بيروت – صبحي الدبيسي:
* ما تشهده الساحة الشيعية اليوم من تكتلات وهيمنة خارج إطار الدول الموجودة فيها هذه الطائفة، هل سببها الرسالة التي نادى بها الإمام موسى الصدر والإمام محمد مهدي شمس الدين والإمام السيستاني؟
– من وجهة نظري، ما يجري لا علاقة للسيد موسى الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين، ولا حتى بالسيد السيستاني ولا بكل تاريخ الفقه الشيعي الامامي . ما يجري بشكل أساسي له علاقة بالدولة السلطانية، بنشوء دولة شيعية وباحلال موقع »»ولاية الفقيه«« محل موقع »المرجع الديني المجتهد«، الذي تميز به فقهاء الشيعة، خلال مئات السنين من الدولة الأموية إلى عهد الإمام الخميني وموقع استقلالية القيادة الدينية تحت عنوان الاجتهاد المطلق وداخل الحوزات الدينية، والمؤسسات التي أنشئت بمعزل عن الدولة.
فإذا كان ثمة ميزة للتشيع في هذه المسألة، فلأن الشيعة يتباهون بأن عندهم باب الاجتهاد مفتوح اما اليوم فحصل انقطاع وتحول في الوضع الشيعي يخشى معه أن ينتهي موقع الاجتهاد مع الزمن ويحل محله موقع الدولة السلطانية، من خلال مفهوم »ولاية الفقيه«، ومثال على ذلك ما حصل بعد وفاة الإمام الخميني، كان هناك تقليد في أيام الشاه، يقضي بعدم تعرضه للمجتهدين من المراجع، أي ما يسمى عند الشيعة المجتهد المطلق. الخميني في العام 1963 لم يكن المجتهد المطلق، وبنتيجة انتفاضة شعبية حصلت في تلك السنة قرر الشاه سجن الإمام الخميني لا بل اعدامه، فاجتمع علماء قُم وأعطوا الخميني صفة المجتهد المطلق لحمايته فلجأ الشاه إلى نفيه، فانتقل الخميني إلى النجف. هذه حادثة أولى تدل على هذه المسألة.والغريب ان الخميني اضطهد لاحقاً هؤلاء المراجع العظام الذين حموه وابرزهم السيد شريعتمداري. ان قيمة المجتهد تدل على عظمة الاجتهاد عند الشيعة.
الحادثة الثانية ما حصل عند وفاة الإمام الخميني، الذي عندما تسلم الحكم أصبح يجسد في آن معاً المرجع المجتهد وولي الفقيه، يعني له الى جنب السلطة صفة الاجتهاد (آية الله العظمى) وقد نال هذه الصفة في العام 1963 فاستحقها مع الوقت من خلال أبحاثه وكتاباته، وقيادته لشؤون الشيعة عندما كان في النجف. وكان أحد المجتهدين مع الإمام الخوئي ومحسن الحكيم وغيرهم.
وعندما توفي الإمام الخميني وأرادوا تعيين خلف له وقعوا في مشكلة بسبب النص المعتمد في عهد الخميني بأن ولي الفقيه هو المجتهد المرجع في زمانه، وأن يكون هو الأعلم والاعدل في زمانه، أي هو المجتهد المطلق، اي انه يحوز على صفات الاجتهاد ثم على القيادة. وبما أن خامنئي لم يكن مرجعاً مجتهداً فقد وقعوا في مشكلة، وحصل نوع من عملية الفصل بمعنى جواز تولي منصب القيادة، ولكن ليس للمجتهد المطلق، بل لأي علامة أو عالم وتم الفصل بين الموقعين على أمل أنه بعد زمن تعود الدولة لتستحوذ على موقع الاجتهاد، وهذا ما حصل. وأذكر انهم عينوا مرجعا اسمه الاراكي وكان عمره يزيد على التسعين وهو كان من أساتذة الخميني ، وكل ذلك حتى يهيئوا لمرجعية خامنئي.
