هل يتقدم أحفاد الامام الأوزاعي لدور جديد قُدّر
لهم لإقامة “اللبنانية السياسية”؟
تهدف هذه “السردية” المبنية على المعايشة اليومية الطويلة الأمد وسط “البيئة السنّية”، وعلى المعرفة الدراسية والتحقيقات المباشرة، وعلى امعان النظر في خواتيم مسارات الأمور، تهدف إلى محاولة إستبيان وتبيّن وضع سنّة لبنان في المستقبل المنظور والدور الجديد المُقدّر لهم بعد الانقلاب السوري الايراني بمشاركة نصف الطوائف اللبنانية والمهدد لبقاء الكيان اللبناني. والسردية تستبطن التأشير على ثبات الكيان اللبناني وعلى تثبيته مستقبلاً، إنما هذه المرة على يد ” أحفاد” الامام الأوزاعي المدفون داخل لبنان لا خارجه، لتتقدم الطائفة السنيّة بذلك، ولاول مرة في علاقتها بالكيان المذكور، لتتقدم بفتح الطريق امام ” اللبنانية السياسية” لتصير بعدها حقا حاملة راية مجد لبنان!
الكيان اللبناني المعاصر
وُلِد َالكيان ُالسياسي اللبناني المعاصر تحت اسم دولة لبنان الكبير إثر الحرب العالمية الأولى، على يد الجنرال الفرنسي غورو. وكانت الولادة على حساب ولاية بيروت العثمانية (1882-1918) الممتدة حينها من اللاذقية وطرطوس شمالاً إلى عكا ونابلس جنوباً. طبعاً باستثناء معظم محافظة البقاع اليوم واستثناء كامل متصرفية جبل لبنان (الصورة المرفقة). وقد جرى بموجب الولادة الجديدة فصل محافظتي اللاذقية وطرطوس عن ولاية بيروت تحت اسم دولة العلويين التي ألحقت بسورية سنة 1936. وجرى التعويض لبنانياً بضم ما يعرف اليوم بحافظة البقاع الشمالي والأوسط، للكيان الجديد. أمّا قضائي عكا ونابلس التابعين لولاية بيروت، حينها، فقد سلبا بتقسيم سايكس – بيكو عن بيروت ليصيرا فلسطين تحت الانتداب البريطاني. (سامي الصلح رئيس وزراء لبنان الأسبق من مواليد عكا، والطريقة الصوفية اليشرطية، ومقرها عكا، كان لها انتشار واسع في ولاية بيروت).
كذلك تم َّفصل شرقي الأردن، وحدودها حينها إلى بلدة معان في العقبة عن ولاية دمشق. وجرى التعويض لدمشق بضم حلب إليها بعد فصل الاخيرة، بموجب سايكس بيكو، عن ولاية الموصل، ليتشكل ما سيعرف فيما بعد باسم الجمهورية السورية، باستثناء محافظتي اللاذقية وطرطوس (دولة العلويين) التي ألحقت بسورية سنة 1936.
وعليه فإن ولادة الكيان السياسي اللبناني المعاصر، في حدوده الشرقية والشمالية وهي الأطول، ليس نتيجة تفاهم سايكس بيكو كما يشاع، بل هو إرادة “بيكو-بيكو” نفسه، إن جاز التعبير. وعليه أيضاً فإن دولة لبنان الكبير أو ما عرف باسم الجمهورية اللبنانية فيما بعد، هو عملياً تمديد لمتصرفية جبل لبنان المارونية إلى قلب ولاية بيروت العثمانية وعاصمتها، وإلى ثلثي محافظة البقاع. بيروت.
سنّة لبنان
إن ما يسمى بسنّة لبنان، هم عملياً العديد الأكبر من المسلمين في ولاية بيروت العثمانية السابقة الذكر باستثناء سنّة عكا ونابلس واللاذقية، يضاف لهم سنّة البقاعين الاوسط الشمالي على اعتبار أن سنّة البقاع الغربي هم أصلاً من اتباع ولاية بيروت. وهؤلاء هم من سيعرفون بالسنّة في لبنان، ثم سنّة لبنان بعد احصاء سنة 1932.
نتج عن التغيير الكياني الجديد خسارة كبيرة مباشرة للأرثوذكس الذين حاولوا التعويض من خلال فكرة القومية السورية تارة، أو الشيوعية تارة أخرى باعتبارها استمراراً للمسكوب (روسيا القيصرية).
