“هل أنتِ باللون الأخضر” يسألنا واحد من الأشخاص المسؤولين عن بث المظاهرة المناوئة للنظام التي ستجري في قلب دمشق. إنه يشير إلى تفعيل بروتوكول الحماية في حاسوبنا الذي يستعدون لتمرير المعلومات إليه.
“عند الساعة الثالثة ظهراً، في ساحة يوسف العظمة. التزمي بالوقت بشكل دقيق، لأننا في بعض الأحيان لا نستطيع التحمل لأكثر من بضع ثوان”. وصلتُ إلى نقطة اللقاء قبل الموعد المحدد بنصف ساعة لأكون شاهدة على كيفية تنظيمهم لأنفسهم وعلى الإشارات التي يستخدمونها، بدون أن يكشفوا أنفسهم إلى أن يُعطى الأمر، من خلال النظرات المتضامنة والصامتة دوماً، مع قبولهم بأناس غير معروفين يمكن أن تكون الدعوة للتظاهرة قد وصلتهم، وبدون استبعاد التفكير بإمكانية تعرضهم للخيانة والوقوع في فخ.
إضافة إلى المعلومات المحددة حول ساعة ومكان الاحتجاج، طلب منا عنصرُ الاتصالِ الاقتراب من واحد من أكثر الأشخاص نشاطاً في هذا النوع من الفعاليات الاجتماعية السلمية التي يحاولون من خلالها حث السكان على الانضمام إليهم، والتخلي عن الصمت والوقوف بوجه نظام بشار الأسـد. وبعد أن جعلنا نشاهد صورة للناشط عبر الشبكات الاجتماعية، قال لنا إنه يجب علينا أن نتوجه مباشرة إلى هذا الشخص قائلين له جملة محددة من أجل الحصول على هاتفه والاستمرار في التعرف على مجموعات الناشطين المؤيدين للتغيير في العاصمة.
قبل خمس دقائق بالكاد من بداية فعاليتهم، لاحظت الشخص المحدد الذي ما إن تلفظت أمامه بالجملة حتى أعطاني هاتفه وطلب مني أن أبقى في المكان نفسه مع إبقاء عينيّ مفتوحتين جيداً.
في الساعة الثالثة ظهراً بالضبط، توجه أولئك الذين بدوا متسوقين يقومون بمشترياتهم، والذين مضى عليهم عدة دقائق وهم ينظرون إلى واجهات المحال التجارية أو يتحدثون بحماسة مع شخص يعرفونه صادفوه للتو في الشارع، توجهوا إلى مركز الساحة وأخذوا أماكنهم حول الحديقة بينما كانوا يُخرجون من أكياسهم البلاستيكية لافتات مكتوبة بالعربية والانكليزية: “ثورتنا ثورة سلمية”، “الثورة تزداد قوة معك ومعي”، “أمهات الشهداء، أين هم أبناؤكن؟”، “الشعب السوري واحد. الدم السوري واحد”، “إلى أبناء شعبنا الشجعان: نحن مستعدون لفدائكم بأرواحنا”، “أي حرية تريدون؟ الكرامة والعدالة”.
أظهر بعضهم صوراً للضحايا الذين سقطوا في الأشهر الأخيرة، وآخرون حملوا وروداً حمراء. وكلهم كانوا يبتسمون للسائقين الذين ما إن انتبهوا إلى الاحتجاج حتى أخذوا يتطلعون إلى ردة فعل الأجهزة الأمنية ضاغطين على أبواق سياراتهم من أجل الخروج من الساحة بأسرع وقت ممكن. ومن عدة نقاط مختلفة من المكان كان ناشطون آخرون يصورون الاحتجاج بهواتفهم المحمولة وكاميراتهم الصغيرة.
كما لو أن الزمان قد توقف، مع الأذرع الممدودة والمنتصبة أمام السيارات لكي يستطيع من فيها قراءة الشعارات التي تم الاتفاق عليها قبل ثلاثة أيام في واحدة من نقاط الاجتماع السرية، شعر الناشطون لمدة سبع دقائق بأنهم في بلد حر. حاولوا إطالة الثواني من أجل الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المارّة، من المواطنين الذين ربما كانوا يؤيدونهم ولكنهم خائفون كثيراً من الانضمام إليهم. لقد بقوا في مواضعهم إلى أن تلقوا رسائل من رفاقهم الموجودين في أماكن قريبة من الساحة يخطرونهم فيها عن بداية تحركات وبأن عليهم الاستعداد لفض المظاهرة.
بالسرعة نفسها التي نشروا فيها لافتاتهم القماشية وصورهم، عادوا لحفظها في أكياسهم البلاستيكية، وبعضهم ألقى بها على الأرض عندما بدأوا بالجري. عشرات من الرجال بملابس مدنية، متنكرين بهيئة مواطنين عاديين، بدأوا بالحديث فيما بينهم غاضبين، وتوزعوا راكضين في الشوارع الصغيرة القريبة من الساحة.
بعد خمس دقائق ظهرت أربع شاحنات صغيرة تحمل جنوداً وأفراداً مدنيين عرَّفهم الناشطون بأنهم من ميليشيات الشبيحة المسلحين بقوة. وقفوا سياراتهم في الساحة، بدأوا بتدقيق النظر في أصحاب المحال التجارية الذين حاولوا عدم رفع أنظارهم وعادوا إلى أعمالهم الاعتيادية. لكن صيحات الغضب من العناصر الذين وصلوا متأخرين كانت مدوية، وكانوا يتساءلون فيما بينهم عن المكان الذي هرب إليه الناشطون. أنذر أفراد شرطة المرور العناصرَ الذين وصلوا للتو و رووا لهم قصة الاحتجاج، وأعطوهم معلومات تفصيلية عن هيئات بعض الذين شاركوا في التجمع: الجنس، الشعر، الثياب،…. وعندما جمع العناصر المعلومات الكافية، خرجوا بسرعة كبيرة من الساحة في الاتجاه الذي سلكه معظم المتظاهرين.
خلال أقل من ساعة كان الناشطون قد حمّلوا صور المظاهرة السلمية الجديدة على الشبكات الاجتماعية وأكدوا اعتقال عشرة أشخاص. في الليل، التقينا بواحد من المشاركين الذي وصف لنا راضياً “يأس” و”إحباط” الأجهزة الأمنية لعدم استطاعتها السيطرة على أحداث كهذه “مثل الكلاب عندما تصل إلى المكان الذي وُعدت بالحصول فيه على الطعام لتجدَه فارغاً”.
ترجمة: الحدرامي الأميني
موقع: عَيش
http://www.aish.es/index.php/siria/134-noticias/2922-viaje-a-siria-7-de-mayo-minutos-de-li