وعلى ما أذكر يومها عشنا في لبنان الخلاف مع السيد محمد حسين فضل الله. وسبب هذا الخلاف أن خامنئي بالنسبة لفضل الله لا يحوز صفة المجتهد المطلق وهو (فضل الله) يهيئ نفسه ليكون المجتهد المطلق، لأنه اعتقد انه مقبول في حوزة النجف وفي حوزة قُم.
وبعد وفاة الخميني وافق فضل الله على ولاية خامنئي، ولكن عندما بدأوا بالعمل من أجل تولية خامنئي كمجتهد مطلق أيضاً حصل الخلاف مع السيد فضل الله وانعكس خلافاً بين “حزب الله” والسيد فضل الله بالتحديد في العامين 1997 و1998 وقام ما يشبه ازدواجية الولاء بالنسبة لبعض المحازبين في “حزب الله” الذين يؤيدون فضل الله، وكان يجب أن يؤيدوا خامنئي، فجمعوا بين المجتهد وولي الفقيه في موقع واحد. أقول هنا انه إذا استمر هذا النهج على المدى البعيد تنتهي الحوزة الدينية، وينتهي النجف، وتصبح الدولة هي صاحبة أمر الاجتهاد. وتعود الأمور كما كانت عليه في الدولة الأموية والدولة العباسية او الصفوية. ولكن ليس دولة الخلافة أو القيادة العادلة. وليس الاجتهاد أو المجتهد، أو المقام أو الموقع الخاص بالاجتهاد المستقل. ونصبح كما كنا نقول فقهاء السلاطين، ويتحول فقهاء الشيعة إلى فقهاء السلطان، تحت قيادة ولي الفقيه.
غياب التعددية
* هل يعني من وجهة نظرك، أنه كان على الإمام الخامنئي أن يقبل بالخلافة دون أن يعتبر نفسه المجتهد المطلق؟
– لا يجوز أن تستحوذ الدولة السلطانية على موقع الاجتهاد الذي هو قوة المجتمع. ما يحصل في الوضع الشيعي الآن، على المستوى الأول هناك وضع يد على موقع الاجتهاد والحوزة الدينية والعلم والفقه من قبل الدولة. وهي دولة شيعية صحيح وانما سلطانية كمطلق دولة ولو تحت عنوان »ولاية الفقيه«. من ناحية ثانية انعكس ذلك في لبنان فحصلت بلبلة في الوضع الشيعي وهناك قطيعة مع نهج السيد موسى الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين، أو مع ما يمثله السيد السيستاني والمراجع الكبار في قم والنجف على السواء. لفظياً هناك مناداة عند بعض الشيعة بأنهم يتبعون السيد السيستاني بالاجتهاد. ولكن فعلياً المال والسلاح والفتاوى وسلطان الدولة هي التي تحدد جدول الأعمال والأجندة السياسية للطائفة الشيعية في لبنان. وهذا يتطلب إصلاحاً دينياً في الوعي الديني الشيعي، وفي الوعي الثقافي، وليس فقط على المستوى السياسي، المسألة ليست مسألة منع استحواذ “حزب الله” و”أمل” أو الأحزاب الشيعية باسم الشيعة، أو تمثيلهم للشيعة كجماعة دينية، وليس فقط القول بأنهم أحزاب سياسية، ولكن الامر انه لا يجوز أن يستحوذوا على التمثيل الديني والاجتماعي والثقافي في الطائفة الشيعية. ليس المخيف أن يتبع “حزب الله” وحركة “أمل” »ولاية الفقيه« بالمعنى السياسي التابع للدولة بل إن ما يخيف هو منع او غياب التعددية داخل الطائفة الشيعية. هذا الغنى الذي شكل حيويتها في الأزمنة السابقة.
