ما يلي “وجهة نظر إسرائيلية”، وليس “وجهة نظر إسرائيل” إزاء الثورات العربية- فهنالك فارق بين الإثنين!
والملخّص التالي مهم لأنه يمثّل وجهة نظر “عاموس يدلين” الذي شغل خلال السنوات الخمس الماضية منصب مدير الإستخبارات العسكرية في إسرائيل. ولكن الأرجح أن هنالك عدداً من وجهات النظر في المؤسسة الإسرائيلية إزاء الثورات العربية، وخصوصاً في ما يتعلّق بالبلدين الرئيسيين بالنسبة لإسرائيل، وهما مصر وسوريا.
للراغبين، يمكن قراءة المداخلة الأصلية، والأطول، بالإنكليزية [بالضغط هن-.>http://www.metransparent.net/spip.php?page=article&id_article=13726&lang=en]ا
*
على الرغم من أن “الربيع العربي” هو بلا شك أهم حدث وقع في الشرق الأوسط منذ السبعينيات من القرن الماضي — وله أهمية كبرى لإسرائيل — إلا أننا لا نفهم مساره حتى الآن. ومن المبكر جداً التنبؤ بتبعات الانتخابات المصرية، أو الحرب في ليبيا، أو الاضطرابات في سوريا. وعلاوة على ذلك، إن “القوتين العظمتين” الإقليميتين الأهم في المنطقة — إيران والمملكة العربية السعودية — بالكاد قد تأثرتا من هذه الاضطرابات.
ومن أجل تقييم التبعات المترتبة عن الثورة التي تجتاح المنطقة، يجب أن نحلّل كل دولة على انفراد. علينا أن لا نفترض أن تأثير الدومينو سوف يترسخ، لأن كل دولة تواجه تحديات وانقسامات وسياقات تاريخية مختلفة. وفي حين تعاملت بعض الدول مع المظاهرات بإقالة مسؤولين، أرسلت أخرى قوات عسكرية إلى الشوارع، بينما دفعت دول أخرى المليارات لمواطنيها لقمع رياح التغيير.
وعلاوة على ذلك، هناك خلاف أساسي حول الأفكار المفاهيمية للثورة. ومن المرجح أن يقوم كل من تنظيم «القاعدة» وطهران بوصف “الربيع العربي” بأنه انتصار للثورة الإسلامية. وفي المقابل، تزعم الرواية الرسمية السورية أن أن الثورات جاءت تعبيراً لمعارضة قيام سلام مع إسرائيل. لكن، لعل التصور الأكثر دقة هو أنالشعوب العربية تتطلّع إلى العدالة، والحرية، ومستقبل أفضل. وبطبيعة الحال، تحتاج الديمقراطية إلى بعض الوقت لكي تتطور، ويحق للعرب وضع خطط لنماذج ديمقراطية تناسب تاريخ بلادهم الخاص وتقاليدها.
وحتى الآن، يبقى “الربيع العربي” ثورة بلا قيادة، ولا يزال العالم ينتظر ظهور أولئك القادة الذين سيحددون مستقبلها. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن عدداً من البلدان قد انضمت إلى “الربيع العربي” لكن ليس لديها الحماس للقيام بثورة فعلية. وبالفعل، دفعت لبنان، والعراق، والشعب الفلسطيني ثمناً باهظاً عن المواجهات التي دارت بين فصائلها المحلية وهذه الشعوب ليست على استعداد للتضحية باستقرارها عن طريق تجديد هذه الاضطرابات.
ومن الناحية التاريخية، تحتوي ثورات سابقة على العديد من الدروس والتحذيرات .أولاً، إن الثورات يمكن خطفها كما حدث في فرنسا عام 1789، وروسيا عام 1917، وإيران عام 1979. وفي مثل تلك الحالات، غالباً ما تكون الموجة الأولى من الثورة بمثابة انتفاضة شعبية مستوحاة من النوايا الحسنة، بيد تجلب الموجة الثانية زعيماً يبرهن أنه حتى أكثر قمعية من النظام الذي سبقه. وبالتالي، يجب الحذر من أن تكون الموجة الثانية من”الربيع العربي” ثورة مضادة.
ثانياً، إن التغيير الجوهري قد لا يظهر إلا في المدى البعيد. فعلى الرغم من أن “ربيع” عام 1948 في أوروبا كان قد فشل على المدى القريب، إلا أن الأفكار الليبرالية والوطنية التي وُلدت من تلك الحركة قد أثرت على مسار التاريخ الأوروبي طوال القرن العشرين.
ثالثاً، إن تحليلاتنا وتوقعاتنا يجب أن تأخذ في الاعتبار القوة الجديدة وغير القابلة للتقدير حتى الآن التي تتمتع بها وسائل الاعلام الاجتماعية والجماهيرية. ومع أن ثورة “فيسبوك” تسمح بقيام اتصالات سريعة بصورة يصعب تصديقها وتستطيع حشد الناس في الشوارع بأعداد كبيرة — أسرع بكثير من قابلية الحكومات لاتخاذ القرارات وتعبئة قواتها — إلا أنها ليست ظاهرة يمكن وحدها أن تقرر مصير الثورة.
