ثمة تعريفات كثيرة لمصطلح المثقف Intellectual أهمها تعريف المفكر الإيطالي أنطون جرامشي الذي يرصد هذا الصنف من الناس تبعاً لموقفه عن السلطة، معتبراً المثقف التقليدي أردأ أنواع المثقفين، لأنه يلعب دور التابع والمبرر لكل صاحب سلطة، سواء كانت سلطة الدولة، أو الحكومة، أو الحزب، أو حتى لو كانت سلطة مجتمع غوغائي يتنكر للعقل، منساقاً وراء العواطف والانفعالات.
وقريباً من هذا يأتي تعريف الفيلسوف الفرنسي الوجودي جان بول سارتر، وإن اتخذ من قضية الصراع الطبقي ميداناً لوظيفة المثقف.
أما التعريف الثقافي (= الاحترافي) للمثقف، فينفرد به مفكرنا المصري الراحل د. زكي نجيب محمود، حيث يرى أن المثقف هو من يدرك الفوارق الدقيقة، والرقائق الرقيقة بين ما يبدو متشابهاً عند غيره من الناس. ولتوضيح ذلك نقول إن الشخص العادي قد يعرف أن هناك مسلمين ومسيحيين، وربما يسمع عن وجود ما يسمى باللبراليين والماركسيين …. إلخ لكنه قد لا يميز بدقة بين المسلم السني والمسلم الشيعي، ومن باب أولى فهو لا يٌعني بالتمييز بين الشيعة الإمامية والشيعة الزيدية، والاثنى عشرية .. الخ. كذلك تراه لا يفرق بين مسيحي أرثوذكسي ومسيحي كاثوليكي وثالث من البروتستانت. وأما الماركسيون فهم جميعاً عندي شيوعيون، لا فرق عنده بين ماركسي ستاليني وآخر تروتسكايت، وثالث ماويّ …
المثقف وحده يعرف تلك الفروق، وعلى أرضيته المعرفية هذه يمكنه أن يسبر غور كل فريق، وأن يتفهم خطوطه السياسية، وأن يستبصر توجهاته وآفاقه الاستراتيجية، فيقيّم تلك الفروق التقييم العلمي الصحيح، مشيراً لشعبه بما يراه صواباً فيها أو خطأ.
ولا شك أن “كل” مثقفينا في مصر لعلى دراية بهذا كله. بيد أن المشكلة تكمن في أن معظمهم يتجاهل هذه المعرفة حين يواجه بأحداث فارقة، نذكر أمثلة لها حركة 23 يوليو 1952، وهزيمة حزيران 67، وغزو العراق للكويت 1989، وأخيراً انقلاب حماس على الشرعية الفلسطينية يوم الرابع عشر من حزيران الحالي. والمثير حقاً في كل هذه المنعطفات البارزة هو ما درج عليه مثقفونا التقليديون من لجوء الى جبل السلطة، عساه يعصمه من مخاطر الاجتهاد العلمي الواجب، بحسبانه طوفاناً يغرق، أو يجذب المرء بعيداً عما ركن إليه واستقر عنده.
ما يعنينا في هذا المقام هو كشف مواقف شريحة عريضة من مثقفينا التقليديين، ممن صادقوا منذ زمن بعيد على ما زعمته منظمة حماس من كونها فصيلاً من فصائل حركة المقاومة الوطنية (لاحظ أن تعبير حماس إنما هو اختصار لحركة المقاومة الإسلامية، وليس المقاومة الوطنية) ومن ثم اعتبرت جزء من كل ينتمي الى حركة التحرر الوطني في عالمنا المعاصر، والأكثر أن مثقفينا التقليديين أعلنوا تصديقهم لزعم الحركة أنها تقبل بالديمقراطية، لمجرد قبولها بأسلوب الانتخابات!