كما أثّر انقطاع سنّة الساحل عن الداخل السنّي، على تعدادهم الديموغرافي مما سمح فيما بعد باختلال تعدادهم تجاه الشيعة. لكن النزوح الفلسطيني بعد 47، وعملية التجنيس في العقد الأخير من القرن العشرين المنصرم، والعمالة السورية المرتفعة في لبنان، عوضت عن ذلك كسنّة لبنانيين مع مقيمين سنّة بلبنان. وهذا ما يدفعني للقول أن المكون السنّي في لبنان اليوم، هو الأكثر عدداً وقد يوازى المكوّنين الموارنة والشيعة مجتمعين.
على العموم، اعتبر سنّة لبنان، وإلى أمد قريب أن الكيان اللبناني السياسي الجديد هو “سيطرة جبل لبنان الماروني على ولاية بيروت العثمانية” برعاية “الأم الحنون”.
سنّة لبنان حتى الخمسينات
لئن كان من السهل حينها التحاق “متاولة” عاملة بالكيان اللبناني، فإن سنّة لبنان شكلوا اتجاهات ثلاثة: الانزواء، (حالة الضباط العثمانيين السابقين وموظفي الإدارة العثمانية وأسرهم). واتجاه ثان، أصرّ على الالتحاق بمشروع الفيصلية أو “الثورة العربية الكبرى” (حالة مختار بيهم العيتاني وعموم أهل بيروت وطرابلس) وعامة سنّة لبنان، باعتبار الدولة العربية الجديدة هي الوريثة الشرعية للدولة العثمانية. وكان الربط قائما بين العروبة والإسلام في اللاوعي عندهم. وظهر أيضاً اتجاه ثالث للسنّة بلبنان مصدره الأساسي صيدا ( آل الصلح)، مع بعض “سنّة الأطراف” أو البرجوازية الطرابلسية الناشئة. وأخذ الاتجاه المذكور يتعامل مع الكيان اللبناني كأمر واقع. من هنا كان دور كاظم الصلح ورياض الصلح والأحدب وكرامي عبد الحميد وصائب سلام والحاج حسين العويني وغيرهم.
إنها طوائف ومذاهب تركض خلف كيان سياسي ترسمه في مخيلتها تكون فيه أو معه “أكثرية”، تأمن على نفسها من التلاشي وتسعى لعدم إلغاء نفسها. طوائف ومذاهب كانت قد رتبت أوضاعها في ظل دولة مستقرة، فلما تغيّرت الدول، هبّت للبحث عن صيغ تؤمن وجودها.
إنّها أقليات قلقة سرعان ما انقلبت أو تنقلب الى مقلقة إذا استشعرت بنفسها فائض القوة، لتدفع الثمن فيما بعد. أقليات رغم حاجتها للواطنة كحماية، فأن أقلويتها تبقى الغالبة وتبقى تشدها نحو امتدادات خارجية: من المسكوب للأرثوذكس، الى فرنسا للموارنة، إلى ايران الخمينية وريثة الصفوية والفاطمية معاً للشيعة، الى خلافة عربية بين دمشق أو بغداد أو القاهرة أو “الرياض” للسنّة ؛ فالعواصم الأربع، وريثة عواصم خلافة.
انفرد رياض الصلح من المكون السنّي اللبناني بتشكيل حالة “شبه شعبية” تلاقت مع بشارة الخوري في مشروع جديد للسنّة عنوانه: “لبنان لن يكون للاستعمار ممراً أو مقراً”. إنه عنوان وشرط السنّة على عتبة الدخول الى البيت اللبناني لرفع قلق هويتهم في أن يكون الكيان اللبناني “المخترع” نقبا وثقبا في جدار ” الأمة”. إنه ايضاً تحذير للبناني الآخر في ذاك الزمن، ولغيره في هذا الزمن، وهو أيضا توصيف للبنان بالسّلب!
مشروع لبنان، رضيّ به سنّة لبنان بعد ارتداد “الوطنية السورية” عن مشروع “الثورة العربية الكبرى” وقبضها الثمن، (ضم بلاد العلوين أو محافظتي طرطوس واللاذقية لسورية وهما قبل ذلك من أعمال ولاية بيروت).
