سنتان يا سمير قصير، سنتان!
سنتان «تخللتهما» سبحة اغتيالات، وحرب ضروس، انتهت بخيبة اسرائيلية لا غبار عليها، ودمار مهول حجب الرؤية، واقفال عملي لجبهة الجنوب، وانتقال التوتر من هذه الجبهة الى الوسط التجاري لمدينة بيروت، في صيغة اعتصام يمنع مؤداه الحكومة الضعيفة والمفككة من أن تستقيل، لأن البديل الذي يقدم هو الفوضى، أو الخضوع مجدداً لأخطبوط الوصاية.
سنتان يا سمير قصير، سنتان!
العماد إميل لحّود الذي خوّن الصحافيين قبل ساعات قليلة من مقتلك، هو حيث هو، لم يزل، ويتأهب لتمديد التمديد، وقد تتشكّل حكومة انتقالية من الجنرالات الأربعة القابعين في سجن الأحداث برومية، ربما بعد فرارهم، خصوصاً أنهم من كل الطوائف.
سنتان يا سمير قصير، سنتان!
مجموعة ارهابية اختطفت مخيماً في شمال لبنان، واعتدت على العسكريين الفقراء المساكين، ومعظمهم من أبناء عكار والشمال، وبدلاً من أن يتوحد البلد بجماعاته وطوائفه على أساس مناصرة الجيش الوطني لاستئصال هذه المجموعة من المخيم، لا استئصال المخيم بحد ذاته، اذ بالمشاغلات الكلامية وغير الكلامية تعرقل المهمة.
سنتان يا سمير قصير، سنتان!
عشنا فيهما، نحن تلامذتك وأصدقاءك وأحباءك، على وعد قيام المحكمة، وكان يطلع علينا الخبير في القانون الدولي تلو الخبير على شاشات الممانعة ويقول إنه لا محكمة. فباعتبار هذا العارف قانونياً أن المحكمة الدولية ليست واجبة الا عندما يقتل زهاء مليون شخص أو أكثر، كما لو أن القانون الدولي يكفل بحد ذاته، باسم السيادة الوطنية، أن يتصرف نظام في بلد ما ويقتل رئيساً سابقاً للحكومة في بلد آخر، وبعده يأتي على حفنة صحافيين، وبضعة نواب، وهكذا دواليك.
ثم إن هذا النموذج من الخبرة في القانون الدولي الذي هو بالضد من نموذج المثقف الذي جسّدته يا سمير قصير، ولما اقتربت المحكمة الدولية من الاقرار، عاد ليطمئن من يهمه طمأنتهم، أو خداعهم، بأن الصين ستخذل الامبرياليزم والاستعمار، وأن الفيتو الصيني سوف يغيّر المعادلة، ويقول للقتلة عليكم بقتل دفعة مزيدة!
منذ نهاية الحرب الباردة، ثمة فريق يسمّى بخط الممانعة، كل ما ينتظره في هذه الدنيا هو فيتو روسي أو فيتو صيني. في تصوّره أنه ليس لروسيا أو للصين مصلحة في الاقرار باستقلال لبنان لأن ذلك سيفتح عليهما مسألة الشيشان أو مسألة تركستان أو التيبت. لقد بنوا دعامة تحاليلهم على هذا الربط الذي ينمّ عن ضحالة ما بلغوه من دراية بالسياسة الدولية وبالقانون الدولي. أما من نسب تحليله منهم الى الماركسية مثلاً، فعن هؤلاء حدّث يا سمير قصير ولا حرج، فهؤلاء حولوا الماركسية الى مسحوق مرطّب يسهّل فعل الإخلاص لأنظمة المخابرات.
وبعد كل ذلك يا سمير قصير أتتنا المحكمة، بقرار دولي، وتحت الفصل السابع، ونريدها كما جاء في قرارها عادلة مهيبة، ولنا أن ننتظر قدر ما ينبغي الانتظار، لكن أن ننساك وبقية القافلة، بحجة أنه لا داعي للثأرية، كما لو كنا نواجه رهباناً بوذيين أو رابعة العدوية، فمن بمستطاعه أن يرضى ذلك، انه الظلم بعينه. ظلم أن تُقتل يا سمير قصير، وظلم أكبر أن يطالب أحد في مكان ما بأن لا يكشف من قتلك، بحجة أن تدويل الأمر سابقة دولية «قد» تستغلها الامبريالية العالمية، أو، وهنا ما هو أنكى، بحجة أنه يمكن لأي محكمة بشرية أن تخطئ!
فيا سمير قصير، المعلم والصديق، لقد رُدّ قلبي يوم أقرّت المحكمة. و«ردّ قلبي»، ان هي الا استعارة من عنوان رواية يوسف السباعي التي أضحــت عنواناً لفيلــم يخلّد رومانسية الثورة المصــرية، تلك الثــورة التــي ظللــتَ يا ســمير قصـير الرومانســي تدافــع عنها، فيما الملتحقون بانتصارات الغيب أخذوا منذ نهاية حرب تموز ينتقصون منها ويعتبرونها مدرسة للهزائم والخيبات، فيجعلون جمال عبد الناصر رمزاً للفشل، وينصبون آخرين رموزاً للنجاح، باستفتاءات أو من دون.
فيا هلا بالمحكمة يا سمير قصير، في ذكرى اغتيالك الثانية، والورد كل الورد على قبرك فليتفتحْ، والجسد المدمّى فليتندَّ، وبريق العينين فليلازمهما ثانياً… لا وقت للانتظار، لكن مهما طال الانتظار، لقد رُدّ القلب الى القلب يوم أُقرّت المحكمة.
(نقلاً عن “السفير”)