* هل يعني ذلك، أن الذين لا يؤيدون حتى الآن »ولاية الفقيه« عليهم الالتحاق بها قبل فوات الأوان وإلا سيتم تهميشهم؟
– أخشى ما هو أبعد من التهميش. الإنسان يقاوم التهميش ويستطيع أن يصمد ويتمسك بالمبادئ والثوابت الأساسية ويقيم علاقات مع الناس والمجتمع. ولكن أخشى أن نكون متجهين باتجاه الأحادية، أحادية مطلقة على النمط »الفاشي«. وهذا يستدعي جهداً على مستوى القيادات الشيعية في النجف. بمعنى أن تمنع أن يتحول التشيع إلى دولة، وان يتحول الفهم الشيعي إلى »ولاية الفقيه«، وهذا الفهم ليس حتى الآن هو المنهج الغالب عند فقهاء الشيعة أو هو الخط الغالب عند فقهاء الشيعة. معلوم أن »ولاية الفقيه« لم تظهر إلا مع ولاية الإمام الخميني وتعيينه خط سياسي غالب، ولخط تنظيمي غالب، كخط عمل وكمنهج في التعامل مع الواقع السياسي عند الشيعة في ايران. ولكن الغالب حتى في زمن الخميني، انه لم يستطع أن يجعل »ولاية الفقيه« هي العقيدة الغالبة فلم يخضع لها كبار المراجع وما زالوا حتى اليوم يقاومونها وعلى رأسهم شهيد حوزة قم الحي الشيخ حسين علي منتظري.
* هل كان الخميني يسعى لفرض »ولاية الفقيه« في عهده أم كان مؤمناً بالاجتهاد كسائر العلماء؟
– الكل مؤمن بالاجتهاد، ولكن حصل انزلاق من الاجتهاد إلى الدولة. من صيغة نمط أو نسق المجتهدين بالنجف وقُم والحوزات الدينية واستقلالية الفقه عن الدول وعن النظام السياسي وعن التشكيلات السياسية الحزبية، إلى أن أصبح هو ولياً على دولة، فغلب الجانب السياسي على الجانب الفقهي وجانب مصالح الدولة القومية الخاصة التي يمثلها على حساب الجانب الديني والغنى الإنساني.وهذه المصيبة مسالة انسانية عامة منذ قابيل وهابيل ، او منذ ولادة البشرية : مصيبة السلطة والسلطان. التشيع ليس مذهب سلطة وسلطان ودولة. والتشيع ليس فئة نشازا داخل الإسلام.التشيع حركة انسانية مجتمعية فكرية ثقافية فلسفية لا يجوز اختزالها بحزب او دولة.
مرجعية النجف
* في ظل التفكك القائم في بنية الدولة في العراق، ودعم إيران للشيعة. إلى متى تستطيع مرجعية النجف أن تكون لديها القدرة على مواجهة هذا الزحف القائم تحت عنوان “ولاية الفقيه”؟
– هذا هو التحدي الأساسي. واللبنانيون يأملون أن يكون النجف على مستوى التحدي، لأن الشيعة اللبنانيين كانوا على صلة بالنجف، وكل علماء الشيعة في لبنان أتوا من النجف، وكنا نقلد المراجع من السيد محسن الأمين إلى السيد محسن الحكيم، وصولاً إلى السيد موسى الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين. وحتى السيستاني وكل العلماء الأساسيين في العراق وغيره. التقليد اللبناني الشيعي كان دائماً نجفي الهوى. وهكذا على مستوى الخليج وباكستان وعلى مستوى معظم الشيعة في العالم وذلك بالتحديد بسبب حساسية مسألة الدولة السلطانية والتجربة الشيعية المريرة مع الدولة الصفوية وغيرها من الدول التي حكمت واستبدت باسم التشيع.
