في أيلول 2012 أطلق قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر من بيروت إرشاده الرسولي الخاص بسلام الشرق الأوسط، على قاعدةِ حوار أهل الأديان وتعاونهم من أجل العيش معاً يسلام، كما على قاعدة قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وعلى اعتبار أن سلام هذه المنطقة شرطٌ ضروري لاستقرار العالم، ولنجاحه في مواجهة أزماته الكبرى (لا سيما الاقتصادية والاجتماعية والبيئية منها)، ولإطّراِد تقدُّمه. وقد جاءت تلك المبادرة الكبرى والخيّرة في لحظةٍ اتّسمت بثلاث:
- انصراف القوى الكبرى والفاعلة في العالم عن متابعة جهود السلام في المنطقة (وأساسُه القضية الفلسطينية)، رغم وضوح وكفاية المرجعيات المتّفق عليها لحل هذه المسألة؛
- تمادي سلطات الاحتلال الإسرائيلي في تهويد فلسطين والتضييق على أهلها العرب، مسلمين ومسيحيين، إلى حدّ الاقتلاع؛
- اتّجاه أحداث المنطقة العربية، لا سيما في سوريا والعراق، نحو مزيد من العنف الطائفي والمذهبي والعرقي، بما ينذر بتهديد إضافي وبالغ الخطورة للوجود المسيحي في الشرق.
وفي سياق دعوته للسلام والمحافظة على الوجود المسيحي في الأراضي المقدسة، شدّد البابا بنديكتوس على أن تكون الأماكن المقدّسة في فلسطين وجهةً دائمة ومفتوحة “لحجّ المؤمنين إليها بحرية وبدون تقييد، الأمر الذي يؤازر ويشجع الجماعات المسيحية على البقاء بأمانة وإقدام في هذه الأراضي المباركة”.
- في 24 أيار 2014، قام البابا فرنسيس الأول بزيارة الأراضي المقدّسة في فلسطين المحتلة، بصحبة كوكبةٍ من إخوته أحبار الكنائس الشرقية، فاستقبله أهلنا في فلسطين بالفرح والترحيب، بمن فيهم رئيس دولة فلسطين مع مفتي القدس والديار الفلسطينية. وقد اثارت تلك الزيارة في حينه لغطاً شديداً من قبل محور الممانعة الايراني- السوري وبعض أنصاره في لبنان وفلسطين، بذريعة مقاطعة إسرائيل، الأمر الذي حمل “التجمع الوطني المسيحي في القدس” على إصدار بيان، مما جاء فيه:” إن زيارة السجين ليست بحال من الأحوال تأييداً للسجان، … وإن مقاطعة القدس والمقدسيين، بذريعة مقاطعة الاحتلال، ما هي إلا موقف سلبي عقيم، يخدم مخططات الاحتلال التهويدية، عبر المشاركة في حصارها، وعزل أهلها، بصرف النظر عن تبريرات هذه المقاطعة ودوافعها، أكانت مجرّد مزايدات سياسية أو مواقف أيديولوجية“. إلى ذلك بادرت جمعيات أهلية لبنانية وفلسطينية، في إطار “منتدى الشرق للسلام”، إلى عقد ندوة حول الموضوع في بيروت وإصدار بيان بعنوان “معاً من أجل القدس”، مما جاء فيه:” إن هذه الزيارة المباركة، فضلاً عن كونها حجّاً يجسّد الارتباط الروحي الوثيق والدائم بجذور المسيحية والأماكن التي شهدت أحداث الخلاص، لهي دعم أكيد وعظيم الشأن لصمود أهلنا في الأراضي المحتلة، مسيحيين ومسلمين. فقداسة القدس لا تنفكُّ عن كرامة إنسانها وثباته على أرضه… ونقول للمعترضين: كفى ابتزازاً لقضيانا وأهلنا، بشعارات تزايد على جراح الشعب الفلسطيني، ولا ترضى له إلا بالنزف الدائم على خشبة الممانعة. وإنه لمن غير العروبي، وغير الإنساني، وغير الإسلامي، وغير المسيحي، وغير الأخلاقي، وغير الحقّاني، أن ينبري أحدٌ باسم هذه القيم ليقول للشعب الفلسطيني: أنا أحدّد لك مطالبك والطريق إليها!” وقد لاحظ البيان، بأسف شديد، “غياب دعوة إسلامية عربية صريحة لجميع المسلمين في العالم كي يحجّوا بصورة دائمة إلى إولى القبلتين وثالث الحرمين، من أجل أن تكون القدس مدينة مفتوحة لجميع المؤمنين، دون ترهيب سياسي أو أيديولوجي أو عنصري”.
- وفي خضمّ الأحداث الكارثية المتمادية منذ سنوات في منطقتنا العربي، والتي تهدّد الإنسان في وجوده وكرامته وحقوقه الأساسية جرّاء العنف الأعمى والإرهاب غير المسبوق، رحّبنا بـ” إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك” في ختام مؤتمر الأزهر للمسلمين والمسيحيين في العالم العربي (28 شباط – 1 آذار 2017) الذي تميز بمشاركة لبنانية وازنة، كما رحّبنا بنتائج مؤتمر الأزهر للسلام العالمي (28-29 نيسان 2017) الذي حضر جلسته الختامية وتحدث فيها قداسة البابا فرنسيس الأول، تمهيداً لعقد مؤتمر مسيحي – إسلامي عتيد في حاضرة الفاتيكان، على ما نرجو. وفي هذا السياق الإيجابي ذاته، سرّنا كثيراً دعوة القمة العربية الأخيرة في عمّان (آذار 2017) العواصم العربية إلى “التوأمة مع مدينة القدس، وكذلك دعوة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية العربية، التعليمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والصحية، للتوأمة مع المؤسسات المقدسية المماثلة، دعماً لمدينة القدس وتعزيزاً لصمود أهلها ومؤسساتها”.
-
تأسيساً على ما تقدّم ومتابعةً لمقاصده، نأمل مشاركتكم ونعوّل عليها، في ورشة العمل التي نقترح إقامتها في فندق “الغبريال” – الأشرفية، يوم الأحد 11 حزيران 2017 عند الساعة 11 صباحاً، تحت عنوان: