يبدو أن المجلس الانتقالي المؤقت قد فوجئ بالاجتماع الحاشد الذي انعقد في مدينة “بنغازي” يوم الثلاثاء الماضي لإعلان تكوين “ولاية برقة” وترشيح أحد أعضاء الأسرة السنوسية أميراً لها. فأعلن أن رجل الإطفاء المحنّك الدكتور عبد الرحيم الكيب سيخاطب الأمة مساء الاثنين، معتقداً أن ظهوره المظفر على شاشة التليفزيون يمكن أن يلغي ما انعقدت عليه إرادة أكثر من ألفى شخص تمت دعوتهم لحضور هذا الاجتماع. وحاول أن يسبق الأحداث فاجتمع بسرعة وطرح مشروع قانون “الإدارة المحلية” الجديد.
والذي أعرفه، مما يقول به رجال القانون، أن المجلس لا يملك إصدار قوانين جديدة ولا يملك إلغاء قوانين قديمة مهما كانت ظالمة، كالقانون رقم 4 المتعلق بإحتلال المباني.
والمشكلة في أساسها ليست مشكلة فيدرالية أو انفصالية إنما هي مشكلة قيادة وسوء إدارة، وهذه أعمق من أن تحلها قرارات صبيانية متعجلة أو كلمات عاطفية زائفة، لأنها تتعلق بشخصية السيد المستشار التي فقدت سندها، واحترام الناس لها، بسبب قراراته الخاطئة، والأخطاء المدمرة التي يرتكبها ومحاولاته الدؤوبة في رسم المستقبل الليبي وفقا لرؤياه ومعتقداته. وهو يمارس ذلك بسذاجة حيناً، وبمكر عميق في حين آخر. فحين كان يحث الليبيين على عدم تقبيل الخدين عند المصافحة أو بالتهليل بدل التصفيق، كان يمارس السذاجة. أما حين صاغ “قانون الإفتاء” فقد كان شخصا عميق الدهاء يريد أن يجر الدولة الليبية إلى أن تكون حكومة سَلَفية، بكل ما تعنيه كلمة “السلفية” من تحجّر وضيق أفق وبُعد عن مطالب الناس ومقتضيات الحياة.
ثم هو، بعد ذلك، يكشف عن قناعاته التى تناقض مهام وظيفته حين يصرح بأنه لا يؤمن بنظام الأحزاب. أي أنه لا يؤمن بالديمقراطية وأدواتها، ولا يرى جدوى في العملية الانتخابية والتمثيل النيابي! أي أنه لا يؤمن بمهام الوظيفة التي اختير من أجلها، وهى العبور بليبيا إلى ساحة الديمقراطية والفكر الحر، ويكون بقاؤه فيها إما نفاقاً أو رغبةً في تدميرها وإفراغها من محتواها.
وإن كان لا يؤمن بكل ما يؤمن به معظم الليبيين فبماذا يؤمن إذاً؟ بـ”المؤتمرات الشعبية” أم بـ”أهل الحل والعقد”؟ ولماذا يكشف عن انصياعه الكامل لإملاءات “الأفغان العرب” ممثَّلين في أمراء “الكتائب” وكأنه واحد منهم، أو كأنه كبيرهم الذي يعلمهم ولا يعارضهم وهو يراهم يخططون للاستيلاء على الحكم ورفع “راية الحق” و”إعلان الجهاد”، ويشجع الوهابية الجديدة ممثلة في آية الله روح الله الغرياني منشئ دولة الفاتيكان الثانية في “تاجوراء” المجيدة إن شاء الله!
تتحرك هذه المجموعة بذراعها العسكرية وذراعها الدينية بدفع القاطرة القطرية التى تهدف إلى التحكم في ليبيا وترغب في خنق الاقتصاد الليبي والاستيلاء على مقدّراته. وبوادر ذلك هو إرسال ليبيين للقتال في سوريا، وقيام البعض الأخر بإطلاق اللحى بإعتبارها واجباً شرعياً يأثم تاركه. ودُعي إلى نبش القبور وتحطيم الأضرحة بإعتبارها أصناما تسكن فيها الشياطين يجب إزالتها باليد، تطبيقا لفتوى أصدرها مولانا الامام مرشد الثورة الجديدة. وتظهر بوادر ثمار هذه الخطة في البدء بتكوين شركات قطرية وظهور شخصيات قطرية تتحرك لشراء مواقع مميزة على سواحل البحر في منطقة الجبل الاخضر وبعض المناطق الساحلية الاخرى…
إن كنت عضوا في جماعة فقد تكون أذكى أفرادها وأكثرهم عبقرية، وقد تكون أذكى من أى فرد في هذه الدنيا، لكنك لن تكون أذكى من الجماعة نفسها لان ذكاء الجماعة يفوق ذكاء مجموع أفرادها. وهذا هو الدرس الذي كان ينبغى أن يعيه سيادة الرئيس المستشار. وما كان له أن ينظر لمعارضيه بإحتقار ودونية، كما فعل مع متظاهرى “ميدان الشجرة” حين رفض أن يذهب لمخاطبتهم وحين وصفهم أحد أعضاء مجلسه الانتقالي بأنهم “شعب جاهل”. وحين أصر المجلس على إعلان رفض استقالة عبد القادر غوقة برغم أنه قد استقال فعلا.
