(تونس) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على المجلس الوطني التأسيسي في تونس تعديل فصول في مشروع الدستور تُمثل تهديدًا لحقوق الإنسان. قامت هيومن رايتس ووتش بتحليل مسودة الدستور لتحديد بواعث القلق المتعلقة بحقوق الإنسان.
ومن بين الفصول الأكثر إثارة للقلق عدم الاعتراف بكونية حقوق الإنسان إلا إذا كانت تنسجم مع “الخصوصيات الثقافية للشعب التونسي”، وعدم التأكيد على حرية الفكر والضمير، والصياغة الفضفاضة للقيود المسموح بفرضها على حرية التعبير. إضافة إلى ذلك، لا ينصّ مشروع الدستور بشكل واضح على أن اتفاقيات حقوق الإنسان التي انضمت إليها تونس مُلزمة للبلاد والسلطات.
وقال إريك غولدستين، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “يتعين على المجلس الوطني التأسيسي سدّ الثغرات الموجودة في مشروع الدستور التي قد تسمح للحكومة المقبلة بسحق المعارضة أو الحدّ من الحقوق الأساسية التي كافح من أجلها التونسيون”.
في 25 أبريل/نيسان قدّم المجلس نسخة ثالثة لمشروع الدستور، بعد أن ناقش وراجع نسختين سابقتين كان قد قدمهما في أغسطس/آب وديسمبر/كانون الأول 2012. ويُنتظر أن يشرع المجلس في التصويت على الدستور في مايو/أيار.
ورغم أن النسخة الأخيرة لمشروع الدستور تكفل العديد من الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتتضمن بعض التحسينات مقارنة بالمشاريع السابقة، إلا أن هيومن رايتس ووتش خلُصت إلى أن هذه النسخة أيضًا تحتوي على العديد من الفصول التي تتعارض مع التزامات تونس في مجال حقوق الإنسان من شأنها تقويض حماية هذه الحقوق.
ويخلق الفصل 21، الذي ينصّ على أن “المعاهدات الدولية الموافق عليها من قبل مجلس نواب الشعب ثم المصادق عليها أعلى درجة من القوانين وأدنى درجة من الدستور”، خطر استخدام الدستور لتجاوز الحماية التي توفرها بعض حقوق الإنسان الأساسية المنصوص عليها في الاتفاقيات التي انضمت إليها تونس، أو الحدّ منها.
من مبادئ القانون الدولي ضرورة أن يضمن كل بلد أن دستوره يتطابق مع الالتزامات التي قطعها تجاه المعاهدات الدولية. ويتعين على المجلس التأسيسي إدراج فصل في الدستور يعترف بأن حقوق الإنسان المكفولة في المعاهدات الدولية التي صادقت عليها تونس تنطبق بشكل مباشر أن تأويل الدستور والقانون سيتم بصورة مطابقة مع هذه الاتفاقيات.
ومن بين الأحكام الأخرى التي تبعث على القلق:
التوطئة التي تضع أسس الدستور على “مبادئ حقوق الإنسان الكونية بما ينسجم مع الخصوصيات الثقافية للشعب التونسي”. هذه الجملة قد ينتج عنها عدم التزام المُشرعين والقضاة بالمعايير العالمية للحقوق الأساسية.
الفصل 5 الذي ينصّ على أن “الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية” دون أن يتطرق إلى حرية الفكر والضمير، بما في ذلك تغيير دين بآخر أو الإلحاد. وستكون حقوق الإنسان محمية بشكل أفضل في وجود ضمانات صريحة لحرية الفكر والضمير.
عدم وجود تعريف دقيق للقيود التي يُمكن فرضها على حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، حيث تحدد العديد من الفصول في النسخة الثالثة لمسودة الدستور مجال حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات من خلال السماح للسلطة التشريعية بتمرير قوانين تحد من هذه الحقوق، دون تحديد واضح لهذه القيود.
وجود حُكم قانوني تمييزي ينص على أنه لا يحق لغير المسلم أن يُصبح رئيسًا للجمهورية. هذا الحكم يتعارض مع الفصل 6 الذي ينصّ على أن “المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز”. إضافة إلى ذلك، مازال مشروع الدستور يحدّ من المساواة أمام القانون لصالح المواطنين التونسيين.
وسوف يقوم المجلس بالتصويت على كل فصل بشكل منفصل بالأغلبية المُطلقة، كما تنص على ذلك قوانين المجلس. وبعد ذلك، يتعين عليه تمرير المشروع بأكمله في تصويت منفصل.
وإذا لم يحظ المشروع بموافقة أغلبية الثلثين، يتعين على لجنة الصياغة تقديم نسخة مُعدلة للمجلس. وإذا فشل هذا النص أيضًا في الحصول على موافقة أغلبية الثلثين، يتم بعد ذلك اللجوء إلى استفتاء وطني بأغلبية مُطلقة من الأصوات.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على المجلس الوطني التأسيسي إدخال تعديلات على المشروع الحالي للدستور لتدعيم حماية الحقوق وسدّ الثغرات الموجودة فيه.
وقال إريك غولدستين: “يتعين على المجلس التأسيسي الآن معالجة الأحكام القانونية المثيرة للقلق، قبل أن يُصبح الدستور أمرًا واقعًا. لقد قاد التونسيون المنطقة بأكملها للمطالبة بحقوقهم الأساسية، ويجب أن لا يُفرطوا فيها الآن”.