بهذا الضم المذكور الناتج أساساً عن ضيق النظرة عند المارونية السياسية، وجهل السنّة بحقائق الواقع وانشغالهم باللهاث خلف أوهام هوياتية في وحدة سياسية إسلامية أو عربية كبرى لا أصل لها ولا فصل ولا وجود تاريخي سوى في غفلات من الزمن! (الوقائع التاريخية تشهد). بهذا الضم، وقع الكيان اللبناني الجديد في شقاء مزمن مع الشقيقة الجارة سورية. فانقلب “جيباً” عندها خصوصاً بعد قيام اسرائيل حيث وقع لبنان بين فكي كماشة. صحيح أفلت من الثانية لأنه ” الشعب العنيد”، لكن الاولى لم يفلت منها بالكامل بعد، فبقيت تستهل إفتراسه فتمارس عليه كل أنواع اللؤم والتهميش، سواء أكانت سوريا “الأكثرية” ام سورية “الأقلية”.
وبهذا الضم لمحافظتي طرطوس و اللاذقية لسوريا إنقلب لبنان، وهو الكيان الوحيد في محيطه، الذي يحمل اسم مكان لا اثنية أوصفة لممقيميه. لبنان السلسلة الجبلية الساحلية الممتدة من حدود تركيا الى نابلس والوارد اسمه كإسم مكان عشرات المرات في النصوص القديمة. انقلب لبنان بهذا الضم الى ساحلية ملتبسة غير مستكملة لساحليتها، وتقدمت سورية بذلك الى موقع جيوسياسي اضاف الى داخليتها الاصلية بعداً ساحلياً متوسطياً، لم تعرفه دمشق منذ سقوط الدولة الأموية. فانفتحت شهيتها على التوسع، حيث أمكنها ابتداء من لبنان التي لم تتعلم بعد انه غير قابل للابتلاع أو إنه مجعول لخدمتها.
مشروع لبنان الكيان السياسي الجديد و”المشبوه” حينها بنظر السنّة، ليس جسراً أو قاعدة ضد الداخل العربي. هو مشروع يقوم على الواقعية السياسية. مشروع رضيّ فيه السنة بلبنان بعد موافقة “الوطنية السورية” على التخلّي عن مشروع سوريا العربية، لقاء ضم بلاد العلويين لها كما تقدم الكلام. مشروع بقي َّعلى مستوى الطبقة السياسية السنية العليا وبعض نخبها المتلبننة دون أن يقبله جمهورها. (أتذكر انه في خمسينات القرن المنصرم، كانت نظرة طلاب صفنا الابتدائي في مدارس المقاصد بيت الاطفال- مدرسة لابناء النخب والميسورين المسلمين حينها، كانت نظرتنا الى شهداء 6 ايار على انهم عملاء الغرب. وكنا نشير الى الارزة المتوسطة للعلم اللبناني بـ”القرنبيطة”. ولم يكن هناك اعتراض لا من المعلمات ولا من الاهل و لا من البيئة).
فلسطين واغتيال رياض الصلح والناصرية
شكلت نكبة فلسطين جرح الهوية الثاني لسنّة لبنان. من فلسطين، عادت فلول جيش الانقاذ وقائدها فوزي القاوقجي الى طرابلس والحنق يأكلها. في بيروت، الطريق الجديدة وبرواية شهود، هرع الأهالي الى جوامع المحلّة ليلا متأثرين محتضنين فور وصول شاحنات تنقل “عرب فلسطين”. اانها النكبة التي بعدها منقلب عمّا قبلها. من عكا عاد محمد الداعوق، ومن نابلس عاد اساتذة مدرسة النجاح، وهؤلاء سيؤثرون عميقا في بيئتهم. أخذ الداعوق يدعو المسلمين عامة إلى العودة للإسلام كطريق لفلسطين مؤسساً بذلك “جمعية عباد الرحمن” التي من رحمها خرج فرع طرابلس إلى “إخوان سوريا ومصر” (الجماعة الإسلامية)، بينما تلبننت إلى حد ما مجموعات بيروت وارتبطت بالشيخ فهيم أبو عبيه وسفير مصر عبد الحليم غالب. فكانت جامعة بيروت العربية ومؤسسها ((جمعية البر والإحسان. والأعضاء المؤسسون: جميل الرواس وراشد الحوري ومصطفى الشافعي، وهؤلاء من كبار ضباط الجيش الرابع الذين لم يلتحقوا بالثورة العربية: الرواس، مسؤول التصنيع الحربي. الحوري، قائد فوج مدفعية رفض الاستسلام وبقي يقاتل قتالا تراجعيا شرسا من بغداد الى تكريت حيث قصفه البريطانيون بغاز الخردل وأُسِرَ ونُقل الى