إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
رَحلَ رئيسُ الحكومة الاسبق “سليم الحُص”، بعد ان شغَلَ مناصب عامة عدة من بينها رئيساً للحكومة خمس مرات: إثنتان في عهد صديقه الرئيس الراحل الياس سركيس، وواحدة في عهد الرئيس امين الجميل، ويومها (“أكل بهدلة”) من “عبد الحليم خدام” في منزل رئيس الحكومة الشهيد رشيد كرامي عشية اغتياله! واستمر على رأس تلك الحكومة في وجه حكومة العماد عون، بطلب من سلطة الوصاية السورية. ومرة في عهد الرئيس الياس الهراوي، والمرة الاخيرة في عهد الرئيس اميل لحود.
تزوَّجَ من المارونية “ليلى فرعون” من “دير القمر”، وكان اقاربها يقولون “سليم بيفهم بس ضيعانو يكون مسلم“. وتحول الى المذهب الشيعي ليستطيع نقل املاكه الى ابنته الوحيدة، كي لا يتشارك اهله واقاربه في إرثه مع ابنته. بمعنى آخر، عاصر الراحل الديانات الثلاث في منزله، إلا أنه كان “سُنَّيا” متزمتا الى حدود التعصب، يحمل بعضا من احلام “الشِهابية” التي تلقنها على يد صديقه الرئيس الراحل الياس سركيس، ومتزمت في شؤون الحكم والدولة.
الرئيس سليم الحص مع زوجته “ليلى فرعون”
اثناء “فترة الحكومتين”، هالَ الرئيسَ الحص ان يقع تحت هيمنة “الثنائي وليد جنبلاط ونبيه بري،”! وبحسب رأيه، كيف لزعيم “السُنَّة” في لبنان ان يكون تحت رحمة زعيم الدروز او زعيم الشيعة؟ ورفض اثناء توليه الحكومة في وجه حكومة العماد عون ان يصرفَ اعتمادات جرِّ المياه الى الشطر الغربي من العاصمة بطلب من وليد جنبلاط، بعد ان قطعت حكومة عون المياه عن غربي العاصمة من “محطة ضبيه” لاكثر من سنتين. وكانت حِجَّتُه ان جر المياه من مصدر آخر الى العاصمة يسهم في تقسيم البلاد! وانه هو الحكومة الشرعية، التي تولاها خلفا للرئيس الشهيد رشيد كرامي، وان العماد عون مغتصب سلطة مع انه تم تعيينه بموجب الدستور رئيسا لحكومة انتقالية. وهكذا، أبقى العاصمة لسنتين تحت رحمة الجنرال عون من دون مياه.
غداةَ اغتيال رئيس الحكومة رشيد كرامي، اجتمع قادة السنة في منزل المغدور، واقروا ترشيح الحص لتولي رئاسة الحكومة خلفاً له، وكان ان ابلغوا رئيس الجمهورية امين الجميل وقتها موقفهم منعا لحدوث فراغ حكومي في البلاد، وفي اليوم التالي وصل الى لبنان نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام للمشاركة في تشييع الرئيس كرامي. وما ان دخل الى منزل كرامي حتى طلب الإختلاء بقادة “السُنَّة”، وتوجه اليهم بالقول “لماذا استعجلتم تسمية “سليم الحص” خلفا لكرامي ومن سمح لكم بذلك؟ الم تستطيعوا انتظار وصولي لابلاغكم بمن سيخلف كرامي”، واسمعهم كلاما نابيا.
لم يستسغ الرئيس الراحل حلولَ الرئيس الشهيد “رفيق الحريري” ضيفا في نادي رؤوساء الحكومات، مع السمعة والهالة التي رافقت دخول الحريري السياسة، بحيث طغى حضوره السياسي على ما عداه من رؤساء الحكومات السابقين.
بالنسبة للرئيس الحص، كان “الحريري” لاجئاً سياسياً في بيروت! فهو ليس من العائلات البيروتية التي تستنسخ نفسها جيلا وراء جيل في رئاسة الحكومة، وتالياً لا يحق له ان يتبوأ منصب رئيس الحكومة.
لم يكذب خبرا، حين تولى رئاسة الحكومة في عهد الرئيس اميل لحود. فكرس تَبَعِيَّتَهُ الكاملة لنظام الوصاية السورية، وكانت مُهمّتُ. ملاحقة رجال الحريري في الدولة، فعمل بالتعاون مع وزير الاصلاح الاداري يومها، الراحل “حسن شلق”، على الزجِّ بهم في السجون بِتِهَم ملفقة، من “مُهيب عيتاني” الذي كان يتولى مهمة اصلاح شبكة الكهرباء، فتم اتهامه بسرقة كابل حديد من المرفأ ليتبين لاحقا ان التهمة ملفقة. الى “عبد المنعم يوسف”، الذي حصل على 132 حكم براءة من القضاء اللبناني، وغيرهم وغيرهم من الموظفين على اختلاف مراتبهم. حتى بلغ الامر اتهامَ الرئيس الشهيد رفيق الحريري نفسه، بشراء ذمم الناخبين عشية انتخابات العام 2000، بـ(تنك) الزيت التي كانت توزعها مؤسسة الحريري كمساعدات للمحتاجين قبل دخول الحريري معترك السياسة بزمن.
ممارسات الثنائي الحص–حسن شلق انعكست سلبا عليهما. فخرجا من السياسة بالكامل، بعد ان اسقط الحريري الحص في الانتخابات بفارق كبير، في حين ان “حسن شلق” لم يستطع ان يدخل الى عالم السياسة لان دائرته الانتخابية في الكوره، شمال لبنان، لا مكان فيها لنائب مسلم فيها، ودخوله الى طرابلس كان غير متاح نظرا لتوازنات السياسة الدقيقة في المدينة.
ومع ذلك يسجل للرئيس الحص بديهيات العمل السياسي التي لم يألفها اللبنانيون خصوصا منذ دخول البلاد زمن الوصاية السورية ومن بعدها الهيمنة الايرانية. فهو كان ضَنينا بالمال العام الى حد التقتير، ولم يسجل عليه انه تطاول على مالية الدولة او سمح بالتطاول عليها.
وحتى مماته كان الحص لا يزال على “قِلّة وُد”، كي لا نقول “غيرة وحَسَد” من الحريرية السياسية التي اقصته عن السياسة من العام 2000 حتى مماته.
فهو “مات وفيه غَصّة من الحريرية“!