غداة إعلان البابا فرنسيس عن تعيين 13 كاردينالا جديدا خلال كونسيستوار سيُعقد في 19 من تشرين الثاني نوفمبر المقبل ومن بينهم السفير البابوي في سورية المطران ماريو زيناري، أجرى القسم الإيطالي في راديو الفاتيكان مقابلة مع الدبلوماسي الفاتيكاني الذي عبر عن قربه من أهالي سورية الذين يعانون من الحرب.
ولم يُخفِ سيادته التأثر الكبير الذي شعر به لدى تلقيه هذا النبأ واصفا إياه بالمفاجأة. وقال إنه يشكر البابا من صميم القلب معتبرا أن القبعة الحمراء التي سيرتديها هي مهداة إلى سورية وضحايا سورية وجميع الأشخاص المتألمين جراء هذا الصراع المسلح الرهيب لاسيما الأطفال المتألمين ومن يدفعون ثمن هذه الحرب.
وفي رد على سؤال بشأن بقائه سفيرا بابويا في دمشق بعد تعيينه كاردينالا، لفت المطران زيناري إلى أن البابا يريد حضور كاردينال في سورية بصفة سفير بابوي، وهذا يشكل رسالة هامة يريد أن يوجهها البابا فرنسيس خصوصا وأن هذا الأمر لم يسبق له مثيل.
كيف ينظر السفير البابوي إلى الإنتفاضة السورية، والكهنوت السوري، وما يُحكى عن اضطهاد المسيحيين في سوريا؟ كان “الشفاف”، في العام 2012، قد ترجم النص المرفق أدناه الذي تم تسريبه إلى جريدة “لاكروا” الفرنسية، وهو يستحق القراءة الآن أكثر من أي وقت مضى. إقرأ أدناه.
*
القاصد الرسولي في دمشق: الحقيقة حول مزاعم إضطهاد المسيحيين في إنتفاضة سوريا
مصدر مطلع- ترجمة “الشفاف”
أصدقائي الأعزاء المتابعين بدقة لأوضاع مسيحيي الشرق.
لقد عدت لتوّي من روما، حيث شاركت في الإجتماع السنوي لـ”جمعيات المعونة الكاثوليكية لمسيحيي الشرق الأدنى”. وحظينا يوم أمس بلقاء مع البابا، الذي أطلق نداءً من أجل السلام في سوريا. وتجدون ملخًصاً له في مقال نشرته جريدة “لاكروا” بالفرنسية http://www.la-croix.com/Religion/Ur...
وفي اليوم السابق، كنا قد أمضينا الصباح كله في لقاء مع المونسنيور ”ماريو زيناري”، الموفد البابوي في دمشق، الذي أشارت جريدة ”لاكروا” لكلامه، والذي حظينا معه بنقاش ممتع ومفيد للغاية. إن المونسنيور ”زيناري” هو إحدى القامات الكبرى في الديبلوماسية الفاتيكانية، وتتّسم معلوماته بكثافتها وأحكامه بدقّتها البالغة. وسبق له أن شغل منصب سفير البابا في ساحل العاج، وفي سريلانكا، مما جعله قادراً على فهم التطوّرات غير الطبيعية التي ترافق ظاهرة الحرب الأهلية. وبالنسبة لسوريا، فقد أفادنا بأكثر بكثير مما جاء في مقالة ”لاكروا” التي استقت معلوماتها من مقابلة قصيرة مع ”راديو فاتيكان”. وسألفت انتباهكم في ما يلي إلى بعض النقاط المهمة والتي يمكن لكم أن تعمّموا فحواها:
أولا: الإنتفاضة في سوريا هي انتفاضة شعبية حقيقية، ضد نظام ديكتاتوري دموي عزّز منذ سنوات طويلة شبكات الفساد المستشري وقمع الحريات الفردية بصورة متواصلة. ولكن هذه الإنتفاضة لم تكن متوقّعة، لأن الوضع الإقتصادي كان مرضٍ نوعاً ما، بالمقارنة مع البلدان المجاورة، ولأنه كان حدث بعض التقدّم باتجاه تخفيف شراسة النظام.
ثانياً: ليس هنالك أدنى شك في وجود عناصر سلفية أو من غير السوريين في الإنتفاضة. ولكن كوادر الإنتفاضة بأغلبيتهم، ليسوا متطرّفين وهم، بالتأكيد، ليسوا ضد المسيحيين. وقد أقام المونسنيور زيناري، وما زال، علاقات ممتازة معهم.
بعض الشخصيات الكنسية تقبض أموالاً او يضلّلها النظام
ثالثاً: ليست هنالك مطاردة منهجية للمسيحيين من جانب المنتفضين. حتى في “حمص” أو في “القُصير”، حيث تنجم الخطورة البالغة للوضع إلى نزاعات سواء عشائرية أو مافياوية تعود إلى زمن بعيد. لقد كان مسيحيون ضحايا للقصف أو للمناوشات، مثل كثير من السنّة أو العلويين، غير أنهم لم يكونوا مستهدفين بصفتهم مسيحيين. ولم تتعرّض أي من المقدّسات المسيحية لاعتداء مقصود. كما أكّد المونسنيور زيناري أن التصريحات التخويفية التي أدلى بها بعض كبار رجال الدين (مثل المونسنيور “جانبار” في حلب، وحتى، مع الأسف، بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث) أو رهبان وراهبات (مثل الراهبة ماري أغنيس مريم الصليب) والتي تزعم أن المسيحيين يتعرضون للملاحقة من جانب القوات الثورية التي تريد استئصالهم هي عبارة عن تضليل. ومن الواضح أن بعض الشخصيات الكنسية تقبض أموالاً من النظام أو يضلّلها النظام لإثارة الشائعات التي تصوّر النظام وكأنه المدافع الوحيد عن الأقلية المسيحية وللتلويح بشبح سيناريو مشابه لما حدث في العراق. إن موقف تلك الشخصيات الكنسية يرقى إلى التواطوء مع النظام، ويمكن أن يكلّفها غالياً جداً في المستقبل.