الهند فمعسكر الهسكاب بمصر لأسرى الشوام. الشافعي، صيدلي خريج استانبول ومسؤول المستشفى العسكري ببيروت، ولكن الاحفاد خرجوا من حالة الإنزواء المحلي المتلبنن (النائب عمار الحوري). يستثنى منهم الحفيد توفيق راشد الحوري(أطال الله عمره)، وهو مؤسس اتحاد الطلبة المسلمين في بريطانيا بأوائل الخمسينات، ومسؤول المخيمات الصيفية للجماعة-معسكرات تدريب، ومتابع مع المخيمات الفلسطينية “للطوابير”، وناشر مجلة “فلسطيننا” من بيروت 1959-1965، بطلب من ياسر عرفات وخليل الوزير يوم حضرا من الكويت لبيروت سنة 1959، وطلبا اليه ذلك كتوطئة لقيام عمل عسكري لتحرير فلسطين على أسس اسلامية. – حوارات لي مع الصديق والاخ توفيق الحوري، ومعرفتة تعود لعام67، لم انشرها بعد. – والحوري اليوم، رئيس مجلس أمناء جامعة بيروت العربية ومؤسس ورئيس وقف وجامعة الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية. وهو معروف عالمياً بمقولة: (Jihad every day). إنه كما أصفه: آخر البيارتة الأحياء من زمن بيروت العثمانية)).
الثأر الأوَّل من المارونية السياسية
باغتيال رياض الصلح، خسرت المارونية اللبنانية المتعربة أو المقبولة دعامتها الإسلامية. وما أن أطلّت الناصرية، وزمانها وشعاراتها، حتى لحقت بها بيروت وطرابلس وصيدا والبقاع ورأى كل هؤلاء في عهد كميل شمعون، وهو يعتبر في الأصل ابن بيروت إن جازت التسمية “وفتى العروبة الأغر”، فرصة للثأر والانتقام من المارونية السياسية؛ ثأراً لزمن عثماني تلاشى وأملاً في مشروع عربي لم يفهم جماهيراً إلا بديلاً لهوية تستعيد صورة ” خالد بن الوليد” وصلاح الدين…. الخ ( العروبة والإسلام).
الشهابية في عيون سنّة لبنان
أمَّنت الشهابية تغطيتها “السنّية” من خلال القاهرة، عبد الناصر، وبالتعاون مع سنَّة طرابلس و بتهميش سنّة بيروت. ورغم المديح المُكال للشهابية، فإنها من نظر المارونية السياسية “خائنة”، إن جازت التسمية، تماماً كما كانت هذه المارونية قد وصفت عهد كميل شمعون في بدايتة بالخيانة.
قامت الشهابية وأجهزتها على تحطيم القيادات السنّية “الشرعية” واستتباعهم واختراقهم واستبدالها بسنّة الأطراف: نموذج تعامل الأجهزة مع صائب بك سلام وريث علي بك سلام وتركزيها على تهميشه واقصائه هو والبيارتة خصوصاً والبقية عامة، فدخل السنّة في كمون بسبب التغطية الناصرية للشهابية وبانتظار متغيرات…
النكسة وفلسطين والثأر الثاني
في حزيران 1967 انتهت الناصرية، وتمظهرت فلسطين مباشرة بقيادة توازي القيادات العربية قيادة لها خطاباً ظاهراً في كل مقام. وظيفته خدمة الخطاب الثاوي “الهوية الفلسطينية”. خطاب فهمت سنّة لبنان أبعاده، ومع ذلك سارت خلفه. (هويات ثاوية مضمرة عندها من جهة، وتصفية حساب مع المارونية السياسية من جهة اخرى).
واستطاع صاحب “القيادة التاريخية” بخطاب الهويات المتعدّدة وبمعاني فلسطين المتعددة، أن يجمع حوله كل المتربصين بالمارونية السياسية.
يمكن مراجعة كتاب: “كتيبة فتح الطلابية وتجربة اليسار المتحول إلى الإسلام”، لنيكولا دوت بويار، سلسلة مراصد عدد 2، الإسكندرية نماذج: خليل عكاوي، ومنير شفيق، أرثوذكسي فلسطيني تحوّل للإسلام، وسعود المولى. كما يمكن قراءة: أنيس نقاش في حوار منشور لصقر فخر معه، و أيضاً قراءة ما نشره الصديق محمد ابي سمرا من التحقيقات عن طرابلس وازمنتها وانقلاب أحوالها. كما أذكّر ” بقمة عرمون” أذكّر من كان حينها صبياً يعيش في النبعة، أو من كان ضابطاً صغيراً في الجيش اللبناني.
