(أ) الفريضة
الفريضة لفظ ورد في القرآن الكريم 6 مرات بنصّه، وبتصريفاته: فرض وفرضنا وتفرضوا ومفروضا وفارضا 13 مرة، ومعناها الوجوب، أو الأوامر التى أوجبها الله، أو أمر بها. ولها إلى جوار ذلك معان أخرى، مثل التخصيص أو الضغط (على فرد ليعمل عملا أو ليقول قولا معينا). وأصل اللفظ من حزّ في العود حزّاً، أى أثبت فيه علامة (يراجع لسان العرب، المعجم الوسيط، المعجم العربي الاساسي، مادة: فرض).
في التوراه كان التعبير بلفظ الشريعة يقصد الطريقة، أما الأوامر التي سنهّا الله لبنى اسرائيل فكانت ترد بصيغة: كتب وتصريفات اللفظ، أو الوصايا وتصريفاته.
وفد ورد لفظ الشريعة في القرآن مرة واحدة بمعنى الطريقة (ثم جعلناك على شريعة من الأمر)، وورد لفظ كتَبَ 8 مرات، كما ورد بتصريفاته: كتبت وكتبنا وكتبناها وسأكتبها وأكتب عدّة مرات، أما لفظ كُتب فقد ورد 13 مرة. وجاء لفظ قضي 12 مرة، وقُضيَ 19 مرة.
وفي القرآن ترد أوامر الله إلى المؤمنين (المسملين) بلفظ فرض وتصريفاته، أو كتب وتصريفاته، أو قضي وتصريفاته، كما ترد بصور أخرى، لكن الفقه يري في كل ما يأمر به الله على المسلمين عبادة وفريضة، وانقسم الرأى عندهم في الفريضة، فهي فرض عين إن كان على كل فرد أن يلتزمها، وفرض كفاية إن كانت الأمة جميعاً تلتزمه، فإن أقامة بعضهم سقط عن الآخرين. وفيما ورد بمعني الفريضة، ثمت من يرى أنه قد يكون حكما مؤقتا، ففي القرآن على لسان إبليس (لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضاً) وقيل في تفسير ذلك أن المعني: نصيبا مؤقتا.
وهذا هو فهم المؤمنين (المسلمين) الأوائل لمعني لفظ الفريضة. فقد ورد في القرآن عن الصدقة، وهي غير الزكاة، فإن عُبَّر عنها بلفظ الزكاة قيل: الزكاة المفروضة، (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل، فريضة من الله والله عليم حكيم) سورة التوبة 9: 60. ومعنى الآية الواضح أن سهم المؤلفة قلوبهم من الصدقة – فريضة. والمؤلفة قلوبهم أناس من كبار العرب لم يؤمنوا بالله ورسوله، ففرض لهم القرآن نصيباً أو سهما من الصدقة كي يتألف قلوبهم، فلا يحاربوا الإسلام والمسلمين، وكان هذا السهم أو النّصيب يُعطي إليهم طول عهد النبي، وردحا من خلافة أبي بكر، إلا أن عمر ابن الخطاب رفض إعطاءهم ما عبّر عنه القرآن بلفظ الفريضة، وقال في ذلك: كان هذا عندما كان المؤمنون (المسلمون) ضعافا وفي حاجة إلى تأليف قلوب بعض الكفار باعطائهم أموالا، أما وقد قوى الاسلام فلم يعد من اللازم (المعبر عنه في الآية بلفظ الفريضة) أن يُعطي هؤلاء من أموال الصدقة.