في البداية حاول الشاه وضع اليد على قُم، فمن الطبيعي أن تكون النجف بالنسبة لأهالي قُم وأهالي العرب والعجم من كل البلدان مركز القيادة بسبب حساسية الشيعة تجاه موضوع الدولة. أية دولة، دولة الشاه أو دولة الخميني يجب ألا تضع يدها على الحوزة الدينية وعلى العلم الديني ومسألة الاجتهاد حتى لا يتم إبطاله ولا يبقى اجتهاداً ونصبح أمام »فقهاء سلاطين« سواء كانوا على أيام الشاه أو على أيام الصفويين، فالذين أقاموا الدولة الصفوية هم فقهاء شيعة، أفتوا للسلطان الشاه إسماعيل وثبتوه دينياً على أنه نائب عن الإمام. وكان الشاه الصفوي نائباً عن الإمام المهدي، ثم حصلت مواجهة مع الفقهاء الشيعة لأنهم لم يقبلوا بذلك، وصولاً إلى الخميني، فأصبح عالم الدين في زمن الخميني يتجسد في شخصه الشاه والعالم الفقيه. بمعنى أن »ولاية الفقيه« هي تجسيد لثنائية الشاه والفقيه. أو الفقيه و السلطان.
»تغول« الدولة
* هل تخشى أن يوافق شيعة العراق على مبدأ »ولاية الفقيه« في وقت قريب بمعزل عن مرجعية النجف?
– لا.. لذلك ما زال الأمل أن يتم التصدي بشكل ذكي وخلاق لهذه المسألة من دون صدام حول »ولاية الفقيه«، من مع ومن ضد، وأن تأخذ المسألة سياقها الطبيعي، فلا يوافقون على أن يحكم الفقهاء. حتى في زمن الخميني عندما تسلم السلطة هناك فقهاء كثر واجهوه حول هذه المسألة وأدى ذلك إلى تشذيب وتهذيب مبدأ »ولاية الفقيه«. الخميني لم يكن عنده صلاحيات كولي فقيه كما هو الحال اليوم. ولم يستطع الإمام الخميني مع كل عظمته تخطي التوازنات التي كانت قائمة في ايران يومذاك. والشيء نفسه اليوم يجب الاستجابة لوضع النجف، ولكن أخشى انتصار سياق الدولة. الدولة غول. كل دولة هي غول، هل ننسى كيف “تغولت” الدولة الأموية والعباسية والعثمانية وقلبت مفاهيم المجتمع واستبدت وظلمت الناس. الحصانة الوحيدة باستقلالية المجتمع والفقهاء والعلم الديني.
* ماذا تريد الجهات التي تدفع الشيعة إلى هذا المنحى؟ هل يجري ذلك من أجل إحداث مشاكل في المستقبل بين الشيعة والسنة، وما الهدف؟
– الهدف مصالح، ككل شيء في السياسة. هناك مصلحة دولة تأخذ صفة الدولة الإسلامية، لكنها دولة قومية. مصالحها القومية أولاً تأتي قبل الدين وقبل المذهب، وكل دولة تقوم بسياسات معينة خدمة لمصالحها.. لذلك لا يوجد مصلحة أن يتحول التشيع إلى مذهب خاص للتميز عن بقية المسلمين. يجب أن يبقى التشيع كما كان، هو حالة ثقافية فكرية فلسفية ضمن الإسلام. لا تختلف عن المسلمين وعلى الشيعة في كل البلدان وكما كان يقول الإمام شمس الدين، الاندماج في أوطانهم مع المحافظة على الخصوصية الدينية. ولكن في مسألة الاجتماع السياسي والاجتماع المدني يفترض أن تذوب هذه الخصوصية، ويندمج الجميع في أوطان وقوميات وتبنى علاقات بين الدول. ليس صحيحاً المفهوم الذي يريد إخراجنا من وطنيتنا لمصلحة شيء غائم عائم اسمه شيعة أو اسمه إسلام. حتى أيام رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) لم تكن الدولة الإسلامية دولة بالمعنى الذي يتحدثون عنه اليوم، كانت دولة تعددية، الدولة النبوية، كانت دولة اتحادية. علينا القبول بواقع التعددية، والكيانات الوطنية والقومية للمسلمين. يجب فهم ذلك. أما الدين والمذهب والتشيع والتسنن فيجب أن تبقى ضمن الحالة الثقافية والأخلاقية والدينية والعبادية والخصوصية الثقافية التي تلون المجتمعات الدينية.
* برأيك هل الجمهورية الإسلامية تسعى للسيطرة على كل شيعة العالم?
