أرعبني كثيرا ما حدث في غزة، وما شاهدته وقرأته وسمعته عبر الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة من وقائع وأحداث وتداعيات كارثية بكل المقاييس.
أرعبتني كثيرا مشاهد القتل والتدمير والسحل والإعتقالاات والنهب والسرقات التي أتت على آخر ما تبقى من آمال لتحقيق الحلم الوطني الفلسطيني.
أرعبني التبرير الذي قدمته قيادات حماس لما إرتكبته من مجازر وأعمال خطيرة ، حيث زعم قسم من هذه القيادات ان ما حدث كان عملا ضروريا لإستئصال التيار الانقلابي في حركة (فتح)، فيما وصف قسم آخر ما حدث بأنه يعتبر التحرير الثاني لقطاع غزة من (العملاء) بعد تحريرها من (الإحتلال).. والطامة الكبرى ان قياديا ً بارزا في (حماس) ظهر على قناة (الجزيرة) وهو يقول بدم بارد ان ما حدث في (غزة) كان قتالا بين الكفر والإيمان!!؟؟
أرعبني كثيرا هذه الخطاب (الحماسي) ثلاثي الأبعاد بصدد تبرير ما حدث.. واستبد بي الرعب أكثر فأكثر عندما نقارن بين الأبعاد الثلاثة لهذا الخطاب التبريري البائس وبين مشاهد مأساوية تنفي وتكذب هذا الخطاب..وليس أقلها مشهد همجي قام فيه مسلحو حركة حماس بإنزال صورة الرئيس ياسر عرفات والدوس عليها بأقدامهم وسرقة منزله ووثائقه والجوائز والهدايا التي تلقاها من عدد كبير من قادة الدول والمنظمات الدولية وحركات التحرر الوطني عبر مختلف مراحل مسيرته الكفاحية الوطنية التي تعتبر تراثاً مشرفاً للشعب الفلسطيني وكفاحه المشروع من أجل تحقيق الأهداف الوطنية التي عمدها الشعب الفلسطيني بالتضحيات الجسام وعشرات الالاف من الشهداء والجرحى.
لا يمكن أن نلغي عقولنا لنصدق خطاب التبرير(الحماسي) بأبعاده الثلاثة لما حدث في غزة. فياسر عرفات الذي حطم مقاتلو حماس صورته وداسوا عليها ونهبوا منزله ووثائقه لم يكن قائدا لتيار إنقلابي في حركة فتح حتي يتم إستئصاله بتلك الطريقة البشعة.. كما أنه لم يكن في عداد (العملاء)الذين ينبغي تحرير غزة منهم، ناهيك عن أنه لم يكن كافرا في معركة خاضها(المؤمنون الحماسيون) ضد فسطاط الكفر!!
من نافل القول ان الأحداث والوقائع أثبتت على امتداد أكثر من 40 عاماً منذ اندلاع المقاومة الفلسطينية أنّ ياسر عرفات كان واحدا من القادة التاريخيين الذين تعاظمت قوتهم في أوقات الشدائد والنوائب.. ولأنّه كذلك، فقد كان عرفات ولا يزال رمزا حياً ــ رغم أنف الذين حطموا صورته وداسوا عليها ــ للقائد التاريخ الذي رسم بنضاله ومواقفه معالم قضية شعب كامل، بصرف النظر عن الاختلافات والتباينات التي توجد في حركة الشعوب.. ولذلك فقد اجترح الرجل الكثير من التضحيات، وتكبد المزيد من المعاناة حتى ولو كانت نتاج اختيارات لرفاق دربه لا يوافق عليها ومن بينها أخطاء حماس التي كان لا يتردد في دفع فواتيرها.
لم تخل مسيرة عرفات الكفاحية من محطات مؤلمة حصد فيها أخطاء غيره دون أن يتبرأ منها، وأصر خلالها على الوقوف الى جانب كل أبناء شعبه ومناضليه في خندق الصمود.