وفي آية الحجاب الخاصة بأزواج النبى (يا أيها الذين آمنوا… إذا سألتموهن (اى نساء النبي) متاعا فأسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) سورة الأحزاب 33: 52. من هذه الآية التى رأي فيها البعض ضربا من التنظيم الاجتماعي المتعلق بزوجات النبي، خاصة وأنها لم تأت بصيغ التشريع المعهودة غالباً في القرآن وهي فرض وتصريفاتها، وكتب تصريفاتها، وقضي تصريفاتها، رأت عائشة زوج النبي أن هذا التنظيم كان مؤقتاً بعهد النبي. فلما واجهها بعض المؤمنين (المسلمين) عندما اشتركت بسفور في أعمال السياسة وفي قتال عليّ ابن ابي طالب، وقالوا لها: وماذا عن آية (وقرن في بيوتكن) وآية الحجاب المنوه عنها فيما سلف، قالت: إن ذلك كان على عهد النبي.
أى إن كلا من عمر ابن الخطاب وعائشة زوج النبي أدركا مبدأ وقتية الاحكام، أى قصر حكم معين على وقت بذاته، غير أنها لم يستطيعا التعبير عنه بلغة القانون، التي كانت العرب تفتقدها، فأشارا إليه بالمعني ولم يستعملا التعبير القانوني، الذي لم يكن بوسع العصر أو في استطاعة القائل إدراكه فهمْاً، والتعبير عنه نصا.
ومادامت الدراسة قد تعرضت في مسألة الفريضة إلى أمر الحجاب، فإنه يكون من حسن السياق أن تذكر (الدراسة) باقي الآيات التى تتعرض الى ما سماه البعض (الحجاب) وما رأى فيه فريضة.
فبصدد الخمار تقول الآية (قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولايبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن) سورة النور 14: 31. فالآية تدعوا المؤمنات إلى التعفف وعدم التبرج، وأن يبدين زينتهن الظاهرة دون أن تحدد المقصود بالزينة الظاهرة، وتركتها لكل عصر ليحددها أولى الأمر بما يتناسب مع مبدأ العفة وما يتوافق مع حسن الآداب. أما الضرب بالخمار على الجيوب فكان لتعديل عادة كانت فاشية آنذاك، إذ تلبس المرأة أو الفتاة غطاء على رأسها يتدلى منه خمار تلقيه وراء ظهرها، فيظهر صدرها باديا للرجال، وهو أمر يتنافي مع العفة وحسن الآداب، فرأى القرآن تعديله، بضرب الخمار على الجيوب، أى إلى الأمام بعد أن كان يضرب به إلى الخلف، لكنه لم يأمر بأن يكون الخمار تغطية للشعر، إذ يمكن أن يلف حول الرقبة، وضربه على الجيوب، فيتحقق حكم الآية.
وآية الجلابيب تقول نصا (يا أيها النبي قل لآزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) سورة الاحزاب 33: 59. وعلّة إدناء الجلابيب واضحة في النص، وهي أن تُعرف النساء، والفتيات المؤمنات فلا يتعرض لهن الشبان والرجال، أى إن القصد هو التمييز بين الأحرار والجوارى، بين العفيفات وغير العفيفات.
هذه الآيات لم يرد فيها لفظ يفيد معني التشريع الدائم الواجب على كل امرأة أو فتاة فرض عين في كل آن وكل مكان. فمما سلف يضح أن لايكون الحجاب (الساتر) إلا لنساء النبي وحدهن، وقد رأت عائشة أنه كان حكما مؤقتا بعهد النبي. أما الخمار فلم يرد هو الأخر بلفظ من ألفاظ التشريع أو ما يفيد الوجوب، وإنما كان لتعديل عادة حتي يتمشي ذلك مع ضرورة التحشم والاعتدال.
أما الجلباب فقد سلف بيان علة الحكم به، وقد ارتفعت العلة فانتهي الحكم. وإذ لم يعد يوجد في العصر الحالى ما يوجب التمييز بين الحرائر والإماء (العبيد) ولا بين العفيفات وغير العفيفات، فإن الحكم يكون قد زال بزوال سببه. والذي يقول إن الحجاب فريضة، إنما يخطئ مرتين (الأولى) حين يسمي الخمار حجابا، لأن الحجاب هو الساتر الذي كان يوضع بين نساء النبي وبين الرجال، وليس الخمار (والثانية) إذ يفرض فريضة من عنده، فيحرم حلالا، وهو أمر منهيُّ عنه، خاصة وأن الخمار يمكن أن يحيط بالرقبة ولا يغطي الشعر، كما سلف البيان.
