تحية إلى العزيز بيار وبعد :
لا يزال “الشفاف” وصاحبه يتمتع بصدقية عالية في القلب والعقل. وفي مدونتي “لبنان أولا وهويتي دوما“، فأنا على وشك “إقفالها” بعدما زاد عدد متصفحيها على الربع مليون. وخلال مسيرتها التي تلازمت مع الربيع العربي كان هناك تواصل لم ينقطع بين المدونة و”الشفاف”. فمن “الشفاف” كنتُ أنسخ بشكل شبه كامل وكان “الشفاف” يقرأ في الاماكن المحجوبة، وهي كثر ومنها القدس والسعودية، على ما يفيدني به قراء المدونة.
وكان “الشفاف” يُقرأ من خلال مدونتي. وكان المتصفح اللبناني يجد فيما أحيله على صفحتي الفايس بوك من مواضيع “الشفاف” مادة يجري إعادة تدويرها ونشرها لما هي مميزة وممتازة.
وقد عرفتُ الكثر ممن ينحدرون من اقليات ورأيت كيفية انزلاقهم الى موقع الدكتاتورية، ولكن قلة منهم، قلة منهم مثّلت عندي الامل بانهم شركاء حقيقيون في بناء اوطان تسع فسحة لعيش مشترك قوامه المكان والعديد من المفاهيم سواء ما ينتمي منها الى عالم الحداثة او عالم ما بعدها، والذي هو نفسه مسيرة العقل المتواصل في الاجابة على سؤالين: ما الحقيقة؟ ومن أنا – أو هو وماذا يريد؟ من هذه القلة كان الحكيم (سمير جعجع) وكان الحكيم الثاني بيار عقل. وكان آخرون.
وبالنسبة للأحبة الذين علقوا على الموضوع، أذكرهم بانه عندما مات الله مات الانسان، كما أذكر نفسي انه وايضا عندما كان الله يرفرف في عليائه كان الانسان أيضا ميتا!! وإن كانت الاخلاق هي الفيصل الحاسم في الموضوع، فالسؤال الاساسي يدور عن مرجعية الاخلاق. فإن كان الدين، كما يقول طه عبد الرحمن، فقد علقنا في نفس الحفرة! وإن كان العقل، فقد علقنا في حفرة ثانية. لم يطرح طه عبد الرحمن على نفسه السؤال المركزي: لِمَ ارتفع عدد سكان الارض من مليارين عبر تاريخ البشرية الى حوالي السبعة؟ كان ينعي الحروب ولكن مرضا بسيطا كالطاعون او الملاريا كان يقحط ما هو أكثر من كل الحروب! في الحرب العالمية الاولى اجتاحت الانفلونزا الاسبانية العالم خلال شهر او اكثر، فأتت على مائة مليون ونيف، أكثر من قتلى كل الحروب. وبالامس القريب حاولت انفلونزا البقر، او الخنزير ان تعيد الكرة ولكن تم سحقها في ولادتها وكذا بالنسبة للإيدز اوالسرطان. لم يطرح عبد الرحمن على نفسه أهمية العقل في السيطرة على الطبيعة، بل نظر الى بعض الجوانب السلبية من الموضوع. وعندي مرحبا بالعقل يقتحم ما يشاء ويعيد تركيب الجينات و ينطلق في الكون بذاكرة الانسان المنتصر. وهذا العقل لا يقوم على قاعدة “انا افكر فانا موجود”، ولا على قاعدة “انا أعمل فانا موجود”، بل على قاعدة “انا أشكُ فانا موجود”. وعلى العرب التذكر دوما انه لو بقينا على وصفات زين الاتات ومن شابهه لإنقرضنا. كان عدد سكان مصر زمن حملة نابليون مليونا ونصف وكان عدد سكان فرنسا عشرين مليونا. اليوم عدد سكان مصر وصل الى 80 مليون ومثلها في الزيادة الهند وغيرهما. فهل كان هذا النمو الا بفضل الحداثة وسيطرة العقل و نزعة الفردانية وتدفق مفاهيم الحرية.
أنا بطبيعتي اميل الى نواة الاسرة لا الفرد. وثبت الى اليوم ان الاسرة في كنف الدين مستقرة سواء كان الدين الاسلام او المسيحية او غيرها. هنا افترق انا مع الحداثة.
وفي نهاية هذا الكلام أختصر وأقول ان الدكتاتورية والقتل وموضوع السلطة لها الاولوية في الاسقاط، اما القاء التهم على الناس بانها تحمل توجهات دينية ولو تركوها لانتصروا تشبّهاً بمنابت الحداثة، فهذا تنزيل برنامج الكتروني في بيئة لا تزال تعيش مرحلة صندوق الفرجة!!!!
وللمناسبة فبعد مراجعتي للملاحظة التي اوردتها عن “لبنانيي الغضب المبتسمين“، تبين لي انني استخدمت بلا وعي المنهج النفسي الفرويدي وهو منهج يعتبر الركيزة الثانية لفكر ما بعد الحداثة. وأشعر ان التحليل قد أصاب.
farouk_itani@live.com
كاتب لبناني – بيرون
فيلسوف زمانك
ما هذا المستوى يا شفاف؟