حدث ذلك في الأردن يوم رفعت فصائل اليسار الفلسطيني شعار إقامة سلطة وطنية في الأردن كقاعدة للكفاح المسلح في الأراضي المحتلة. وكان عرفات حينها ضد هذا الشعار، وتحمل بصبر لا حدود له سهام معارضيه الذين وجهوا إليه أقسى الاتهامات.. وعندما قادت تلك التجاوزات إلى تفجير أحداث أيلول الأسود، لم يتبرأ عرفات من عواقب تلك الشعارات المتطرفة، وكان في طليعة المقاومين الصامدين، وتعرض لحصار في جرش كاد أن يودي بحياته لولا تدخل مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في القاهرة أواخر سبتمبر 1970م، بإرسال وفد مكوّن من الرئيس السوداني جعفر النميري والشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية الكويتي، اللذين قاما باستخدام طائرة مروحية مصرية في عملية إنقاذ درامية للمقاتل المحاصر ياسر عرفات.
تكرر ذلك مرة أخرى في حصار بيروت أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1981م، حيث رفض عرفات عروضاً دولية لإنقاذ حياته وحده، وأصر على أن يكون انسحابه في موكب جماعي مع جميع مقاتلي الثورة الفلسطينية المحاصرين في بيروت (لم تكن يومها حركة “حماس” وحركة “الجهاد” قد ولدتا بعد).. وكان له ذلك حيث تمّ انسحابه مع آلاف المقاتلين الفلسطينيين والمتطوعين العرب على ظهر سفن يونانية بحماية سوفيتية، في مشهد تاريخي يرمز إلى صمود شعب وعدالة قضية.
وعندما اندلعت أحداث طرابلس والبقاع عام 1982م بين القوات السورية وما تبقى من قوات الفصائل الفلسطينية في الأراضي اللبنانية الواقعة تحت سيطرة القوات السورية في لبنان، عاد عرفات فجأة لينضم إلى رفاق دربه، ويمنع عنهم مذبحة شبيهة بتلك التي كادت أن تقع في الأردن أو بيروت.. ومرة أخرى تتدخل الإرادات الخارجية لاستكمال تنفيذ مخطط تصفية الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان، حيث خرج عرفات مع مقاتلي الفصائل الفلسطينية المختلفة على ظهر سفن عربية وبحماية سوفيتية وفرنسية.
وكعادته في اجتراح المآثر اغتنم عرفات مرور سفينته في قناة السويس حيث قرر تحطيم الحواجز التي فرضت لتحول بين مصر ومحيطها العربي بعد توقيع اتفاق كامب ديفيد في مارس عام 1979م، وأصر على لقاء الرئيس المصري حسني مبارك مدشناً بتلك الخطوة التاريخية غير المسبوقة أول لبنة مهدت لعودة مصر إلى الأمة العربية، ومواصلة دورها التاريخي الريادي في الدفاع عن القضايا العربية العادلة.
حين قرر عرفات لقاء أخيه الرئيس حسني مبارك أثبت أنّه واحد من قلائل القادة الذين يصنعون الأحداث ولا يركضون وراءها.. فقد استنكر معارضوه ذلك اللقاء الذي تم فوق مياه قناة السويس، وارتفعت من جديد الأبواق الناعقة بتخوينه.. لكنه لم يأبه بردود الفعل.. كما أنّه لم يشمت بكل الذين هاجموه وخونوه بعد أن رآهم يتسابقون على زيارة مصر، ويتبارون في الإشادة برئيسها وأدوارها وطلب وساطتها وتدخلها في العديد من المآزق والأزمات العربية!!
بخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان والأردن وإغلاق سورية أراضيها أمام الكفاح المسلح، خسرت القضية الفلسطينية قواعد ميدانية خلفية.. بيد أنّ عرفات لم يستسلم ولم يرفع الراية البيضاء، حيث واصل نضاله وفق إستراتيجية جديدة من تونس، وتمكن من نقل القضية الفلسطينية إلى مرحلةٍ جديدة توجت بالاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، ومهدت لاندلاع انتفاضة الحجارة التي أجبرت إسرائيل على الاعتراف بمنظمة التحرير والجلوس معها على طاولة المفاوضات المباشرة في مدريد وأوسلو وواشنطن، وصولاً إلى إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية التي نقلت كفاح الشعب الفلسطيني إلى داخل أراضيه المحتلة، وفرضت على أجندة المجتمع الدولي بأسره ضرورة الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الوطنية المستقلة.