سورية الأسد
في عام 1971، وبعد ما سمي بالحركة التصحيحية، استطاع الرئيس السوري حافظ الأسد أن يجمع الكثير من “الأوراق” والإمكانيات. فكانت قيادة تاريخية لم تعرفها سورية من قبل: لا هي بأقلية، ولا هي بأكثرية، ولا هي بعلمانية، ولا هي بدينية، ولا هي بتابع للشرق أو الغرب، ولا هي خارجة عنهما، ولا هي مشروع إستعادة فلسطين ولا هي مشروع التخلي عن فلسطين، ولا هي مشروع دولة وحدوية، ولا هي مشروع دولة انفصالية، ولا هي ديمقراطية ولا هي ديكتاتورية مكشوفة، ولا هي ملكيةأ ومع ذلك مُورّثة!. إنها قيادة لا تستطيع تعريفها إلا بالسلب، بالشيء وضده في آن واحد. قيادة لا تكتشف حقيقتها إلا بالممارسة، ودوماً بعد فوات الأوان. قيادة لم يكن في لبنان لاعباً يواجهها إلا ذاك شبه اللبناني من وجه، والمختلف عنه من وجه آخر، واسمه: أبو عمار…
الخاسرون الثلاثة
أمام القدرة التاريخية لقيادة الأسد الأب، كان هناك ثلاثة خاسرون: الفلسطيني والسني والماروني، الثلاثة انتهوا باجتياح إسرائيل صيف 1982.
الطائف والطوائف
منذ الاجتياح الاسرائيلي لبيروت وخروج منظمة التحرير وبالتزامن مع ابتداء الهجوم الايراني على العراق بعد ايقاف الأخير الحرب من جانبه وارتضائه دفع تعوبضات لايران في 12 تموز 1982 للوصول الى بغداد بشعار: ” =طريق فلسطين تمر من كربلاء”، ووصول الحرس الثوي الايراني الى لبنان عن طرق سوريا، وصولا الى تحويل بيروت مدينة تملؤها “الجرذان”، وفتح حرب المخيمات وانتشار الفوضى العارمة الى “حرب التحرير” العونية المزعومة و غزوة صدام للكويت الكويت (عودة الفرع للأصل.. ! مع أن الكل فروع وأصول في آن معاً)، فعودة الاستعمار العسكري الغربي المباشر للمنطقة (تبيّن انه حمل عصاه ولكنه لم يرحل قط)، وبعد تطبيقات “شكلية” للطائف، وقرار لبناني ظاهراً ولا شيء داخلياً، في الحقيقة، بل حصصاً داخلية واداوراً، مرة لهذا وأخرى لذاك، باستثناء الحصة الايرانية المتوسعة دوماً (حزب الله) وتوظيف سوري لروح المارونية السياسية ضد الحريري، (مقولة “الله يستر سوريا من هيدا الرجال”… )، منذ هذه “الحقبة الاسرائيلة السورية الايرانية المشتركة”، عاش السنة في كمون مترقبين الى ان نزل عليهم يوم الاستباحة الاكبر في 14 شباط 2005. (من الامانة هنا الاشارة الى الفرحة بالتحرير، ولو بعد ممانعة الشقيقة وتردد الاخوان!-سحب المبرر بالانسحاب!).
الحريرية صانعة “اللبنانيين السنّة”
كان ثمة رجل، من صيدا من الجنوب، من المكان الذي خرج منه رياض الصلح وكاظم الصلح، استوطن العالم وعواصم القرار واستوطن بيروت. رجل فوق العادة، صاحب النفس الطويل والقدرة على التعامل والصبر. معه سكت السنَّة لخبرتهم الجديدة المكتسبة في خواتيم المشاريع العروبية- الفلسطينية ومآلاتها، فتلبننوا بهدوء أو على الناعم. إنها ” القوة الناعمة” الفعلية للحريرية.