وهو يخطئ حين يعتقد أنه يستطيع أن يمتص غضب الجماهير أو يستمر في خداعها، أو أن حديثه يكفي لحل الأزمات المتراكمة التى تهدد وحدة الدولة وسلامة مواطنيها.
وهو الان يرتكب المزيد منها حين أنكر وجود أزمة إسمها “الكفرة”، واتّهم أجهزة الاعلام بتضخيمها. ولم يقم بزيارتها للاطلاع على ما يحدث على أرض الواقع، ولو اختار أن يدعو الرافضين لفكرة الانفصال أن يخرجوا للشوارع للاعلان عن رفضهم لما طُرِح لكان أجدى له من أن يهدد من مدينة “مصراتة” باستخدام القوة ضد إعلان “برقة” إقليما مستقلا. وكأنه يستعدي “مصراتة” ضدهم! والمثير للسخرية انه، في نفس الخطاب، كان يشتكي من ضعف الدولة وعدم قدرتها على السيطرة على منافذ حدودها أمام قوى المليشيات التى تتكاثر كالقواقع في المطر. فكيف يهدد بإستخدام قوة يقرّ فى نفس الحين بأنه لا يملكها؟ أما كان الاجدى أن ينتقل إلى بنغازي وأن يدير معركته بين أهله وذويه؟ فإن لم يجد النصرة هناك، فليس له أن يبحث عنها عند الاخرين.
ودون أن ندخل في مجالات علوم السياسة، فما كان لسيادته أن يتعامل مع الانفصال وكأنه حقيقة واقعة، لان الدعوة الانفصالية ليست خطيرة بالدرجة التى صوّرها، بل ولدت ميتة لان أنصارها أساءوا اختيار أسلوب العرض وأساؤوا اختيار التوقيت واختيار الاشخاص الذين تولوا الدعوة إليه. وخسروا منها أكثر مما كسبوا، وشبهة التدخل المصري واضحة فيهم يكشف عنها أن أحد المتزعمين لها تربطه بأجهزة الأمن المصرية علاقة وثيقة يعرفها كل من عاصره في أثناء إقامته في القاهرة. وهو الأن لا يعدو أن يكون ممثلا يبحث عن دور بعد أن أفلس مسرح القذافى وأغلقت كل المسارح دونه، فتحول إلى بهلوان يقدم فنه على أرصفة الشوارع.
وإن لم يكن له دور في المسرحية، فإن تفكيك ليبيا إلى أقاليم صغيرة يخدم مصالح الدولة الجارة التي حاولت، منذ عهد الملك فاروق واستمرت حتى الآن بوتيرة لا تمل، السيطرة على ليبيا بكل سبيل ممكن. وإن عجزت عن ابتلاعها كلها في لقمة واحدة، فإن ما لا يُدرك كله لا يُترك كله.
ويدرك أهل “برقة” أن هذه الإقليمية ستكون وبالا عليهم، وسيتفتتون إلى قبائل، وسيعود “الجوازي”* للمطالبة بثأرهم القديم، ويزحف “أولاد علي” الاحمر منهم والابيض للمطالبة بنصيبهم في الكعكة الليبية الشهية. وستنشط قبائل “التبو” لتحقيق هدف تسعى إليه منذ عقود كثيرة، ومنذ زمن المملكة، للمطالبة بإعلان دولتهم المستقلة، وعاصمتها “الكفرة”، والممتدة من “العقيلة” إلى الحدود الافريقية.