– طبعاً.. بلا شك هي تسعى وتعتقد أنها حققت ذلك. مفهوم »ولاية الفقيه«، هذا معناه بالضبط .هناك خطاب للسيد مصباح يزدي وهو الأب الروحي لأحمدي نجاد والعقل الذي يقف خلفه. مصباح يزدي برأيي من الأصولية الشيعية وليس من المحافظين. الخامنئي محافظ. والشيخ هاشمي رفسنجاني محافظ معتدل وإصلاحي. الرئيس أحمدي نجاد ينتمي إلى خط مصباح يزدي، وأحمد جنتي وهو خط أصولي يطلقون عليه الخط المهدوي. ويدعو إلى التهيئة لمجيء المهدي وهذا يستدعي القيام بكل شيء من أجل تعميم المذهب الشيعي من خلال الدولة. ولمصباح يزدي كلام في إحدى خطب الجمعة يدعو فيه المسلمين في كل العالم أن يتبعوا »ولاية الفقيه«. وهذا أمر يخشى منه والسيد خامنئي له كلام مماثل وحتى “حزب الله” في بياناته ووثائقه الداخلية. وفي آخر كتاب صدر للشيخ نعيم قاسم في العام 2003 أي بعد 2001 وبعد الكلام عن اللبننة كلام واضح بأن »ولاية الفقيه ولاية مطلقة على كل مسلم، واننا نحن أيضاً في لبنان جنود »ولاية الفقيه«.
هذا طبعاً يتناقض مع الوطنية ومع القومية، ومع الاجتماع المدني ومع الاجتماع السياسي. وعلى “حزب الله” وعلى القوى الإسلامية الشيعية التي تنتمي إلى هذا الخط أن تعود إلى الأصل، إلى السياق الفعلي للتشيع، لأن ما سوى ذلك يهدد بتفكيك المجتمع. ويهدد بالمشاكل في كل مجتمع. وبالنهاية الشيعة أقليات في هذه المجتمعات حتى ولو كانوا أغلبية عددية كما في لبنان او غير لبنان. الوضع في لبنان لا يبشر ببناء أوطان.
* شيعة لبنان إلى أين برأيك?
– لا أريد أن أستخدم ما دأبت على استخدامه بعض الصحف أو بعض السياسيين الذين يقولون بأن الشيعة مخطوفون. شيعة لبنان ليسوا مخطوفين. الغالبية الشيعية في المجتمع الشيعي تجد نفسها تتماهى مع حركة “أمل” و”حزب الله”. وخصوصا “حزب الله”. يجب أن نكون واقعيين ونعترف بذلك. هذا ليس بسبب المقاومة.. المقاومة عامل أساسي ولكن ليس العامل الأساسي أو الوحيد . أن يتماهى شيعة لبنان مع “حزب الله” لأنه حزب المقاومة. ولأن قضيتهم هي المقاومة، غير صحيح. هناك عوامل طبقية اجتماعية ثقافية تسمى سياسات الهوية من قبيل اسلام اهل البوسنة وكوسوفو في وجه الصرب ، او تشيع الصفويين في وجه العثمانيين.