في هذا السياق الفكري النقدي، لابد من التذكير بما أثبتناه مراراً وتكراراًَ في عديد من الدراسات والمقالات (ن بينها مقالنا بهذه الصفحة تاريخ 10/1/2006، ومقالنا بتاريخ 10/4/2007) من أن الانتخابات هى مجرد آلية، لا قيمة لها من دون الأساس الفكري اللازم لممارسة الديمقراطية، والذي هو الاعتراف الصريح بأن الشعب هو مصدر السلطات، وأنه الحاكم لنفسه، والمشرع لنشاطاته السياسية والاقتصادية والسياسية، وبالتالي فالمرجعية الفكرية التى تقبل بها الديمقراطية إنما هى ميثاق حقوق الإنسان استرشاداً بالمقاصد العليا للأديان السماوية جميعاً، بل والأديان الإنسانية، والتى تحض – صراحة أو ضمناً – على الإخاء والمساواة بين البشر دون تفرقة منهم بسبب الجنس أو اللون، أو العرق، أو اللغة، أو الدين، أو العقيدة. فإذا توفر هذا الأساس الفكري لقوم استطاعوا أن يدبروا شئونهم بأنفسهم. منطلقين من أرضية السيادة الإنسانية، والمعترف بها لكل فرد يعيش على أرض دولته، ليحددوا من ثم الشروط اللازمة لنظام الحكم، وأشخاص الحكام، وسلطاتهم، ومسئولياتهم، في اهتداء بوسيلة معينة في اختيارهم وعزلهم، وتلك هى وسيلة الانتخابات الدورية، والتى تتيح تداول السلطة بين الأفراد والتنظيمات المختلفة.
بالمقابل، فإن اعتماد أسلوب الانتخابات، من دون وجود الأساس الفكري للديمقراطية – كما بيناه آنفاًَ – لا يعدو محض خداع للنفس، ومجرد مماحكة لفظية من جانب أحزاب أو تنظيمات تهتبل فرصة جهل الناس بمرامي الديمقراطية، لكى نثب على السلطة وثبةً لا تنزل بعدها أبداً عن صهوتها. والحجة لإلغاء مبدأ تداول السلطة عند هذه الأحزاب والتنظيمات موجودة سابقة التجهيز : هذا الحزب هو المعبر عن روح الأمة (= النازية) أو هو النائب عن العمال والفلاحين، أدوات التاريخ لتحقيق الاشتراكية (= الشيوعية السوفيتية) أو هو وكيل الإله وخليفته على الأرض (= الخومينية – القاعدة – الأخوان المسلمون و ……..حماس طبعاً) وبمقتضى هذه الشعارات الجوفاء تستباح كل الحرمات.
يسأل بعض المثقفين بلوعة : من كان يتصور أن قادة حماس من ذوى التقوى والورع، الذين يقيمون فرائض الدين على أتم ما يكون، يمكن أن يسحلوا في الشوارع أخوة لهم مناضلين ضد ذات العدو، وأن يمثلوا بجثثهم، وأن يلقوا بهم أحياء، مقيدين، من أسطح العمائر؟!
الجواب عن هذا السؤال موجود في الميثاق “الحماسيّ” المادة 27، فماذا تقول هذه المادة؟
تقول كلاماً إنشائياً حول الأخوة والأبوة التى تحكم علاقتهم بمنظمة التحرير الفلسطينية، إلا أنها تؤكد رفضها لنهج المنظمة العلماني (= الكافر!) داعية الله لها بالهداية والرشاد! والمسكوت عنه في هذا النص واضح تماماًَ، ومعناه أن المنظمة إذا لم تهتد ولم ترشد (= أن تتبع خطى حماس) فهى ضالة كافرة، وما جزاء الضلال والكفر إلا القتال والقتل والسحل.
فهل قرأ مثقفنا التقليدي هذه المادة في ميثاق حماس؟ وهل التفت – لو كان قرأها – الى المغزى الفاشي المعارض جذرياً للديمقراطية شكلاً ومضموناً؟!
