أخيراً تحققت رسالة رامي مخلوف إلى العالم الغربي. ذلك ان ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد وحليفه الذي شملته العقوبات الأوروبية والأميركية الأخيرة، هدد بأن النظام في بلاده قرر مواجهة الاحتجاجات حتى النهاية، محذراً من زيادة الضغوط على الأسد، وأنه لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا.
اللافت ان تحذير مخلوف جاء في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، وقال ما حرفيته انه “إذا لم يكن هناك استقرار هنا (في سوريا) فمن المستحيل أن يكون هناك استقرار في إسرائيل. لا يوجد طريقة ولا يوجد أحد ليضمن ما الذي سيحصل بعد، إذا لا سمح الله حصل أي شيء لهذا النظام”.
الرسالة التي اطلقها الرجل ولم تلق أي تعليق من مفوهي حلفاء سوريا و “نظام الممانعة والمقاومة” في لبنان ، تحققت أخيراً. فالنظام السوري فتح جبهة الجولان امام المتظاهرين للمرة الاولى منذ أربعين عاماً. وفجأة تذكر ان فلسطين ترزح تحت الاحتلال منذ العام 1948.
قبل ذلك كان الجولان ينعم بسلام لم تشهده المنطقة على ما يقول قائد قوات الطوارىء “الاندبوف” العاملة هناك. ولم يكن يجرؤ أي مقاوم وفي مقدمهم قائد “النصر الإلهي” السيد حسن نصر الله على المطالبة بفتح هذه الجبهة ، حتى لتخفيف الضغط عن لبنان في ايامه الحالكة من تموز العام 2006.
ويوم فتك الجيش الإسرائيلي بالفلسطينيين أهلاً ومنظمات في جنين والضفة الغربية وغزة، ويوم حوصر رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات في مقره، وأذل حتى مات في فرنسا لم يتحرك ساكن في الجولان.
حسناً ، قد يقول قائل : ما الغرابة في الأمر طالما ان سوريا ــ نظاماً وجيشاً ــ لم تفعل شيئاً عندما حلق الطيران الإسرائيلي فوق قصر الرئيس السوري في دمشق. ولطالما أكتفى مفوهوه بالقول انهم سيردون “في المكان والزمان المناسبيين”. بل على العكس من ذلك ، فقد سير النظام آنذاك تظاهرات تطالب باسقاط السلطة الفلسطينية ، بالتزامن مع شعار شهير رفعه اليمين الإسرائيلي المتشدد تدعو إلى محاصرة ابو عمار والعودة عن كل الاتفاقات الموقعة. وهذا ما حصل.
جل ما اتقنه النظام السوري هو الاتجار بقضايا المنطقة : من القضية الفلسطينية الى القضية الكردية وحزب العمال الكردستاني وتسليم قائده عبد الله أوجلان، فضلاً عن المقايضة مع الإدارة الاميركية منذ عهد كيسنجر وصلا الى الهيمنة على لبنان بعد صفقة حرب الخليج وتحرير الكويت. وأكثر ما أبدع فيه هو خلق بؤر التوتر والنزاعات في لبنان. ومن من اللبنانيين ينسى حصار زحلة والاشرفية وتدمير النبطية وصيدا ؟ أو مجزرة فتح الله بعد افتعال ما سمي حرب العلمين لتبرير عودة الجيش السوري إلى لبنان في ثمانينيات القرن الماضي؟
من كانت حاله هكذا ليس بعيدا عنه ان يتاجر بـ “ذكرى يوم النكبة”، من دون ان يعني ذلك في حال من الأحوال ان يتم القفز فوق المأساة الرهيبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في أصقاع الأرض، ووجوب تأييده في سعيه لإقامة دولته فوق أراضيه.
المفارقة ان السفير السوري في نيويورك شدد على ان ما قاله مخلوف يعني الأخير، ولم يبادر الى رفض وادانة التصريح باسم النظام الذي يشكل مخلوف عملياَ إدارته المالية.
كل هذا ، وهناك في لبنان من يتلو علينا يومياً فعل الوطنية ، فيما رسالة رامي مخلوف بدأت تفعل فعلها في المنطقة.
ayman.jezzini@gmail.com
* كاتب لبناني