* ربما لأن “حزب الله” من خلال دوره المقاوم رفع من شأن مستوى الطائفة الشيعية؟
– بالضبط، ولكن أهم شيء هنا هو عامل الهوية، بناء هوية الجماعة اي الهوية الذاتية للشيعة كقبيلة تحارب من اجل السلطة وموارد السلطة. والاعتقاد أنه من خلال هذا البناء او سياسة الهوية هذه نستطيع أن نحكم وأن نمسك بالحكم. مسألة السلطة هي الأساس. وكل الطوائف لديها المشكلة نفسها. وكذلك كل الأحزاب وكل الزعماء. وفي النهاية مشكلة الإنسانية هي السلطة عندما قتل قابيل أخاه هابيل كان الخلاف على السلطة. والفتنة الكبرى في الاسلام هي فتنة السلطة. الآن في الوعي الشيعي إننا وصلنا قاب قوسين أو أدنى بأن نمسك بالسلطة. فلذلك التماهي مع ” حزب الله” لأنه يحقق هذه الهوية كما يتخيلونها مع ما يستتبعها من مصالح ومنافع ومواقع. هذه سياسة غلبة وقوة وليست سياسة عدل وتقوى. فأين هو الامام علي هنا؟؟. ناهيك عن ان هذا طبعاً في الحقيقة هو وهم سلطة ووهم غلبة. وهنا أعود إلى الأساس إلى الإمام علي و الإمام الحسين وكل أئمة الشيعة، من منهم غلب فكرة التماهي مع السلطة أو الوصول إلى السلطة واعتبرها هدفاً على حساب وحدة المسلمين؟ الشيعة يقولون أن الأئمة منصوص عليهم من الله. يعني الإمامة شأن إلهي وليس شأن الناس ومع ذلك هل الإمام علي خالف النص الإلهي أو خالف الله عندما قبل بالخلفاء. قبل بخلافة الخلفاء وتعايش معهم وحارب معهم. وحمل السلاح تحت قيادتهم والإمام الحسن عندما أقام الصلح مع معاوية، هل تنازل عن حقه الديني؟ أو الإمام الحسين هل كان يريد السلطة، ذهب مع عائلته وأصحابه الذين لم يتجاوز عددهم 73 شخصاً، هل كان يسعى للانقلاب بهذا العدد القليل من الرجال لينتزع السلطة من الأمويين؟ وكما قال: “ما جئت اشراً ولا بطراً ،إنما جئت لطلب الإصلاح في أمة جدي”. وقال في نفس النص: “الكف في مواجهة السيف” ولم يقل السيف في مواجهة السيف”. والإمام علي بن الحسين سمي زين العابدين وسمي الإمام السجاد لأنه أمضى حياته في الصلاة. وصلى للدولة الأموية في حربها مع الروم. هل أسرد تاريخ الائمة الاثني عشر؟؟ الباقر اي باقر العلم والصادق اي صادق القلب واللسان والجواد والتقي والنقي ،…..هل نسينا حتى معنى اسماء ائمتنا؟؟؟ هل دعا أحدهم لاستلام حكم الدولة والسلطة والسلطان بالقوة والانقلاب ام انهم دعوا للعلم والفكر وللتقوى والوحدة والمحبة؟؟.
… الى الهاوية
* بموازاة “حزب الله” وحركة “أمل” هنالك الاعتدال الشيعي الذي يسعى ليكون له دور في سياسة الطائفة الشيعية، وأن يكون له موقع على الساحة ويعيد إرث السيد موسى الصدر والشيخ شمس الدين ولكن كما يقال في العامية (الناس مع الواقف) ولا يصفقون إلا للرابح والمنتصر، هذا الواقع إلى متى سيستمر برأيك؟
– هذه سنن كونية مكتوب لها أن تأخذ مداها. وهناك شعوب كثيرة سبقتنا، وطوائف أيضاً سبقتنا. الانتفاخ المسيحي استمر حتى اصطدم بالحائط، أي انتفاخ أو هيجان طائفي، وأي تماه مع حزب سياسي أو مع مطالب سياسية أو مع مطلق نزعةطائفية يجب أن يأخذ مداه، ولا يعني ذلك عدم مقاومته، يعني ذلك أن نكون واعين لصعوبة هذه المقاومة، وعلينا أن نحمل كل علماء المسلمين مسؤولية أن هذا يؤدي بالشيعة إلى الهلاك إذا استمر بهذا الشكل. من ناحية أولى يجب أن تبقى المواجهة الكلامية والثقافية والدينية والسياسية مع هذا التوجه مهما كلف الأمر لأننا ندافع عن الشيعة بهذا المعنى وليس عن الإسلام والدول الإسلامية فقط. لأنهم يأخذون الشيعة إلى الهاوية وإلى المذبحة، لا يجوز أن نكون شيعة أكبر او أفضل من تشيع الإمام علي، أو أن نزايد على النبي محمد بإسلامنا. في النهاية هناك قدوة ومثال بالإسلام والتشيع وواجبنا أن نكون خلف السلف وليس أمامهم. لا يجوز أن نتخلف عن الأئمة ومن يتخلف عن الأئمة فهو مخالف. ولكن من يتقدمهم فهو مخالف ايضاً. لا يجوز أن نحمل أنفسنا أعباء لا قدرة لنا على حملها.. لا يستطيع الشيعة أن يحلوا محل الأمة الإسلامية، أو أن يكونوا قادة الأمة الإسلامية أو أن يحلوا قضية فلسطين، أو أن يكونوا هم قادة الكفاح المسلح… يجب أن نتواضع.
