مع التراجع النسبي في حدة الاشتباكات في مخيم نهر البارد شمال لبنان، بين الجيش اللبناني ومقاتلي «فتح الاسلام»، وبدء المنظمات الفلسطينية في مخيم عين الحلوة جنوباً تشكيل القوة الأمنية المشتركة التي ستتولى حفظ أمن المخيم منعاً لتكرار تنظيم «جند الشام» اطلاق النار على الجيش، قالت مصادر فلسطينية في مخيم نهر البارد ان عدداً من مقاتلي «فتح الاسلام» أبدى استعداده لتسليم نفسه لحركة «فتح» التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الا ان أياً من هؤلاء لم يكن سلم نفسه مساء أمس. وتصاعدت حدة الاشتباكات ليلاً في المخيم.
عناصر من «جند الشام» يتحدثون الى الصحافيين في مخيم عين الحلوة امس. (رويترز)
ورجحت مصادر مطلعة ان يكون هدف تمهّل الجيش في التقدم الى وسط المخيم والذي لجأ اليه مقاتلو «فتح الاسلام» بعد تراجعهم من المواقع التي سيطر عليها الجيش، انتظار مدى استعداد مقاتلي التنظيم المتشدد لتسليم أنفسهم لاخضاعهم للقضاء اللبناني، ولاستكمال عملية تطهير المواقع التي تقدم اليها الجيش قبل شن هجوم جديد على مواقع هؤلاء اذا امتنعوا عن القاء السلاح، لحسم الموقف العسكري وانهاء تحصنهم في نهر البارد خلال الساعات المقبلة.
وقال امين سر حركة «فتح» في لبنان اللواء سلطان ابو العينين في مخيم عين الحلوة ان خمسة من مقاتلي «فتح الاسلام» سلموا انفسهم الى حركته في مخيم البارد وان اتصالات تجري مع الجيش اللبناني لتسليمهم اليه وضمان ان لا يعاملوا مثل «العصابة الارهابية» التي غررت بهم.
في الوقت ذاته، تلقت الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني مزيداً من الدعم الخارجي في مواجهة الوضع الأمني المتفجر، وكان أبرزه امس من روسيا التي ابلغت لبنان قراراً بدعم الجيش. وقالت لـ «الحياة» مصادر مواكبة للاتصالات الجارية بين بيروت وعدد من الدول لتقديم مساعدات عسكرية للجيش اللبناني، ان موسكو أبدت استعدادها لدعمه من طريق توفير هبة عسكرية من معدات وذخائر له، اضافة الى بيعه السلاح بأسعار تشجيعية.
وأكدت المصادر ذاتها لـ «الحياة» ان الحكومة اللبنانية تلقت اخيراً اشارات في هذا الشأن، وان الاتصالات جارية لوضع آلية لشحن الهبة العسكرية الروسية، اضافة الى شراء السلاح.
وزار بيروت بعد ظهر امس وزير الخارجية الايطالي ماسيمو داليما بعد لقائه الرئيس السوري بشار الأسد صباحاً في العاصمة السورية، اضافة الى نائبه فاروق الشرع ووزير الخارجية وليد المعلم.
وأشار داليما بعد لقائه رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة فؤاد السنيورة، في مؤتمر صحافي مشترك مع الأخير، الى التضامن مع اللبنانيين والجيش بعد الهجوم من مجموعة «ارهابية» ترتبط بـ «القاعدة». وشدد على ضرورة «التعامل مع هذه القوى الارهابية (فتح الاسلام) مع الحرص على تجنيب الفلسطينيين المعاناة خصوصاً انهم وجدوا انفسهم متورطين بالمسألة». وقال ان «الديموقراطية اللبنانية وحكومة السنيورة لن تستسلم أمام التحدي»، وأكد العمل لتطبيق القرار 1701 في الجنوب، وانه شجع السنيورة وبري على العمل للوصول الى اتفاق للخروج بلبنان من حال الركود السياسي والمؤسساتي وذكر ان انطباعه ان «الاتفاق ممكن وأصبح قريباً». وإذ نقل داليما عن السلطات السورية نفيها أي علاقة مع «فتح الاسلام»، وأشار الى انها تعتبر وجودها مرتبطاً بـ «القاعدة» ويهدد سورية، اعتبر انه «يجب التعاون للحيلولة دون تسلل مجموعات أصولية الى المنطقة».
وأضاف: «أبلغنا السوريين اننا نريد تقويم الاعمال وليس فقط التصريحات».
وشدد على ان مجلس الأمن اتخذ قراراً سليماً بالنسبة الى المحكمة ذات الطابع الدولي و «انطباعي بعد زيارتي سورية ان السوريين ليسوا سعداء (تجاه قرار المحكمة) لكن القرار اتخذ وعليهم التطلع الى المستقبل، وسورية تعرف ان هناك نوعاً من المقايضة الممكنة معها ونريد ان تتعاون وتكون جزءاً من الحل ليس فقط في لبنان بل في الازمات في العراق وفلسطين ولبنان… ومن الممكن التوصل الى الاستقرار في المنطقة. الأمر صعب ولكن بعد القرار 1757 أحرزنا تقدماً الى أمام».
ونفى السنيورة رداً على سؤال ان تكون الحكومة اللبنانية وجهت اتهاماً الى السلطات السورية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وأكد ان هذا الامر ملك التحقيق، وعن استعداده للاستقالة بناء لطلب المعارضة قال السنيورة انها «ليست عملاً مستحيلاً ويمكن ان يحصل ولكن يجب التوافق على ما بعد الاستقالة لا أخذ البلد نحو المجهول… والمعارضة تعرف الاشكالات التي تطرحها الحكومة الجديدة». والتقى داليما قبل مغادرته بيروت البطريرك الماروني نصر الله صفير وزعيم تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري.