وحده رفيق الحريري دون ما سبقه من زعامات سنّية استطاع أن ينقل جماهير السنّة من “تخوم” الأمة ويدنيهم من اللبننة. ساعده في ذلك زمن نهاية المشاريع الوهمية الكبرى وبالتأكيد ساعده سقوط العراق. ولكن الحريرية، جسر العبور لسنّة لبنان إلى لبنان، لم تتمظهر إلى العلن إلا على دم الحريري المسفوح. فكان باغتياله الموصوف من قتلته المعروفين وحتى بدون تحقيق ومحكمة، ولكنها آتية ومتمسك بها، كان دمه جسراً عبر عليه السنّة من تخوم “الأمة” إلى اللبننة. عبروا في لحظة تاريخية تحققت لأول مرة منذ قيام دولة لبنان الكبير. وصار اسمهم الجديد: “اللبنانيين السنّة” أو “السنّة اللبنانيين”، حسب ميزان الضغط عليهم حالياً.
اللبنانيون السنّة هذا هو معنى الحريرية، وهو معنى “لبنان أولاً”
في 14 أذار 2005 قام ما “يشبه من الخارج” كتلة تاريخية كبرى، لكن “روح المارونية السياسية” المتمثلة بالعونية ومعها من تذبذب أو دخل في “الغيبوبة” مؤخراً، ومع اغتيالات وتهديدات وحروب زواريب، سواء كانت في الداخل ( ابتداء من “شكراً سوريا” الى الانقلاب الأخير) أو على الحدود ( حرب حزيران 2006) لإلحاق لبنان بما ليس من لبنان، ولا يشبه لبنان، ولا مستقبل له، دخلت الحريرية في أزمتها.
أزمة تؤذن بانتبات حريرات آخر، أوضح وأصلب. أزمة فرزت بقية صلبة واعية من اللبنانيين الموارنة (45 %) ومعهم “سياديون” من بقية الطوائف اللبنانية من الطائفة الشيعية الكريمة، ومن بني معروف ومن مسيحيين أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت وهؤلاء بمجموعهم مع السنّة أكثرية اللبنانيين اكثرية حقيقية لا دفترية مزورة ومسروقة. اكثرية لبنان ساحلية مقابل داخلية على التباس كل من الأخيرتين.
ما بعد الانقلاب؟
الانقلاب الاخير الذي قاده التحالف السوري – الإيراني عبر سلاح حزب الله، وهدفه إلغاء المحكمة وربط لبنان بالمحور المذكور لإعادة التحكم بلبنان عبر تقنية الـ”بلوتوث”، بعدما انتهى زمن موضة الوصل السلكي المباشر إثر الانسحاب العسكري (نيسان 2005). وتعتمد تقنية “البلوتوث” على وجود مرسل خارجي ومستقبِل محلي (روح المارونية السياسية)، التي بالتأكيد ستقفل جهاز الاستقبال بعد قليل، هرباً من فيروس. كما تعتمد تقنية البلوتوث على محطة تشغيل أرضية أساسية…. كانت جاهزة ( سلاح حزب الله). ما بعد هذا الانقلاب، يطرح السؤال التالي: امام ايّ لبنان نحن؟ وكيف انتكبت 14 اذار؟ وكيف الرد؟
حريرية وحريرات أصلب
في تحقيق لبرنامج تلفزيون MTV: برنامج “تحقيق” – إدارة كلود أبي ناضر هندي، كنت قد رافقتها فيه خلال التصوير ضمن الطريق الجديدة، كانت تعليقات اللبنانيين السنّة حريرية واضحة باستثناء “حبشيَّين” إن جاز لصق التوصيف بهما.
شاب آخر سنّي من الطريق الجديدة، تصادف أن نقلته بسيارتي الأجرة في اليوم التالي للمقابلة، هو من مواليد 1981، متوسط التعليم، موظف بسيط، مؤدب، ومن حديث إلى آخر عن الحريرية ووضع السنّة، طبعاً أفهمته أنني أمارس الكتابة الصحافية وأنني سأنشر كلامه، ووافق وكانت الأسئلة (المهم من الأسئلة) والأجوبة ما يلي:
س: شو الحل؟
ج: “بدنا سلاح”!
س: ليش السلاح؟
ج: لقتال “الشي.. ”
س: هل يرضى الحريري بهذا؟
ج: لأ
س: لماذا إذاً؟
ج: هيدا هوي الحل وكل واحد غير طائفتي بدي..
س: هل يشمل هذا المسيحيين؟
ج: أكيد لأ
س: ما شعورك إذا وقع انفجار في الضاحية؟
ج: أفرح!
س: هناك أطفال ونساء سيقتلون
ج: ولو!