أنا هنا ألفت الانتباه إلى حدث حصل في بعلبك. تشكيل تجمع نشأ في تلك المنطقة كان لافتا بأهميته وقوته وبما يمثل (الخيار اللبناني) لأن الشباب الذين أسسوا هذا العمل ينتمون لهذا الخط الشيعي الاصيل: من موسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين ، ومن الحركة الوطنية وانصار الثورة الفلسطينية المقاومين ، ومن تيار الشيخ صبحي الطفيلي ، ومن ابناء العشائر والعائلات . ومن غيرهم من ابناء هذا البقاع العزيز المحروم ولكن العنيد والمقاوم. وهناك لقاءات اخرى تنشأ (مثل الانتماء اللبناني ولقاء الدولة المدنية)ولكن بواقعية وبوضوح أقول لن يكتب لها النجاح الآن، وإنما من النبل والشهامة أن تبقى في الساحة. وأن تحاول وأن تصمد وتحمل لواء الحق والعدل وأن تقول للشيعة هذا هو خط الأئمة. هذا هو خط السيد موسى والشيخ محمد مهدي وخط السيستاني.. هذا هو خط الوطن والاعتدال والدولة المدنية والمجتمع المدني. هذا هو الخط الشيعي الفعلي: الاندماج في أوطاننا والقبول بالتعايش وبالتوازن وبالمساواة بعلاقات إيجابية مع كل الطوائف. أن نبني أوطاننا كما يجب هكذا يجب أن نخدم التشيع لندع الناس تعبر عن رأيها، ولا يجوز استمرار هذا الوضع التخويني، لأن من يواجه هذه القوى لا يخشى أن يقمعه “حزب الله” ولكن لغة التخوين التي تمارس ضدهم هي الأخطر، واتهامهم بالخيانة والعمالة للولايات المتحدة والعدو الصهيوني.. هؤلاء الذين أسسوا هذا العمل هم روح المقاومة وهم اصلها وفصلها فلا يزايدن احد عليهم.
عبء على المقاومة
* أليس مبدأ العشائرية المتبع في بعلبك _ الهرمل قادر على حماية هؤلاء الأشخاص؟
– بالضبط هو كذلك، لأن هؤلاء الشباب هم من أبناء العائلات ولقد ترشح بعضهم للانتخابات ضمن لوائح ضد “حزب الله”. ونال أبو نايف رفعت المصري 35 ألف صوت و”حزب الله” 50 ألف صوت فلو انه أقام تحالفاً مع القوى السنية والمسيحية يومها لكان المصري حقق نتيجة أفضل.. وفي التجمع ابناء من عائلات جعفر وشمص وناصر الدين وعلو وزعيتر وحميه وحيدر وسليمان وياغي والمصري والمولى وغيرها من خيرة ابناء المنطقة.
هل تجد أن “حزب الله” بحاجة إلى محاضر في صفوفه من وزن وئام وهاب؟
– من أسوأ وأشنع ما وقع فيه “حزب الله” هو هذه التحالفات أو هؤلاء الناس الذي يحتضنهم فهم من أشنع ما يكون ولن أزيد وهذا معيب على اسم المقاومة واسم “حزب الله” أن تحمل هذا العبء.
* أخيرا كيف ترى الوضع في لبنان?
