكرية الغالبة ورئيسها الذي
تشاء الصدف أن يكون من أقارب حكمت مينة
مدير جهاز المكتب الثاني العسكري في
القامشلي في بداية عهد الوحدة.
5 – في جميع البلدان التي تقتسم الشعب
الكردي تتواجد منظمات – أرغنكون – بأشكال
متنوعة وبتداخل مباشر مع أجهزة
استخباراتية عالمية كما كشفت عنها محاكمات
بعض الضباط الأتراك مؤخرا وشهدت التنسيق
والتعاون الى أبعد الحدود تحت ظل أحلاف
واتفاقيات وتجمعات مختلفة من حلف سعد أباد
الى حلف بغداد والمعاهدة المركزية وحلف
الناتو واتفاقية الجزائر والاجتماعات
الأمنية الثلاثية والرباعية التي بدأت في
أنقرة ودمشق وطهران وبغداد وانتهت أخيرا
على اتفاقية أضنة الأمنية بين نظامي سوريا
وتركيا وهي تجسيد علني لأجندة سرية بين
الجانبين لايمكن استبعاد تعاون –
ارغنكوني – أقدم بكثير من توقيت ابرامها
قد تكون قضية الضابط الأمني التركي – رشاد
– الذي انكشف أمره بالقامشلي في بداية
الستينات أحد أبرز أسرارها كلغز لابد من
تفكيك طلاسمه في يوم من الأيام.
في بداية السبعينات واجهنا ضمن اطار
الحركة السياسية الكردية أصواتا تدعو الى
مقاطعة واجب خدمة العلم من جانب الشباب
الكردي وبذلنا جهودا لمناقشة المسألة
انطلاقا من كون الخدمة الالزامية مسألة
وطنية فوق الاعتبارات السلطوية والسياسية
وخلال العقود الأخيرة وبسبب محاولات أنظمة
الاستبداد المتعاقبة في بلادنا بلجم ارادة
الجيش السوري في تحرير الجولان
والاسكندرون واستثمار قوى الجيش والأمن
لصالحها ومن أجل حمايتها وتوجيهها كأدوات
قمع للجماهير وأجهزة للتسلط وافراغها من
المحتوى الوطني عبر الاستقطابات
الآيديولوجية والفرز الطائفي وبعد أن
تحولت خدمة العلم الى مكمن لاصطياد الشباب
الكردي لدوافع عنصرية بغيضة تهدد الوحدة
الوطنية فقد آن الأوان لأن تعيد الحركة
الوطنية السورية العربية والكردية والنخب
الثقافية والطبقات والفئات الاجتماعية
النظر في قانون خدمة العلم وتعريفها من
جديد وتحديد هل هي خدمة الوطن أم خدمة
النظام؟
kurdarab2004@yahoo.com