س: هل تصلّي؟
ج: طبعاً
س: هل تتبع جمعية أو مجموعة دينية الخ؟
ج: لأ
انتهى الكلام بقولي له: “أنا أقدَّر ظرفك الآن، ولكن هذا ليس من الإسلام بشيء وليس من الأخلاق أو الإنسانية”.
لم أستطع متابعة عملي لأجوبته، رجعت إلى بيتي وأنا مضطرب. فأنا أعرف أنه لو وقع في أيدي غيري وكان يريد استخدامه، لاستخدمه فوراً.
أتابع على الفايس بوك، والأمور وصلت إلى حدودها القصوى، وأشعر بالراحة والقلق معاً لتأكيد تيار المستقبل على عدم استخدام العنف، تماماً كما أشعر بالراحة لأن الحريرية اليوم ستصير اصلب سياسياً وثقافيا وسلوكا. ليس هنا مجال مناقشة الموضوع فمعظمم المجموعة الملتفة خلف الحريري تبدو لي غير قادرة على التواصل مع القاعدة. هي لم تكن اولوياتها تثبيت نهائية الكيان اللبناني في عقل جماهير السنّة، ولا علاقة لها بالسياسة أو حمل الامانة، ذلك انها خمنت أن عقلهم مثل عقلها. انها مجموعة سماسرة وتوافه ورثها الابن! هي لا تزال تستنكر على القاعدة الجماهيرية خطاب: “بالروح بالدم” رغم إن مشروع 14 آذار أجهض تقريباً بالدم. هناك شبه قطيعة بين تلفزيون المستقبل وبين “السنّة في لبنان”. هناك إشكاليات مزمنة في أداء تيار المستقبل وفي إدارته وفي هذه المرحلة الحرجة ليس من الحكمة تشيئتها (إتخاذها مادة للكلام العلني)، كما ليس من العقلانية ممارسة لغة الصمت معها أو السكوت عنها. هذا جانب من إشكاليات حزب تيار المستقبل. والتسمية نفسها مع دلالات علمهم تطرح الكثير من التساؤلات. فالاسم نفسه يجمع بين نقيضين”حزب و تيار في ان واحد”! ويتجاوز المكان وهو الهدف الاساس المفترض لتوجه لبنان اولا، ليقفز فوقه الى الزمان. وأيُ زمان(؟)، زمان افتراضي، دوما يقال فيه: “تقدّرون وتضحك الاقدار”. صحيح هذا دليل رغبة مستقبلية مشروعة، ولكنها رغبة ان تحققت، اجابونا اصحاب المستقبل نفسه :”لاتحكمونا من ماضيكم”!إنّ التسمية نفسها لا تنتج الا قدماء تيار المسقبل مع كل ثانية !. أمّا العَلَمْ !، فمن أين له هذه الزرقة (؟) ولِمّا رُكّبتْ شمسٌ فيه(؟) وكيف سقط المكان منه(؟). إن العلّة في نتقطة الابتداء..
المطلوب حريرات
للخروج من هذا الاختناق وبانتظار تفتح الياسمين الدمشقي، حتى تحلّ بالقوة الضاغطة، مشكلة سلاح حزب الله، بتحويله من سلاح فئة إلى سلاح لكل اللبنانيين من خلال الدولة، وايضا مشكلة السلاح الفلسطيني، خارج و داخل المخيمات فالمأمول أن تخرج من كل طائفة لبنانية حريرها أو حريريوها، ينقلونها من الانغلاق الأقلوي والطائفية السياسية إلى رحاب لبنان أولاً ولبنان دوماً وطناً لجميع مواطنيه، متجاوزين بذلك “روح” المارونية السياسية”، أو ضغوط “الشيعية السياسية”.
المحكمة وسلاح حزب الله:
بانتظار الياسمين الدمشقي والدبكة الثورية السورية، اليوم هم يرقصون Slow، بانتظار ذلك ولتتمكن الدولة اللبنانية من ان تحسّ على نفسها وتصير دولة تفكر باستعادة سيادتها. بانتظار ذلك، فاللبنانيون السنّة ومع اللبنانيون المسيحيين ليس أمامهم إلا المحكمة ومواجهة سلاح حزب الله وتصليب المواقف للخلاص بلبنان وطناً نهائياً لجميع مواطنيه. وطن ليس جسراً بين شرق أو غرب، فالجسر دوماً ممر للأقدام، وطن متواضع متخفف من وظيفة بوسطجي غرب- شرق. وطن قائم بذاته ولذاته.
