يصادف موعد إجراء الانتخابات البلدية مع ذكرى مرور سنتين على استخدام حزب الله سلاحة ضد الداخل اللبناني موقعاً القتل بين اللبنانيين العزل والأمنين ودافعاً بالوطن إلى شفير فتنة مذهبية لا تبق ولا تذر.
صحيح أنها لم تكن المرة الأولى التي لا يتورع حزب الله فيها عن استخدام سلاحه ضد طوائف لبنانية، إلا أن عملية 7-9 أيار 2008، كانت الأولى بعد الطائف.
في هذه المقالة تأملات في معان ودلالات استخدام حزب الله لسلاحه ضد أحياء ومناطق إسلامية، ليس بوصفها إحياء ومناطق إسلامية من مذاهب أخرى، بل بوصفها إحياء ومناطق تنتمي إلى خيار 14 أذار، الخيار الذي أطلق ثورة الأرز في لحظة تاريخية، فجّرها اغتيال الرئيس الحريري، وأدت إلى الخروج العسكري للقوات السورية من لبنان بعد ثلاثة عقود على إمساكها به.
ثورة الأرز
أطلق من أطلق اسم “ثورة الأرز” على تلك الفورة العددية غير المعهودة لمليوني لبناني نزلوا إلى ساحة “الحرية” في يوم 14 أذار 2005، التسمية بثورة الأرز، تسمية تحمل عند مطلقيها تصور امتداد ظاهرة “الثورات الملونة” التي عمت أوربا إلى خارج البيئة الثقافية الأوروبية، إلى بلد هو في وسط العالم العربي – الإسلامي.
في الواقع أن التباين بين ثورة الأرز والثورات الأوربية الملونة كان واضحاً منذ اللحظة الأولى. في أوربا كانت فورة الثورات الملونة تنتمي إلى حراك اجتماعي واسع، أما في لبنان فكان حراك طائفي شمل كل الطوائف اللبنانية باستثناء الطائفة الشيعية. في أوربا سيطرت كل الثورات الملونة فوراً على السلطة. أما في لبنان فقد ارتضت ثورة الأرز من البداية المشاركة في السلطة لا السيطرة عليها.
في لبنان كانت ولا تزال طائفة بكاملها تقريباً منفردة بتعبئة عسكرية وتعبئة عقائدية عابرة للكيان اللبناني وملتزمة كونها فرع ووكيل عن ولي الفقيه ودولته التي أقامها في إيران. إنها أمة حزب الله المكلفة شرعاً بطاعته، وتهيئة الأرض لظهور المهدي الذي سيقيم الدولة العادلة التي لم يوفق حتى الرسول محمد بإقامتها على قول للإمام الخيمني.
يمكن القول أنه فور رجوع الجنرال ميشال عون من الخارج، انتهت كتسمية فورة “ثورة الأرز”، لكن مفاهيمها استمرت تحت اسم قوى 14 أذار.
فما هي مفاهيم ثورة الأرز – مفاهيم قوى 14 أذار التي استهدفها حزب الله وملحقاته في 7-9 أيار 2008؟
العنف يتفوق على القسري
أثبت غزوة 7-9 أيار لبيروت وبقية مناطق 14 أذار الإسلامية أن العنف المسلح المباشر المرعب والمرهب يحقق فرض الإرادة على الخصم، ولأن العنف يتطور إلى عنف مضاد يمكن أن يقضي على بادئه أو يرفع الرعب عمن وقع عليهم الفعل. كان التوقيف السريع لحزب الله عن متابعة أعماله العسكرية في بيروت. لم يقتحم طريق الجديدة حينها.
ليس معنى ذلك أن حزب الله كان بعيداً عن أعمال العنف التي وقعت ضد أفراد قيادات 14 أذار في الأصل، بل إنه في 7-9 أيار خاطر أملاً في تحقيق “عملية جراحية موضعية” على حسب وصفه لا يترتب عليها أثر عنفي مضاد يلغي إرهابه أو يغرقه في مستنقع عمله.
