09 – 05 – 2012 – حِمص
الحد الفاصل، الخط الأحمر، يوجد في ساحة الساعة الجديدة، التي كانت حتى أشهر قليلة خلت مركزَمدينة حِمص المزدحم، حيث المقاهي والمحالّ التجارية والمصارف … اليوم يبدو مظهرها كئيباً، مع الواجهات الممتلئة بالخروق الناتجة عن الرصاص، ولافتات المؤسسات الساقطة على الأرض، والقمامة المتجمعة منذ أسابيع في كل زاوية من الشوارع المحيطة.
عناصر الجيش السوري والشرطة يشيرون إلى خط الجبهة التي يقاتلون فيها في الوقت الراهن. تُسمَع رشقات الأعيرة النارية من حين إلى آخر، في بعض الأحيان تكون قريبة جداً، وفي أحيان أخرى تكون طلقات لمواجهاتٍ تجري في أحياء أخرى. يوضح الضابط السوري لنا أنهم لا يسيطرون على كامل المدينة، وأنه مازال هناك “متمردون، إرهابيون، يجبرون العائلات على إيوائهم في بيوتهم ومنها يستمرون في مهاجمة قوات النظام”. في الليل تصبح المواجهات أكثر شدة.
وقف إطلاق النار ليس موجوداً، لقد تحوَّل إلى خديعة أخرى، يعاني منها بشكل خاص المواطنون السوريون، ويقوم بها المجتمع الدولي والنظام السوري على السواء. الأول لأنه ينقذ المظاهر ويعطي الانطباع بأنه يفعل شيئاً، والثاني لأنه يكسب الوقت، مانعاً حتى أن تكمل بعثة الثلاثمائة مراقب (يوجد سبعون من القبعات الزرق في سوريا) المتفق عليها في مجلس الأمن والتي وافقت عليها الحكومة السورية، انتشارها. استنفدت الأمم المتحدة والجامعة العربية ثُلُث الشهور الثلاثة تقريباً التي يفترض أن تبقى فيها البعثة على الأرض، ومازالت النتائج مخيبة للآمال. يعترف المواطنون أنه قد تم استعادة شيء من الوضع الطبيعي في حمص (حيث يوجد ثمانية مراقبين عسكريين وواحد مدني بشكل دائم) وفي إدلب وحماة ودرعا (حيث يوجد أربعة عسكريين في كل واحدة منها بشكل مستمر)، لكنّ الجميع يخافون مما سيحدث عندما سيبقون “وحدهم” مرة أخرى.
الدخول إلى حمص ليس أمراً معقداً، توجد نقطة تفتيش واحدة، حيث تُطلب الهوية فقط وبالكاد يتم تسجيل السيارات. في الداخل، الأمر مختلف، مواقع المراقبة مع الجنود موجودة في مدخل كل حي من أجل ضمان عزله. المواطنون لا يجرؤون على الانتقال بشكل طبيعي، وسيارات الأجرة لا تتجول في مناطق معينة، وبصرف النظر عن الخالدية أو الحميدية، حيث تستمر المواجهات، وعن أحياء مثل بابا عمرو، المدمر بعد أسابيع من القصف الشديد قبل أقل من ثلاثة أشهر، فإن السكان يحاولون استئناف حياتهم في القسم الأكبر من المدينة.
الشارع الرئيسي في بابا عمرو، الذي كانت تتجول فيه بسرعة كبيرة السيارات التي تخاطر بإدخال الأغذية أو إخلاء المدنيين في أواسط شباط| فبراير، هو اليوم مقفر ومليء بالأنقاض. كل الأبنية تضررت، وبعضها لم يبق فيها إلا جدار واقف على قدميه، ليس هناك أثر لحياة ولا لحركة.
دافعةً عربة أطفال قديمة محملة بعدة أكياس سوداء مليئة بالطعام الذي توزعه الجمعيات الخيرية والهلال الأحمر، تمشي فاطمة لاهثة من الجهد، تحت شمس رصاصية، باتجاه ما تبقى من منزلها. إنها تتحمل مسؤولية إعالة تسعة أشخاص، وحيث أن جميع المحال التجارية في حيها قد أُلقيت ستائرُها المعدنية على الأرض وبعضها لم تعد أكثر من جبل من الآجُر والحديد، فإن على فاطمة أن تجول عدة شوارع على قدميها، فسيارات الأجرة غير مسموح لها بالدخول إلى المنطقة المدمرة، لكي تؤمِّن الغذاء لعائلتها.
إنه مشهد لما بعد الحرب، يعطي الانطباع بأن الهدف من وحشية الهجوم كان محاولة المحو الكامل للحي الذي اختاره معارضو النظام معقلاً لهم وكان ملجأً للذين تجرأوا على مواجهة النظام.
بدون التفكير في حجم الضرر الذي تعرض له حتماً هيكل منزلها، تصعد فاطمة الدرجات ببطء، وفي الأعلى تظهر مجموعة كبيرة من الأطفال، هم أولادها وأحفادها الذين ينتظرون ليروا ما أحضرته لهم في الأكياس السوداء.
تظهر الثقوب الناتجة عن طلقات الرصاص، والفتحات التى غطوها بألواح من الخشب وتحولت إلى مشاجب مفيدة. إنه بيت بدون نوافذ، وبأثاث بقيت فيه الأواني الزجاجية وطقم فناجين القهوة سليمة بأعجوبة. تقول فاطمة إنها عندما رجعت إلى بيتها في آذار| مارس لم تكن تستطيع التوقف عن البكاء: “نحن حزينون جداً. لقد غادرنا من أجل حماية أرواحنا وأرواح أبناءنا. الله فقط هو من يستطيع مساعدتنا، هو الذي أنقذنا وهو الوحيد الذي نثق به”. ليس هناك مدارس، والأطفال يمضون النهار بالنبش في بقايا ممتلكات البيوت التي مازال يمكن الاستفادة منها.
وقع الدمار كان كبيراً جداً فعندما سألنا فاطمة عمن يستطيع إخراجهم من هذا الوضع، أجابتنا بأن لا أحد سيعيد لهم موتاهم إلى الحياة. يتحدثون قليلاً في السياسة لكن عندما تطرقنا في الحديث إلى الاتهام الموجه إلى الجيش السوري الحر بأنه أجبرهم على البقاء في بيوتهم أثناء القتال، وبأنه احتل مساكنهم من أجل محاربة الجيش، كانت ردة فعل فاطمة قاطعةً: “كلا. هذا ليس صحيحاً. لقد تعرضنا لهجوم ومن استطاع منا المغادرة فقد فعل”.
موقع: عَيش
http://www.aish.es/index.php/siria/134-noticias/2939-viaje-a-siria-9-de-mayo-control-ferreo-sobre-los-restos-de-homs