منظمة تحرير لبنانية
قبل تحويل هذا التحقيق للطباعة، أطلعني صديق على “حريرية” شبه مقاتلة تتبلور هذه الأيام. استمعت إليه، بدت لي في آلياتها وسلوكياتها أشبه بشيء خبرته في حياتي الماضيى. قلت له: هذه LLO، على غرار PLO منظمة التحرير الفلسطينية، ولكنها تفتقد إلى الكثير الكثير مما كان عند PLO…
من الاحتكاك المباشر والمعرفة شبه اليقينية بشباب سنّة في العشرينيات، خريجي جامعات يقولون : لبنان أولاً وهويتي دوماً وهم من خارج ” حزب تيار المستقبل”. أعرف أن السنّة في لبنان أو سنّة لبنان صاروا نهائياً اليوم: “اللبنانييون السنة”، وهدفهم اللبنانية السياسية. ولن يتبدلوا.
فاروق عيتاني
11\2\1102
*
خارطة ولاية بيروت العثمانية
سنَّة لبنان بعد الانقلاب: حريرية، وحريريات أصلب! شرّفني الاستاذ فاروق بالرد على ردّي و هذا ما اسعدني جدًّا و شرّفني و أفتخر. استاذي الكريم، إسمح لي أن أعقّب ببعض الافكار التي ، و أعتذر مسبقاً، ليست مترابطة ، و لكنها ربما تكون في سياق توضيح ما قصدته في ردّي السابق و زيادة عليه: أوّل الملاحظات: تقول استاذ فاروق :«إن لبنان صار بفضل اسرائيل جيباً سورياً، إنه تواطؤ الأضداد علينا…» استاذي، أختلف معك من حيث أنني أراه تواطؤ «الأنداد» و الحلفاء الموضوعيين لبعضهما البعض، و الأخطر أنه لو كانت حدود لبنان قد وصلت في العام 1920 إلى تركيا، لكان وطننا قد… قراءة المزيد ..
سنَّة لبنان بعد الانقلاب: حريرية، وحريريات أصلب! الاستاذ بيار عقل : بعد التحية، إن الضغط على “الشفاف” اليوم كان كبيرا. لقد فشلت عملية ارسال عدة تعليقات لي على ما يحصل في الجبل الاخضر الذي استرد اخضراره. فالشباب الليبي يطيح بالشيباني “العجوز” أخر الاحياء من دفعة السبعينات العسكرية، عميد العسكر العرب المتسلط في غفلة من الزمن على رقاب الناس. والاطاحة اتته من المعقل السابق للحركة السنوسية الاكثر احتراما من كل بهلوانات ابو علي الزيبق و انداده. وربما تكشف اطاحته تورط سوريا في اختفاء الصدر، فملفات “امين القومية”، والنعم “حرزانة”. وكذلك فشل رد لي على “جوزيف”، الذي اعزه كثيرا وبلا معرفة شخصية.… قراءة المزيد ..
سنَّة لبنان بعد الانقلاب: حريرية، وحريريات أصلب!
سوري قرفان
شي بيدوخ، كحكايات ألف ليله وليله، والكاتب يريد الظهور بأنه موضوعي فيخلط معطيات تاريخيه مع خيال طائفي شوفيني. الولاءات الطائفيه في مشرق الوطن العربي اوصلتنا إلى الحضيض وما زلنا كالتماسيح لا نلحظ إلا نواقص خصومنا.
أين الإنسان فيكم !
سنَّة لبنان بعد الانقلاب: حريرية، وحريريات أصلب! جوزف استاذ فاروق، أنا جوزف، المطارد الدائم لأفكارك من خلال ناو ليبانون، أو من خلال الشفّاف، أسمح لنفسي، ولو كان المجال ضيقاً، لإظهار كبير المودّة والاحترام الدائمين لشخصك النبيل والحرّ (ما زالت كلمتك حين رددت علي ذات يوم، ترن في أذنيّ: املك سيارة أجرة كي لا يمسك أحد لساني…) ولما تتفضل به من آراء وأفكار ومباحث تاريخية قيّمة جدًا (أطبعها وأحتفظ بها دائمًا، وارسلها لأصدقائي عبر ال e-mail ونتناقش في مضمونها. أريد أن أعلق اليوم بدون إطالة على أمرين : مسألة حدود ولاية بيروت، التي كانت قد وصلت شمالاً إلى الساحل السوري ،… قراءة المزيد ..