رابعاً: قدّم المونسنيور زيناري أمثلة كثيرة حول أعمال التضامن الرائعة بين المسيحيين والمسلمين في أصعب اللحظات. وشدّد على أنه، بعيداً عن أن يكونوا “مُضطَهَدين”، فإن المسيحيين، حتى الآن على الأقل، يحظون بالإحترام والمراعاة، سواءً من جانب الجيش أو من جانب قوات الإنتفاضة. ويكفي أن يتعرّف حاجز أو نقطة تفتيش لهويتهم المسيحية حتى تتبدّد أية عوائق في طريقهم.
“فيليب تورنيول كلو” ليس أسقفاً كاثوليكياً بل منشقاً من جماعات الأصوليين المسيحيين واليمين المتطرف!
خامساً: تلفت “جمعيات المعونة الكاثوليكية لمسيحيي الشرق الأدنى”، ومسؤولو الكنيسة الكاثوليكية، الإنتباه إلى النشاط الذي يقوم به ”المونسنيور المزعوم فيليب تورنيول كلو”، الذي يطلق على نفسه لقب ”أسقف الروم الملكيين الكاثوليك”، والذي تناقلت وسائل إعلام كثيرة أخباراً حول ”مهمة في سوريا” قام بها وندّد في ختامها بالطابع الإسلامي للإنتفاضة، وبالمجازر المنهجية التي يتعرّض لها المسيحيون، والتضليل الذي تمارسه وسائل الإعلام الدولية. (أنظر مثلاً: http://www.diatala.org/article-syri…)
كما يدعو المونسنيور تورنيول كلو إلى ”قول الحقيقة” وإلى التنديد بالمذبحة التي يتعرّض لها المسيحيون في سوريا. لكن الكرسي الرسولي (الفاتيكان) يشدّد على أن الشخص المذكور ليس، بأية صورة من الصورـ عضوا في الهيئات الكَنَسية الكاثوليكية، وأنه لا يتمتع بأي من الصفات التي يزعمها لنفسه. إن مزاعمه خاطئة ومضلّلة. وهو بعيد جداً عن ”قول الحقيقة”. لقد التقى المونسنيور زيناري به في دمشق، حيث كان مرتدياً ملابس كنسية لا يحقّ له ارتداؤها.. وقد اعترف له المونسنيور المزعوم بأنه لم يذهب إطلاقاً إلى مدينة حمص مع أنه كان قد زعم قبل ذلك أنه كان شاهد عيان على مطاردة المسيحيين. وإبان اجتماع “جمعيات المعونة الكاثوليكية لمسيحيي الشرق الأدنى”، تلقّى المونسنيور غولنيش، مدير جمعية ”أوفر دوريان”، إتصالاً عاجلاً من كهنة يسوعيين في حمص طالبوه فيه بالسعي لدى الفاتيكان ولدى وكالة ”فيديس”، التي نقلت أقوال المونسنيور المزعوم تورنيول، لأن أقواله تعرّض للخطر أولئك اليسوعيين الذين حرصوا دائماً على الحوار بين جميع الطوائف. والحقيقة هي أن المونسنيور المزعوم “تورنيول” هو أحد المنشقين من جماعة “الكاثوليك الأصوليين” (المنشقّين عن الفاتيكان) واليمين المتطرف، وهو مجهول من جميع من يعرفون، ومن يتعاطون، مع مسيحيي الشرق.
إن من المهم أن توصلوا هذه المعلومات بأسرع وقت وأن تكشفوا التزوير الذي يمثّله المدعو “تورنيول كلو”. وتكفي زيارة موقع http://www.catholic-hierarchy.org/b… الذي يحتوي على قائمة بأساقفة الكنيسة الكاثوليكية لا يرد ضمنها إسم المذكور. وهذا كله نموذج ساطع لعمليات التضليل التي تقوم بها أوساط مشبوهة في ما يتعلق بالوضع السوري. وستقوم جمعية “أوفر دوريان” قريباً بإصدار بيان صحفي حول الموضوع.
سادساً: في ما يتعلق بصديقنا الأب “باولو دالوغليو”، الذي أُرغِمَ على مغادرة البلاد بأمر من أسقفه، فإنه ينبغي الإنتباه إلى أن ذلك الإجراء لم يمثّل إنكاراً من جانب الكرسي الرسولي للعمل الذي قام به الأب باولو. كل ما في الأمر هو أن الأب باولو، حيث أنه ليس سورياً، فمن الحصافة أن يظل بعيداً عن السجال. ومن جهة أخرى، فقد باتت حياته في خطر لأن دعواته للحوار في إطار إحترام المطالب المحقّة للمعارضة، ورفضه للأكاذيب التي تدافع عن النظام عبر التلويح بشبح مجزرة يتعرض لها المسيحيون، تعرّضه للخطر من جانب جلاوزة عشيرة الأسد.
ويمكن لكم نقل كلامي هذا في جميع الأنحاء.
شكراً لكم.
يمكن للقارئ الإطلاع على النص الأصلي بالفرنسية على الشفاف:
Mgr Mario Zenari : vérité et désinformation sur la persécution des Chrétiens de Syrie