وفي المحطة الأخيرة من حياته الحافلة بالكفاح والتضحيات والمآثر الوطنية العظيمة، فرض رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيريل شارون حصارا طويلا على ياسر عرفات في رام الله إنتهى بموته شامخاً. غير أنّ ذلك الحصار لم يكن جديداً على رجل عظيم كان يستمد قوته دائماً من وجوده في قلب العواصف إلى جانب شعبه.. ولعل أبرز ما تميز به ذلك الحصار الأخير هو أنّه تم لأول مرة على الأرض التي كان عرفات يبحث عن ممرات صعبة إليها.. وقد أثبت عرفات أنّه لم يكن جباناً أو متخاذلاً في كل حصار تعرض له في المعارك والممرات السابقة خارج أرضه.. وسيكون حضوره أكثر قوة وصلابة في هذه المعركة التي داس خلالها مقاتلون ملثمون من حماس على صورته بهمجية رعناء، دون أن يدركوا حقيقة أنهم كشفوا بهذه الفعلة الخطيرة عن وجوه جبانة تختفي خلف أقنعة لم يكن ياسر عرفات يستخدمها ـ أبد ً ـ في معاركه التي خاضها دفاعا عن القضية الوطنية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.
ahmedalhobishi@hotmail.com
* أحمد الحبيشي هو رئيس تحرير صحيفة 14 أكتوبر في عدن
دفاعاً عن القائد الرمز ياسر عرفاتانكشفت حماس بوضوح شديد وكشفت معها جميع التيارات الاسلاميه بما لايدع مجالا للشك فى دمويتهم وساديتهم ونهمهم الشديد فى القضاء وسفك دم كل من يجروء ويخرج من عباءتهم اوحتى لايساندهم حتى من من يدعونهم انهم اخوتهم فى الاسلام عفوا انهم سفلة العصر ولااعتقد انه يوجد فى التاريخ من هم اكثر دمويه وسفاله خاصة انهم يذبحون باسم الله واعطوا لاانفسهم ان يكفروا من يريدوا كما لو كانوا رسل الله المفوضين بالدينونه انهم هم الكفر والشرك بعينه فهل ستعى شعوب هذه المنطقة الدرس وهل ستستمر وسائل الاعلام العربيه فى التضليل وعدم كشفهم للشعوب حتى يعم الخراب والدمار… قراءة المزيد ..
دفاعاً عن القائد الرمز ياسر عرفات
أى طرح يخلط “السياسة” ب “الدين” (أيا كان إسم هذا الدين) هو أمر مخالف ومضاد للعلم والعقل ومحصول المعرفة الإنسانية كما أنه ظاهرة غير ديموقراطية بنسبة 100% . ورغم بشاعة وقبح ودموي%D
دفاعاً عن القائد الرمز ياسر عرفاتأى طرح يخلط “السياسة” ب “الدين” (أيا كان إسم هذا الدين) هو أمر مخالف ومضاد للعلم والعقل ومحصول المعرفة الإنسانية كما أنه ظاهرة غير ديموقراطية بنسبة 100% . ورغم بشاعة وقبح ودموية ما قامت به “حماس” فى غزة مؤخرا ؛ فإن لما حدث جانب إيجابى ؛ إذ ظهر جليا للكافة أن الإسلاميين يستعملون الأدوات الديموقراطية للوصول للحكم “ُثم” تدمير الديموقراطية … شكرا حماس فقد وفرتى علينا جدلا طويلا مع الإسلاميين الذين يكذبون ويقولون أن الإسلاميين يقبلون أن يصلوا للسلطة بشكل ديموقراطى وأن يتخلوا عن السلطة بشكل ديموقراطى … ألف شكر لحماس التى أثبتت لنا وللإنسانية… قراءة المزيد ..