تم اعتقال ألوف الإيرانيين منذ بدء المظاهرات. أحد المحظوظين الذين تم إطلاق سراحهم في نهاية الأسبوع عرض لمراسلة “الفيغارو” (الفرنسية-الإيرانية) “دلفين مينوي”، بالهاتف، الفظاعات التي تعرّض لها في سجن “إيفين” الإلهي. يتحدث “محسن” (وهو إسم مستعار لناشر كتب في طهران) عن 4500 شخص اعتقلوا في يوم واحد. ولكن هذا الرقم يقتصر على طهران وحدها. كم يبلغ عدد المعتقلين في إيران كلها؟ رواية الطهراني “محسن” تشبه روايات التشيليين الذين اكتظت بهم الملاعب الرياضية في الأيام الأولى لانقلاب الجنرال “أغوستو بينوشيه” في التشيلي!
*
*
إنه ذو طبيعة متحفظة، ومن النوع الذي لا يخرج كثيراً من بيته. وقد فضّل دائماً أن يعبّر عن مرارته تجاه النظام بطريقة غير مباشرة، أي عبر نشر كتب مؤيدة للإصلاحيين وليس عبر إطلاق الشعارات المناوئة للنظام. بأمل أن تسهم منشوراته في تعزيز الديمقراطية بصورة تدريجية في البلاد، حسب قوله. ولهذا السبب، فقد فضّل “محسن” (إسم مستعار)، يوم السبت 20 يونيو، أن “يؤيّد” المظاهرات الجارية بالتفرّج على المتظاهرين من شرفة مكتبه في الطابق الثالث لبناية متواضعة تقع في جادة “إنقلاب” (“الثورة”). ولكن التفرّج على المظاهرات كان “الخطيئة” التي دفع ثمنها غالياً.
فحينما بدأ باب مكتبه بالإهتزاز، في حوالي الساعة 19،30، فقد أدرك مدى القمع الذي تتعرّض له مدينة طهران. “اقتحم رجال الشرطة المكاتب بدون أن ينطقوا بكلمة. كانوا يلبسون بدلات سوداء وفي أيديهم هراوات. وبدأوا بضربنا على رُكبنا.”
وقال له أحد رجال الشرطة “كنت واقفاً على الشرطة لتصوير المظاهرات”! وظل “محسن” محافظاً على هدوئهن وقدّم للشرطي جهاز هاتفه النقال، قائلاً: “أنظر بنفسك، لم أرتكب أية مخالفة”. ولكن رجال الشرطة اقترحوا عليه “سيناريو” آخر: “ستذهب معنا إلى مركز الشرطة. “العقيد” لديه “س يدي” تظهر فيه أنت أثناء تصويرك للمظاهرات. إذا كان هنالك خطأ، فسيتمّ إطلاق سراحك على الفور”. ولكن “محسن” لم يرَ “العقيد” ولا الـ”س يدي”. فبعد ساعات من الإنتظار الخانق في غرفة سيئة التهوية تقع تحت الأرض في مركز الشرطة، فقد تم اقتياده إلى مقرّ آخر لقوى الأمن لا يبعد كثيراً عن القصر الجمهوري.
رعاة بقر بلا دين ولا قانون
يقول محسن: “رموني في باحة خلفية مع 200 معتقل آخر”. وتحت شمس حارقة، فقد انتظر 36 ساعة. بدون طعام، وبدون بطانيات. وبدون “العقيد” المزعوم. وبدلاً من أن يأتي “العقيد”، فقد وصل “قاضي” ليخرق صمت الذعر المخيّم على المكان. واستقبله المعتقلون بجوقة تذمّر: “نحن أبرياء. ماذا نفعل في هذا المكان؟” وكان جوابه عنيفاً: “إذا تجرّأتم على رفع الصوت مرة أخرى، فسأطلق النار عليكم”، ملوّحاً بمسدسه باتجاههم. ويتساءل “محسن”: “كيف يمكن أن يكون القاضي مسلّحاً؟” وفي تلك اللحظة بالذات، فهم “محسن” الطبيعة الحقيقية للزمرة الجديدة الحاكمة: رعاة بقر بلا دين ولا قانون، مستعدّون لارتكاب أية جريمة من أجل سحق المعارضة.
تحت وطأة الذهول والخوف، قام “محسن” وزملاؤه في الإعتقال بالتوقيع على المحاضر التي عُرِضت عليهم، مرغمين. وكانت تتضمن سؤالاً واخداً: “هل تعترف بأنك كنت متورّطاً في المظاهرات التي عرّضت الأمن الوطني للخطر”؟
إن “محسن” يؤيد مير حسين موسوي. ولكنه لم يشعر يوماً بأنه “معارض”. وفي عهد خاتمي، وبكل شفافية، فقد استفاد من تخفيف الرقابة لكي ينشر كتباً نقديّة تجاه النظام. وبينها كتاب يتحدّى صراحةً مدير جريدة “كيهان” المحافظة. ولكنه أدرك الآن أنه يمكن أن يستحق القتل في نظر حراس النظام الجدد مقابل خطيئة أقل كثيراً من خطيئة نشر كتاب…
في الخارج، كانت سيارتا باص بالإنتظار. وكانت وجهتهما سجن “إيفين” الذي لم يعد يتّسع للوافدين الجدد في الأسبوعين الأخيرين. وقد علم “محسن”، بفضل دردشة مع أحد الحرّاس، أن ما لا يقلّ عن 4500 شخصاً اعتقلوا مثله خلال يوم واحد” كنا عدة مئات من الأشخاص المكدّسين مثل سمك السردين في زنزانة مساحتها 40 متر مربع. البعض ظلّ واقفاً، في حين استغرق سواهم في قيلولة. شاهدت معتقلين اقتيدوا من الزنزانة الساعة 7 صباحاً ليعودوا بعد 14 ساعة من التحقيقات وأجسادهم مليئة بالكدمات. وكان بعضهم يبوّل الدماء بسبب ضربهم على الظهر..” وكانت “جريمتهم” أنهم يضعون شارة خضراء- لون أنصار “موسوي”- أو أنهم ضُبطوا حاملين هاتفاً خليوياً.
في يوم الأربعاء، جاء دوره هو. وتم اقتياده معصوب العينين لمقابلة جلاده. “هل توافق على نهب البنوك الذي قام به المتظاهرون؟” وأجاب “محسن”: “كلا، ولكنني أفهم إحباط الإيرانيين الشبّان”. وبسبب عدم وجود أدلّة ضده، فقد تم إطلاق سراح “محسن” في نهاية الأسبوع. وهو يقول “كنت محظوظا جداً”، في تلميح إلى ألوف المعتقلين المجهولين الذين يقبعون، بدون أية حماية قانونية، في مراكز الإعتقال الكثيرة المنتشرة في أنحاء إيران.
بيار عقل