القصف لا يسفر عن نتيجة إذا ما لم تتوفّر قوى منظمة جيداً على الأرض. ورغم وصول تعزيزات من الشيعة العراقيين والإيرانيين، فإن الموالين لا يملكون قوات كافية على الأرض. إن هدف الروس من تدخّلهم في سوريا واضح: القيام بعملية عسكرية قصيرة الأجل تشكّل بداية مرحلة إنتقال سياسي
كتب مراسل “الفيغارو” الفرنسية جورج مالبرونو من دمشق:
بعد شهر من الغارات الروسية التي لم تسمح للجيش السوري بتسجيل عمليات تقدّم باهرة، فإن استراتيجية المتمردين تبدو واضحة للعيان. “تقوم مختلف الجماعات المتمردة بتعزيز التعاون في ما بينها بهدف فتح أكبر عدد ممكن من الجبهات في وقت واحد بمواجهة القوات الموالية للنظام”، حسب ما يقول خبراء عسكريون مستقلون ومسؤولون سوريون.
ويعترف أحد المقرّبين من بشار الأسد بأن “علينا أن نواجه جبهات عديدة في الوقت نفسه. لقد حفر الثوار أنفاقاً، وهم يقومون بتحصين مواقعهم أو بتلغيمها. وفي ظروف كهذه، فإن استعادة مساحات من الأرض أمر صعب جداً”.
ألحقت الضربات الروسية الأولى الإرتباك بخطوط تموين المتمردين، الأمر الذي أجبرهم على التراجع. ولكن المتمردين- الذين يملكون صواريخ “تاو” مضادة للدروع، والذين يُحتمل أن تتوفّر لهم مؤازرة مستشارين عسكريين سعوديين أو قطريين أو أتراك إنطلاقاً من قاعدتهم الخلفية في تركيا- قاموا بتجميع قواتهم لزيادة عدد الهجمات التي يشنونها ضد قوات النظام وضد حلفائه من الشيعة اللبنانيين ومن الإيرانيين، سواءً في مناطق “حمص” و”حماه” أو في غرب “اللاذقية” وإلى الجنوب من “حلب”، وهي أكبر مدن الشمال السوري. ويقول مسؤول سوري سابق يعيش الآن في المنفى أن “المتمردين يستفيدون من صور أقمار صناعية”.
وفي منطقة الشمال الغربي من سوريا، حيث شنّ الروس أكبر عددٍ من الغارات الجوية، فليس محض صدفة أن جهاديي “النصرة” و”أحرار الشام” وحفنة من المعتدلين المنضوين تحت لواء “الجيش السوري الحر” قاموا بتعزيز التعاون في ما بينهم. ويقول خبير عسكري تحدثنا إليه أن المتمردين “كانوا أصلاً يتميّزون بأنهم أفضل تنظيماً من المتمردين في مناطق سوريا الأخرى”، مشيراً إلى أن هذه الجماعات كانت، بضغوط من السعودية وقطر وتركيا، قد قامت بتجميع قواتها تحت لواء “جيش الفتح”. وبفضل ذلك، فقد نجحوا في السيطرة على مدينتي “إدلب” و”جسر الشغور”، مما يسمح لهم بتهديد الساحل السوري على المتوسط، أي معقل العلويين.
ويضيف الخبير أن “تلك الجماعات ما تزال منقسمة حول مسائل عقائدية. وقد ندّدت الجماعة الأكثر تطرّفاً، وهي “جند الأقصى”، مؤخراً، بجماعة “أحرار الشام” لأنها كانت قد أعربت عن استعدادها للتحاور مع الغربيين بضغط من قطر. مع ذلك، وحتى لو اختلف امراء الجماعات حول مسائل “الشريعة”، فإن مقاتليهم يخوضون معارك مشتركة ضد عدوهم المشترك: الروس وحلفائهم السوريين والشيعة الإيرانيين والعراقيين”.
ولكي يكسِرَ “دينامية” تجميع الممتمردين لقواتهم، فإن على الجيش السوري أن يستعيد بأسرع وقت واحداً إو إثنين من المواقع الإستراتيجية في شمال غرب البلاد. ويلاحظ مراقب عسكري أن “إعادة فتح مدينة مثل “جسر الشاغور” أو “أريحا” سيسمح للنظام بإعادة التمركز في مناطق “ريف حماه” وفي شمال “اللاذقية”، والإنطلاق منها لنشر قواته والتقدم أكثر باتجاه الشمال”.
ولكن، بدلاً من أن يعيد النظام فتحَ المناطق التي فقد السيطرة عليها، فإن الثوّار هم الذين قاموا بتوسيع معركتهم قرب “حلب”. وهنا أيضاً، رغم الخلافات العقائدية، فقد تعاون الثوار في ما بينهم ونجحوا، في الأسبوع الماضي، في الإستيلاء على قسم من الطريق السريع الذي يربط “حلب” بـ”حماه” قرب “خناصر”، الأمر الذي يمثل انتكاسة خطيرة بالنسبة للجيش السوري الذي بات طريق التموين الوحيد الذي يملكه باتجاه “حلب” مقطوعاً. ويضيف الخبير “وهذا، مع أن الحفاظ على خطوط التموين كان يمثّل أهم أولويات الجيش السوري منذ بدء الحرب”.
وفي المنطقة المحيطة بـ”خناصر”، تعاونَ الخصمان اللدودان، “النصرة” و”داعش”. ويلاحظ الخبير العسكري أنه “كان كل من “داعش” و”النصرة” يسيطران على مواقع على جانبي الطريق السريع. وليس صدفة أنهما التقيا في وقت واحد ضد حاجز الجيش. لقد قاما بتنسيق عملياتهما”. ويوم الأحد، فتح “داعش” جبهةً أخرى، حينما استولى على مدينة “ماحين”، بين حمص وتدمر.
النظام لم يعد يملك رجالاً للإستفادة من القصف الروسي
إن الثوار يستفيدون من نقص الموارد البشرية التي يعاني منها الجيش. ويقول ديبلوماسي عربي في دمشق: “كما في العراق مع القصف الذي يقوم به التحالف الدولي ضد “داعش”، فإن القصف لا يسفر عن نتيجة إذا ما لم تتوفّر قوى منظمة جيداً على الأرض. وفي سوريا، رغم وصول تعزيزات من الشيعة العراقيين والإيرانيين، فإن الموالين لا يملكون قوات كافية على الأرض“.
ويضيف: “يمكن للروس أن يقصفوا على خمس جبهات، ولكن هل يمكن للجيش السوري وحلفائه أن يساندوا القصف الجوي الروسي؟ كلا، فهم لا يملكون العدد الكافي من الرجال للإمساك بالمواقع التي تتم استعادتها”!
وهذا ما يجعل هدف الروس من تدخّلهم في سوريا أكثر وضوحاً: القيام بعملية عسكرية قصيرة الأجل تشكّل بداية مرحلة إنتقال سياسي. ويعني ذلك أن الروس سوف يكثّفون عمليات القصف الجوي خلال الأسابيع المقبلة.