أما المادة التاسعة فتحدد بوضوح لا غش فيه أهداف الحركة في إقامة دولة دينية غايتها نشر العقيدة بقوة السلاح، ليس في فلسطين حسب، بل وفي العالم بأسره، وهى في هذا تسير على هدى الشيخ سيد قطب الأخواني صاحب كتاب “معالم في الطريق” الذي دعا فيه الى محاربة روسيا وأمريكا وأوروبا واليابان والصين، وأفريقيا حتى يدخل أهلها في دين الإسلام (راجع معالم …… ص 98، 99 دار الشروق ط 15 – القاهرة 1992)، ولأن حماس تعد نفسها جناحاً من أجنحة الأخوان المسلمين (المادة الثانية من الميثاق) فلا تثريب عليها إن اتبعت خطى مفكرها الراديكالي قطب، بل وأن تضع أفكاره موضع التنفيذ، دون التفات الى النتائج الكارثية التى سوف تتمخض عن هذا الإعلان الحماسي القطبي، والتى ستحيق حتماً بالشعب الفلسطيني أولاً ثم بالشعوب الإسلامية من بعده. وهى لا تنسى في غمرة وهمها بأنها ستحقق النصر على دول العالم المعاصر بأسره – أن تذكّر بأن البلاد التى سوف تفتحها إنما ستكون ملكاً لدولتها (حق رقبة) وأما أصحابها الذين سيظلون أحياء بعد الغزو الحماسىّ فليس لهم من أرضهم إلا حق المنفعة (المادة الحادية عشرة)
فهل قرأ مثقفونا التقليديون هذه المواد؟ وإذا كان الأمر مازال ملتبساً عندهم؛ فلماذا لا يجربون رفع الالتباس بقراءة ميثاق حماس ؟ أم أن مجرد قراءته سوف تعكر عليهم ما استراحوا إليه من جهل متجاهل؟
وسؤال أخير: ترى كيف يعلق الأخوان المسلمون – وهم الآباء الشرعيون لهذه الحركة – على أفكار الأبناء الانتحاريين هؤلاء؟!
tahadyat_thakafya@yahoo.com
• الإسكندرية
رفع الالتباس بقراءة ميثاق حماس
إلى أوس العربي
متى تفيقون ؟!
رفع الالتباس بقراءة ميثاق حماس استغرب هذا التحامل على حما س ؟!! لقد تواطأ العلمانيون اليهود مع المتدينين اليهود على اغتصاب فلسطين من اهلها حتى قال الملحد بن غوريون لا ادري ان كان في السماء رب ولكن لا بأس ان كان سيقف معنا في مشروعنا ؟!! ودخول حماس الى المقاومه والى الانتخابات جاءت من اجل تعديل مسار الكفاح المسلح حتى لا يموت الفلسطيني حتف انفه كما تموت الماشية فيموت على التوحيد والاسلام ودخلت الانتخابات من اجل تعديل مسار التسوية التي تنتهي بشبه دويلة منزوعة الدسم ممزقه مثل جلد النمر يحكمها جلاد من عينة انطوان لحد او سعد حداد واما الهدنه… قراءة المزيد ..
رفع الالتباس بقراءة ميثاق حماس
أوافق على تحليل الكاتب مهدي بندق ، وأؤيد قراءته التحليلية لميثاق حماس ، فهذه المنظمة تريد فرض أجندتها على الشعب الفلسطيني تحت شعارات دينية مضللة ، أما تحرير الأرض المحتلة فتلك في نظرها قصة أخرى بدليل فبولها بمبدأ التهدئة مع إٍسرائيل ، وهي الآن تفضل بقاء الحال على ما هو عليه والمتضرر يلجأ للمحكمة
” الإسرائيلية ” ودمتم .
رفع الالتباس بقراءة ميثاق حماسIntellectual؟ من الصعب جدا تطبيق حرفي كلمة “انتليكتوال” أو ما تحمله من معنى هده الكلمة –الصفة- على ملايين من البشر من يسموا مثقفين , المثقف ليس بشرط إن يكون انتليكتوال بمفهومة الحقيقي ( مفكر أو من يفكر من كلمة فكر) بالتالي لا حماس ولا قطب ولا العصابة الإيرانية بعد 1979 يمكن إن ينطبق عليهم هدى المصطلح الخاص مثلما لا ينطبق على أل سعود والوهابيين أو الإسلاميين بجميع أنواعهم وتركيباتهم , ربما سوف ينطبق عليهم مصطلح من يعرفوا القراءة والكتابة أو تحصلوا على شهادة دراسية , في مجتمعاتنا “مثقفين” وهو ما ورد في النص الوارد اعلاة ).… قراءة المزيد ..