لكن شيئا من ذلك سوف لن يحدث، وأمرنا ليس موكولاً لنا كما نظن، ونحن لسنا احرارا كما نعتقد، بل
نحضع نحن الليبيون، شئنا او كرهنا، لارادة دولية عظمى هى التى منحتنا إستقلالنا وأقرت لنا شكل الحكم وكوّنت دولتنا من ثلاثة أقاليم أعلنت الارادة الدولية ضمها في شكل دولة إتحادية واحدة كان لبريطانيا العظمى الفضل الاكبر في تكوينها. وهى التى حمتنا من أطماع الروس وأطماع المصريين. ثم جاءالامريكيون وتدفق النفط وصدر قانون ينظم توزيع موارده، ومنح 30% للولاية و70% للحكومة الاتحادية. ووجدت المصالح المالية الدولية نفسها تواجه حكومات محلية متعددة تختلف المصالح بينها فطالبت بحكومة واحدة تستطيع التفاهم معها. وتقبلت الحكومة الليبية الامر برحابة صدر، وأعلنت الحكومة قرار الوحدة وطبقته على مرحلتين. كانت الاولى بتقليص صلاحيات الولايات الثلاث ونزع اختصاص النفط منها، وتحويله إلى الحكومة الاتحادية. ثم أعلنت الوحدة الشاملة في وزارة الدكتور محي الدين فكينى سنة 1963 وقسمت ليبيا إلى عشر محافظات وتحولت موارد النفط كلها إلى الحكومة.
وهذه المصالح النفطية الدولية مضافا إليها المصالح الاستراتيجية للدول التى حاربت من أجلها في “فجر الاوديسا”، هى التى قررت تنحية القدافى عن الحكم وأعطت الضوء الاخضر لقيام الثورة. وهي ليست على استعداد للتفريط في مكتسباتها، ولن ترضى للضباع أن تحوم حول فريستها ولن تقبل بأن يشاركها في الغنيمة أحد. لذلك فلا أمل في الفيدرالية، ولا خوف من الانقسام ولا أمل لعملاء مصر في منصب أو وزارة، ولا امل لـ”التبو” إلا في رمال الصحارى ولا حياة للكهول إلا بين كتب الماضي.
وحفظ الله ليبيا من أطماع أصدقائها، ونزق أبنائها.
Magedswehli@gmail.com
كاتب ليبي
*
مذبحة الجوازي (من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة):
مذبحة الجوازي هي تسمية تطلق على مذبحة شهيرة ارتكبت ضد قبيلة الجوازي في مدينة بنغازي في ولاية برقة وقتها شرقي ليبيا، وذلك في سنة 1816، قتل فيها أكثر من عشرة آلاف فرد من قبيلة واحدة.
كان موقع المذبحة القلعة التركية في المدينة انتقاما من الثورة التي اندلعت ضد حكم أسرة القره مانللي ورفضهم دفع الضرائب المفروضة، حيث يذكر أن الباشا بعد ادعائه مهادنة قبيلة الجوازي ودعوة 45 من أعيانها وشيوخهاإلى القلعة بغرض الإنعام عليهم، وبمجرد جلوسهم حتى هجم الحرس الخاص بالباشا عليهم وذبحوهم، فيما هوجم أفراد القبيلة والذين كانوا يرابطون خارج أسوار القلعة وتم ذبح أعداد كبيرة منهم بينهم أطفال ونساء.
رجوع الشيخ إلى صباه!
التجرد والاخلاص والبعد عن المهاترات وتجريح الاشخاص ومحاولة ايجاد الحلول هو الطريق الايجابي وعنوان الوطنية فالنحاول التعاون على طريق الاصلاح والبناء بالحب والاحترام المتبادل
رجوع الشيخ إلى صباه!
سبق خطوة الشرق تفرُد مصراتة في الغرب بانتخاب مجلس محلي.
الهيمنة و الاستحواذ و مناكفة الناس و ممارسة جهوية ومنع الاخرين من فعلها ، مسألة لن يفيد معها الصراخ و الاتهام بالخيانة للخارج على الطريقة القديمة.
و أخمد السنوسي هو صاحب أطول تجربة سجن في عهد القذافي، وهو الحائز في تشرين الأول جائزة ساخاروف لحرية الفكر مع ناشطي “الربيع العربي”. كما أنه لم يكن بعيداً من “المجلس الوطني الانتقالي”، إذ انضم إليه مع نشوب الثورة مسؤولاً عن تمثيل السجناء السياسيين.
رجوع الشيخ إلى صباه!
وفقت، اتمنى من الشيخ ان يقرأ ويراجع نفسه! للاسف السلطة تفسد…..