وكان داليما تحدث في مؤتمر صحافي عقده مع الوزير المعلم في العاصمة السورية قبل انتقاله الى بيروت، وقال ان محادثاته في سورية «تشير الى وجود عناصر مشجعة ومفيدة» في شأن الأزمة في لبنان، «وسأنقل الى المسؤولين اللبنانيين تقويمي الشخصي ورغبتنا في العمل مع سورية من أجل حل المشاكل في لبنان». وعلم ان الجانب السوري أكد في محادثاته مع داليما تعاونه لتنفيذ القرار 1701، وأهمية عدم الخروج عن نصه وعدم العمل لنزع سلاح «حزب الله» وعدم نشر قوات «يونيفيل» على الحدود مع سورية. وإذ طلب داليما من سورية السعي لدى أصدقائها في لبنان من اجل حضهم على التوافق مع الفريق الآخر، قال له الوزير المعلم: «نحن مستعدون لمساعدة اللبنانيين على تجاوز الازمة الراهنة».
وفيما قالت مصادر مطلعة لـ «الحياة» في دمشق ان المسؤولين السوريين مرتاحون جداً لزيارة داليما فإن الأخير اكد ان المحكمة ذات الطابع الدولي ستعمل في شكل متوازن ولا يمكن ان تشكل تهديداً لأحد. وانتقد المعلم قرار مجلس الأمن الرقم 1757، معتبراً انه «سابقة خطيرة وحل مجلس الامن محل مجلس النواب اللبناني والاجراءات الدستورية».
ونفى المعلم الاتهامات لسورية في شأن علاقتها بـ «فتح الاسلام» قائلاً: «من يحاول اتهام سورية بهذا التنظيم يخفي حقيقة من يدعم التنظيم في لبنان ومن رعاه ولماذا رعاه»، مشيراً الى ان عناصر التنظيم ملاحقون في سورية. ورحب المسؤولون السوريون باقتراح داليما تزويد دمشق معدات لمراقبة الحدود وتدريب حرس الحدود لضبط الحدود اللبنانية – السورية.
الى ذلك، تلقى لبنان دعماً جديداً من الولايات المتحدة، إذ أعلنت مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون المنظمات الدولية كريستين سيلفربرغ بعد لقائها السنيورة انه «يحق للبنانيين ان يشعروا بفخر عظيم بالشجاعة والتصميم اللذين يحارب بهما الجيش ليبقى لبنان آمناً». ولفتت الى «محاربة الارهاب ودعم الحكومة اللبنانية في جهدها لانهاء هذه المسألة». وأكدت ان مجلس الأمن باتخاذ القرار 1757 «سار على خطى الشعب اللبناني».
وصدر موقف لافت من ايران حول الوضع الأمني اللبناني، إذ قال الرئيس محمود أحمدي نجاد خلال مؤتمر صحافي في طهران: «ندين الاشتباكات الاخيرة في لبنان ونعتبرها غير مفيدة سواء للبنان او منطقة الشرق الأوسط». وأضاف ان «لبنان جزء لا يتجزأ من العالم الاسلامي، وعلى كل الدول ان تساعد اللبنانيين على تقرير مصيرهم السياسي واحترام قراراتهم». ونفى أي تدخل ايراني في الشؤون اللبنانية او أي صلة لطهران بالأحداث الأخيرة، قائلاً ان بلاده تقدم «الدعم الروحي والأخوي» فحسب للبنان وغيره من دول الشرق الاوسط. وأضاف ان «ايران ترسل رسالة سلام وصداقة وتدين أي عنف».
وفيما ترددت انباء لم تتأكد امس عن اصابة قائد حركة «فتح الاسلام» شاكر العبسي في مخيم نهر البارد، ترأس السنيورة مساء اجتماعاً لسفراء الدول المانحة وممثلي المنظمات الدولية لحضهم على المساعدة في اعادة اعمار مخيم نهر البارد. وأكد في كلمة مطولة أمامهم ان «العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش اللبناني تهدف الى التخلص من كل تهديد قد تشكله هذه المجموعة او غيرها. وكان موقف الشرعية اللبنانية واضحاً وصريحاً في كيفية معالجة ما جرى منذ البداية، وهو اجتثاث الارهاب، بتفاهم تام مع الفصائل الفلسطينية». وزاد: «طالبنا الارهابيين بالاستسلام، وأعلنّا اننا نضمن لهم معاملة انسانية ومحاكمة عادلة وشفافة. لم تستجب نداءاتنا، ولم يُترك امامنا سوى الخيار العسكري. أرغمنا على الحسم وكان آخر الدواء الكي». وأكد ان الجيش يبذل ما في امكانه لتحييد المدنيين. وشرح معاناة النازحين الى مخيم البداوي وغيرهم من المناطق، مشيراً الى ان اللاجئين الفلسطينيين كانوا ضحايا العديد من الانتهاكات، طالباً مساعدة المجتمع الدولي لتخفيف معاناتهم ومشدداً على اعادة اعمار مساكن مخيم نهر البارد.
وأعلن السفير الاميركي لدى لبنان جيفري فيلتمان ان بلاده قررت التبرع بـ3.5 مليون دولار كمساهمة منها في مساعدة اللاجئين الفلسطينيين من مخيم نهر البارد.
بيروت، دمشق الحياة – 06/06/07//