يمكن القول أن ما تغنى به فريق 14 أذار الإسلامي (تيار المستقبل) فيما بعد من أنه لم يأخذ خيار العنف في الرد، هو نوع من تجميل الهزيمة. أليس طريفاً مطالبة تيار المستقبل حزب الله بالاعتذار!
في الحقيقة أن زعم حزب الله بأن ما اضطره إلى السلاح هو قرار الحكومة بفصل موظف أو المس بسلاح الإشارة وهو يعلم أنه لن يقترب أحد أصلاً منه، هو مجرد زعم لا أساس له، فالنية عند الحزب باللجوء إلى السلاح كانت مبيتة سلفاً وخطة اقتحام بيروت وضعها عماد مغنية قبل مقتله في دمشق.
يمكن الترجيح بأن نية حزب الله باللجوء إلى العنف ولدت بعد فشل محاولته الأولى في حرق الدواليب والسيطرة على المؤسسات اللبنانية حين كان معسكراً في ساحة رياض الصلح.
في الواقع أن مفهوم 14 أذار المؤسس على مفهوم ظاهرة الثورات الملونة في أوربا الثقافية لم يكن أصلاً ليتجاوز مستوى الأعمال القسرية.
إن استيراد مفاهيم اشتغلت في بيئة ثقافية أوربية لتشغيلها في بيئة ثقافية عربية – إسلامية ولو كانت لها صفة “بلاد المابين”، أو لها صبغة ثقافية، أو فيها 40% من المسيحيين أو تحمل تاريخاً طويلاً من الحداثة والعيش التعددي المتجاور، هو أمر مشكوك بنجاح.
تعطيل مبدأ الحوار – التفاوض
14 أذار في نهجها حركة حوارية – تفاوضية، للوصول إلى حلول. وهذا نهج “الثورات الملونة”. من أجل إلغاء حوارات – تفاوضات أدت إلى تفاهمات في طاولة الحوار بالمجلس النيابي ربيع 2006 ومنها المحكمة الدولية والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات، خرق حزب الله الخط الأزرق في 12/6/2006 بمزاعم اختطاف جنود إسرائيليين لإجراء تبادل أسرى معهم. كانت العبوة كبيرة ومعدة أساس لأعطاب دبابة، ولكن مصادفة مرور جيب بدل الدبابة أدى إلى ثمانية قتلى من الجنود الإسرائيليين، مما أشعل رداً إسرائيلياً مدمراً. بانتهاء مدة التمديد لإميل لحود وشغور منصب رئاسة الجمهورية وتمنع نواب 8 أذار عن تأمين نصاب الثلثين لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وافقت 14 أذار، وتبنت ترشيح رئيس الجمهورية الحالي فخامة الرئيس سليمان، وأعلنت عن ذلك.
بادعاء مزاعم غير مقنعة وجرى نفيها فيما بعد عبر مصادر قريبة من حزب الله حول تغيير موظف أو محاولة المس بسلاح الإشارة للحزب، لجأ حزب الله إلى السلاح في 7-9 أيار ضد اللبنانيين.
انتهت العملية في الدوحة بانتخاب رئيس الجمهورية في جلسة بمجلس النواب بحضور وليد المعلم إلى جانب وزير الخارجية الإيرانية.
على الرغم من ذلك، فإن جمهور 14 أذار أعطى فوزاً في انتخابات 2009 النيابية مفاجئاً صادماً لتوقعات 8 أذار محافظاً على الأكثرية النيابية التي حققها في انتخابات 2005.
اليوم وأمام “هيئة الحوار” يعود حزب الله إلى سابق نهجه بتعطيل التفاوض والحوار. لم يكفه أن موضوع سلاحه لم يعد على طاولة الحوار. لم يكفه أنه تراجع عن اتفاقه وتعهده السابق على رفض السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، بل صار يهدد في هيئة الحوار، على رفض الاستمرار في الحوار، إن لم تقبل خطته الدفاعية التي هي أصلاً لزوم ما لا يلزم طالما تمّ الإعلان عن “خطة الأمة” في الصورة النووية التي ظهر فيها رئيس إيران وسوريا و… نصرالله لا رئيس الجمهورية اللبنانية.
