لا تشغل انتخابات إهتمام البشرية كالانتخابات الأميركية. وحدها من بين كل “التمارين” على الديموقراطية، في العالم، تجتاح اهتمام كل الشعوب، المعادي منها لـ”الأمبريالية” الأميركية قبل الحليف. كان الأمر كذلك إبان الحرب الباردة، واستمر زمن الآحادية، ويتجدد اليوم فيما تتبدى، ولو على خفر، ملامح قطبية متعددة.
ليس السبب تعداد سكان الولايات المتحدة الأميركية، ولا احتضانها 30 من أهم 45 جامعة في العالم، ولا فرص الأحلام المنتجة التي توفرها لأبنائها، ولا اقتصادها المتنوع، ولا حتى “مرجعية” دولارها عالميا، الذي أقره مؤتمر بريتن وودزعام 1944 لضمان الإستقرار المالي العالمي.
السبب هو كل ذلك، مضافا إليه خروجها الثاني عن حيادها بعد سنتين من اندلاع الحرب العالمية الثانية، تماما كما فعلت في الحرب العالمية الأولى، وفي المرتين إلى جانب بريطانيا وفرنسا. وهي عادت بعد الأولى إلى عزلتها، لكنها اكتشفت، مع الثانية، أن مشاركتها أدت إلى زيادة رأسمالها واستثماراتها، وقدراتها الصناعية، فغادرت مذاك حدودها ولم تعد، حتى أنها ورثت الاستعمار الأوروبي القديم، البريطاني والفرنسي والبلجيكي والهولندي، بعدما ساهمت في إسقاط آخر معاقله ، مباشرة ومواربة، في موقفها من الإعتداء الثلاثي على مصر، في ما عرف بأزمة قناة السويس. ويتوج كل ذلك، انها تنفق نحو 50 في المئة من الإنفاق العسكري العالمي، وتملك أساطيل بحرية في كل مياه الكرة الأرضية، وتحديدا حيث تفتقد القواعد العسكرية الأرضية الثابتة.
لكن قوة أميركا الفعلية ليست في كونها قوة اقتصادية وسياسية وثقافية وعسكرية عالمية، بل في قدرتها على مواجهة الأزمات، حتى ما تنزله بها الطبيعة من كوارث، بدليل مواجهتها إعصار “ساندي” الأخير بأقل قدر من الخسائر(96)، وباستعادة الحياة الطبيعية في أقصر مهلة، وهو ما لم يلمسه أحد، مثلا، حين ضرب زلزال منطقة تبريز في ايران، في آب الفائت وأوقع ما يزيد على 300 ضحية وأكثر من 3000 جريح، ودمر ما ينوف على 60 قرية.
لأن هذه أميركا، ينشغل العالم بانتظار معرفة رئيسها، ولا يعفيه من ذلك القول أنها دولة مؤسسات، تنفذ الخطط المرسومة في مواقع القرار، ولو دخلت السلطة التنفيذية العليا في غيبوبة الانتخابات. فلكل رئيس “لمسته” الخاصة، حتى أن الرئيس العائد نفسه، يتغير بعض من رؤيته السياسية في ولايته الثانية، عما كانت في الأولى.
تنهي أميركا اليوم انتظارات العالم، ليستعد الجميع للعودة إلى الانتظام. فحين يخرج الأستاذ من الصف، لأمر طارئ، في أي مدرسة، ينقسم الطلاب بين سلوكين: واحد يعتقد أن الساحة خلت له، فيحاول إظهار “فتوته” وقياديته، وآخر يفضل الإبقاء على سلوكه نفسه، لمعرفته أن الانتظام العام سيعود.
الشرق الأوسط أحد هذه الصفوف.
m2c2.rf@gmail.com
كاتب لبناني
النهار