يبدو ان عالمنا يتميز بالفوضى التي تتزايد بسرعة، وبأزمة عميقة في الافكار الخاصة بالنظام والتماسك، وبالقيود التي سادت لفترة طويلة، حتى اصبحنا ندمنها كالاساطير. وتتخلى الانظمة التي تسير في خط مستقيم في مجال العلوم عن مكانها ببطء لما يطلق عليه نظرية الفوضى.
ان الصورة الواضحة، التي يمكن تقدير ابعادها للعالم، تذبل، والافكار الخاصة بالوحدة والتلاحم داخل الدولة يتكشف انها وهم.
لقد اصبحت المفاهيم التقليدية عن الثقافات المنفصلة المبنية على التجانس العرقي، والخصوصية القومية، يتعذّر الدفاع عنها سواء رضينا ام لم نرض.
وتتميز الثقافات اليوم بشكل عام بالتهجين. ومعالم حياتنا تحددها اكثر من ثقافة، حيث تكون شخصياتنا هي نقط الالتقاء بينها.
ان لدينا اليوم هويات ذات اجزاء متقطعة، كما ان عصرنا يمكن ان يعتبر فترة ذات اجزاء متقطعة ايضا، وتكشف نقاط التحول المثيرة فيها، وفترات الذروة القاتلة، عن حشرجات موت عالم، وآلام ولادة عالم آخر.
ان «البرج العاجي» الذي كان يبحث فيه الفنانون عن النقاء الخالص اصبح مهجورا. ففنانو ما بعد الحداثة قد تركوا مراسمهم الموحشة، وذهبوا الى اسواق وشوارع العالم. وبدلا من خلق اعمال خالدة من فن «المتاحف»، فهم يوصلون افكارهم وعواطفهم بمفاهيم كثيرا ما تكون استفزازية، او باشياء وتركيبات مزعجة.
ان الفنان، الذي يقضي عمره في تحسين اسلوبه الفني، نموذج انقضى وحل محله فنان قادر على اجادة تشكيل رسالة وجودية، او وضع ما في اي لحظة من حياته.
ان الفن اليوم اصبح يتدخل في كل شيء، كما انه مؤقت. وهو يمكن ان يحدث في اي مكان، لان مرسم فناني ما بعد الحداثة هو العالم.
والفنانون «المهاجرون» هم من بين رُسل امتزاج الثقافات الكثيرين، في عالم اصبحت كلمة السر فيه هي الارتحال والعولمة.
ان اختراع ما بعد الحداثة، وانتشار الفنانين للاقامة في كل انحاء العالم قد جاء استجابة لاحتياجات الفنانين والمثقفين لاختبار العالم وبيئاته وثقافاته المتعددة، وان يكونوا – مؤقتا – جزءا من مجتمعات خلاقة، وان يتبادلوا الافكار واسرار المهنة.
ان العمل من خلال شبكات عبر الحدود الوطنية والثقافية هو جزء من لعبة ما بعد الحداثة، شأنه شأن عبور الحدود بين الفنون والتكنولوجيات، الذي تستطيع تقديمه العديد من هذه المراكز.
ayemh@hotmail.com
* الكويت