– أعتقد أن إمكانية الحل موجودة. لاسيما ان الدول الشقيقة تسعى إلى أن تسهل هذا الحل وأن تقدم كل ما يمكن لأن يلتقي اللبنانيون على هذا المستوى. لكن المشكلة ماذا يريد النظام في دمشق. هل هو مستعد الآن لتقديم تنازل شكلي وتسهيل الحل في لبنان؟ هذا هو السؤال. يبدو من إلغاء زيارة الوزير وليد المعلم للسعودية والتهديد المباشر للسفير عبدالعزيز خوجة بعد عودته إلى لبنان لساعتين ثم قفل عائداً إلى بلاده، هذا الأمر لا يبشر بالحل لأن السوريين يريدون ان يتم التفاوض معهم، لأنهم يعتبرون أنفسهم بوابة الحل. هذه هي المشكلة والدليل على ذلك انهم يمنعون لقاء اللبنانيين. ماذا يمنع أن يفتح الرئيس نبيه بري أبواب مجلس النواب، وماذا يمنعه أن يجمع في منزله سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع وغيرهم، فأية حجة منطقية أو دينية أو سياسية أو شخصية تمنعه من ذلك. ماذا يمنع حصول لقاء ولو شكلي؟.. ممنوع أن يلتقي اللبنانيون على حل. ولذلك مع كل مسعى دولي يتفاءل اللبنانيون فيأتي التعطيل من سورية. إن المشكلة ما زالت تكمن في تعديل سلوك النظام في دمشق مع المجتمع الدولي ومع الأشقاء وانسجامه مع النظام الإقليمي العربي . لا ننسى أن السعودية والدول العربية حمت هذا النظام، وكانت هذه الدول السقف الإقليمي الحارس والداعم له وهي التي أدت إلى صمود دمشق والمقاومة الإسلامية معها كل هذه السنوات.
ليس صدفة أن تصمد المقاومة الإسلامية منذ العام 1992 يوم قامت هذه المظلة العربية في احتضان سورية والمقاومة ونتائج تفاهم نيسان 1996. هذه الدول حمت نظام دمشق خلال كل هذه السنوات، المسألة ليست علاقة شخصية بين الرئيس حافظ الأسد والملك فهد، المسألة سياسية، وعلى النظام السوري أن يفهم الواقع الدولي والإقليمي ويقدم تنازلات لأشقائه قبل أن يدفع تنازلات للعدو الصهيوني. تنظيم بيتنا في المنطقة يسمح بحل كل هذه المشاكل.. وهناك إمكانية لمواجهة التحديات التي تواجه أمتنا وعلى النظام في دمشق التخلي على فتح الجبهات مثل “القاعدة” و”فتح الإسلام” والمشاكل التي يسببها لبعض الدول وخاصة في الخليج لأن حصانته ومكانته هي في هذا الإجماع القومي العربي، واحتضان أمته له، وهذا ينقذ لبنان وإذا لم تحل هذه المسألة يبقى الوضع في لبنان معلقاً وهذا هو المخيف في المدى المنظور وهذه مشكلة لبنان لأن القوى المتحالفة مع دمشق لن تسمح له أن يعزل قضية لبنان عن المسألة الإقليمية.
جريدة السياسة الكويتية- الاثنين 24 ايلول 2007
سعود المولى حذر المتماهين مع “حزب الله”: الخميني بعظمته لم يستطع تخطي التوازنات القائمة إن المشكلة ما زالت تكمن في تعديل سلوك النظام في دمشق مع المجتمع الدولي ومع الأشقاء وانسجامه مع النظام الإقليمي العربي . لا ننسى أن السعودية والدول العربية حمت هذا النظام، وكانت هذه الدول السقف الإقليمي الحارس والداعم له وهي التي أدت إلى صمود دمشق والمقاومة الإسلامية معها كل هذه السنوات.ليس صدفة أن تصمد المقاومة الإسلامية منذ العام 1992 يوم قامت هذه المظلة العربية في احتضان سورية والمقاومة ونتائج تفاهم نيسان 1996. هذه الدول حمت نظام دمشق خلال كل هذه السنوات، المسألة ليست علاقة شخصية بين… قراءة المزيد ..