رابعاً، من المهم عدم الهلع. لا يمكن لإسرائيل أن تبقى غير مبالية لعملية الدمقرطة التي تعزّز قيماً تؤيدها إسرائيل– الحرية والعدالة وسيادة القانون والديمقراطية — حتى لو بدت هذه التغييرات خطرة على المدى القريب. وبما أنه نادراً ما تدخل الدول الديمقراطية في حروب مع بعضها البعض، فإن التحول الديمقراطي العربي بصورة عامة يشكل تطوراً إيجابياً للغاية بالنسبة لإسرائيل. وهناك عدد من الفرص الأخرى التي يمكن أن تكون لها أيضاً آثار إيجابية بالنسبة لإسرائيل:
• يتنامى الإدراك في الشارع العربي بأن إسرائيل ليست المشكلة الأساسية في الشرق الأوسط. وإذ بدأ العالم العربي بمواجهة مشاكله الخاصة ، فإنه بدأ يدرك، كذلك، أن العلل الإقليمية لن تتوارى عن الأنظار ببساطة، إذا ما تم فقط حل القضايا العالقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
• إذا اعتبر السوريون أن مستقبل بلادهم يكمن في الشفافية السياسية وفي السلام — عوضاً عن التوكؤ على إيران ودعم «حزب الله» ومنظمات إرهابية أخرى – فسيكون بقدرتهم أن يوجهوا ضربة لمحور التطرف في المنطقة.
• والأهم من ذلك كله أنه إذا ما امتدت الثورة إلى إيران، عندئذ يمكن التغلب على المشكلة الأولى التي تواجه إسرائيل والشرق الأوسط.
وبالرغم من هذه الفرص، يجب على إسرائيل أن تواصل دراسة النتائج الأقل إيجابية والاستعداد لها. إن الأول من بين هذه التهديدات هو العودة إلى المواجهة العنيفة مع مصر. وعلى الرغم من أن أي من البلدين لا يريد تجدد إراقة الدماء أو إعادة تخصيص الموارد لأغراض الدفاع، يجب على إسرائيل أن تقوم بدراسة هذه الإمكانية لكي تبقى مستعدة.
والثاني هو التهديد الذي يشكله عدم الاستقرار في الأردن الذي تشاركه إسرائيل أطول حدودها. لكن، ينبغي ملاحظة أن ممالك المنطقة أبدت حتى الآن اهتماماً باحتياجات شعوبها، وصمدت أمام ضغط الثورة.
وثالثاً، يجب على إسرائيل أن تبقى حذرة من ميل الأنظمة العربية إلى تصدير مشاكلها إلى إسرائيل، سواء بالقول أو القوة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تحاول سوريا تحويل الانتباه عن الاضطرابات الداخلية، بقيامها بأعمال عنف في مرتفعات الجولان أو طلبها من «حزب الله» إثارة صراع في شمال إسرائيل.
والرابع، ستكون إسرائيل مهددة إذا أدت أي من هذه الثورات إلى قيام حالة من الفوضى. فعلى سبيل المثال، إذا ما وصلت الحكومات المصرية والسورية والأردنية إلى حالة تفكّك أو ضعف إلى أجل غير مسمى، فبإمكانها أن تفقد السيطرة على الترسانات العسكرية التي تشمل في بعض الحالات صواريخ باليستية وأسلحة كيماوية.
ومن زاية صياغة السياسة الإسرائيلية، إن أولى تداعيات هذه الدروس والتي يجب أن تأتي في المقام الأول هي اتخاذ موقف “استراتيجيات سلبي” يتجنب الاعتراض والتدخل على حد سواء. ولا تستفيد إسرائيل من فرض نفسها في عملية ليست هي محورها. كما يجب على إسرائيل أن تعتمد الحذر في ردودها على استفزازات إيران أو «حزب الله» أو «حماس»، لا سيما إذا كانت هذه الأعمال تهدف إلى تحويل الانتباه عن الاضطرابات في مجتمع معين، مثل لبنان أو غزة.
وبطبيعة الحال، لا بد من رسم خطوط حمراء في مكان ما، وإذا ما أُجبرت إسرائيل على اتخاذ إجراءات عملية، فإنها ستحتاج لأن تحسب تحركاتها بحذر شديد. كما يجب عليها أن تواصل التخطيط على المدى الطويل، وأن تحافظ على الردع الاستراتيجي القائم بالفعل. ينبغي على إسرائيل أن لا تفترض حدوث أسوأ النتائج، ولكن يجب عليها أن تبدأ بالأعمال التحضيرية تحسّباً لبروز مثل هذه المشاكل.
أسفرت الثورات العربية حتى الآن عن سقوط أنظمة وعن تنحى بعض الحكام، لكن لا تزال معظم المشاكل التي يعاني منها الشرق الأوسط تقليدياً قائمة على ما هي. ومع أن إسرائيل قد تظهر الآن كهمٍّ هامشي وسط الأحداث الجسام التي تمر بها المنطقة، يجب علينا ألا نسمح لهذه التطورات أن تلهينا عن من المسألتين الإقليميتين الأكثر إلحاحاً وهما: طموحات إيران النووية وعملية السلام في الشرق الأوسط. إن سعي إسرائيل لوضع سياسات فعالة خلال “الربيع العربي” يجب أن لا يطغي على الأهمية الحاسمة لهذين الموضوعين أو على الفرص الجديدة التي قد تطرأ لمعالجتهما.