ديمقراطية الإنتخابات – الأكثرية
أرسى الطائف مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحين في السلطة وقاعدة الأكثرية في الفور بالإنتخابات النيابية. “ثورة، الأرز” ونموذجها في أوربا الثقافية من “الثورات الملونة” قامت على فكرة الأكثرية والحشود المليونية الإجتماعية التي تحتشد بطريقة مغايرة تنتخب بطريقة مغايرة. ورثبت قوى 14 آذار عن ثورة الأرز والطائف مبدأ الإنتخابات كتعبير عن الديمقراطية وكانت دائماً مصرة على إجرائها في أوقاتها، كما أرست مبدأ الأكثرية.
غزوة 7-9 آيار قضت على هذا المبدأ. أعلنت ضرب الحائط بالأرقام، وفرقت بين وصف الأكثرية والأغلبية، إذ لفظ الأغلبية أودعته تخصيصاً إليها عندها: (إلا أن حزب الله هم الغالبون)، ثم فصفصت مفهوم الأكثرية إلى أنواع: منها ما هو قابل للصرف ومنها ما هو غير مهم عندهم. ودخلوا في لعبة تأويل معنى الأرقام، وقالوا بأكثرية فائزة في الصناديق وأكثرية حقيقة فائزة خارج الصناديق. واخترعوا من الجمع الطرح والتفسير كل ما يسقط الشرعية عن 14 آذار التي لا زالت أكثرية حتى وإن خرج منها اليوم وليد جنبلاط ومن لحق به. لم ولن يستطيع حزب الله اختراع “معارضة سنية”. فالعصبية السنية حول الحريرية أقوى بكثير مما يتوهم. وفي كل إستحقاق ورغم إستياء السنة من نهج الحريرية اللاعنفي في التصدي لحزب الله، إلا أنهم يرون في الإنتخابات متنفساً للتعويض. وفي البيئة المسيحية هناك خط بياني معاكس قام على قاعدة كلما نجح حزب الله إبتعد المسيحيون عن العونية وعادوا إلى قواتهم وكلما تراجع حزب الله تركوا قواتهم وعادوا إلى عونيتهم. لكن القوات اللبنانية اليوم هي غير الأمس وصار السنة يتكلمون كجعجع، بل هم اليوم يروا في القوات ومؤسستها وانتشارها سنداً صلباً في الوقوف ضد محور سوريا – إيران.
على العموم، فإن مفهوم الحكومة التوافقية والقرارات التوافقية التي فرضها سلاح حزب الله في عزوة 7-9 أيار لن يبقى. فهل يعود حزب الله في نهاية فشله إلى إعادة إستخدام سلاحه علناً ضد اللبنانيين؟
الهجمة التي نشهدها اليوم ضد القوات اللبنانية، بهدف رمي العزل عليها، ستواجه بإستمرار من قبل 14 آذار الإسلامية (تيار المستقبل ومن معه).
يبقى أمام قوى 14 آذار التمسك بالأكثرية، وعدم الوقوع في فخ النسبية، ذلك أن النسبية تهدف إلى تقويم الخاسر.
والخاسر دوماً هي قوى 8 آذار. ذلك أن الكيان اللبناني كيان طبيعي. كياني متوسطي لكن مشكلته أن مزاحمه الداخلي (سوريا) تملك أيضاً وجوداً على المتوسط شماله. ومع ذلك فإن أكثرية شعب لبنان هي أكثرية ساحلية على خلاف أكثرية الشعب السوري التي هي داخلية إذ لا يتجاوز عدد محافظتي طرطوس واللاذقية الربع مليون أمام ما يزيد على العشرين مليون سورياً.
farouk_itani@live.com
سنتان على استخدام حزب الله سلاحه ضد اللبنانيين: تأملات في مسيرة 14 أذار ونهج تجميل الخسائر
abou riad — sarsourasar@hotmail.com
ya3ni ta3abet 7alak ktir bi hal ti7lil yalli ma ilo 2imeh