إن الخمار فضيلة وليس فريضة، والمرأة حرة في أن تضع الخمار أو لا تضعه. ومن لا تضع الخمار وتكون عفة محتشمة فهى تساير مبادئ الإسلام ومن الخطأ الشديد أن تُهدّد بالكفر، ظلما لها وعدوانا على الدين. وفي بيان الفرق بين الفريضة والواجب، فإن الحنفية (أتباع أبي حنيفة) يمايزون بينهما، في حين أن الشافعية يرون أن الفريضة والواجب مترادفان.
(ب) الاجماع
الاجماع – في الفقه الإسلامي – هو اتفاق المجتهدين من المسلمين على أمر ديني، وهو يعد أصلا من أصول التشريع. وهو أحد مصادر أربعة تستمد منها الأحكام الفقهية، والتي يعبر عنها خطأ بالقول إنها أحكام شرعية. وثمت فارق كبير بين الاحكام الشرعية والاحكام الفقهية، فالشرعي هو مانزل من الله والفقهي هو ما صدر عن الناس.
ومصادر الاحكام – على ما حددها الشافعي (محمد ابن إدريس، 767-819) – هى القرآن، والسنة، والقياس، والإجماع. وفي تأييد الاجماع كمصدر للاحكام الفقهية (والتي تسمي خطأ بالشرعية) استند إلى الآية (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى) سورة النساء 4: 115، فكأنه افترض ان للكل سبيلا واحدا، هو الذي اهتدي به المسلمون جميعاً، وأن هذا الطريق ظاهر واضح لا خلاف عليه ولا تفرق فيه.. لكن الواقع غير ذلك سواء على الصعيد السياسي أو على السبيل الفقهي.
وبعيداً عن السياسة التى لم يحدث اجماع فيها للمسلمين قط، فإنه توجد في الفقه مذاهب كثيرة، أشهرها المالكي والحنفى والشافعي والحنبلى عند أهل السنة، والجعفري والزيدي والاسماعيلي عند الشيعة.
وقد رأى مالك أن الاجماع هو اجماع اهل المدينة، وتابعه في ذلك الشيعة الامامية (الجعفرية) والزيدية.ولم يسلّم الحنفية والشافعية الا بالاجماع الصريح والسكوتي، وأنكر أحمد ابن حنبل ما عدا اجماع الصحابة (وهو مالم يحدث!).
وفي العصر الحالى يردد بعض الوعاظ، الذين لا يعرفون ولا يعرفون أنهم لا يعرفون، قولاً بأن “الأمة أجمعت على كذا وكذا” وهو في الحقيقة دعاوى واتجاهات مما لم يرم إليه الاسلام المستقيم. ولكن هؤلاء الذين يزايدون بغير علم ويؤكدون دون فهم، لم يحددوا المقصود بالأمة، وهل هى الأمة العربية التي لا تزيد عن 20% من المسلمين في العالم، أم أنه يقصد الأمة الأسلامية عربا وعجما؛ وكيف كان هذا الاجماع ؛ وهل يُدرك معني الاجماع عند الفقهاء، وهل يعرف أنه لم يتحقق في السياسة أبداً، ولم يتحقق في الفقه قط، ولذلك فإنه من الشائع أن يقول المؤمنون (المسلمون) عن الفقهاء: إن اختلافهم رحمة، لأنه بوسع المؤمن المسلم أن يأخذ بالأسهل والأخف من كل فقيه. وفي ذلك نضرب مثلا واحدا، فأهل السنة يرفضون أن تكون ثمت وصية لوارث أخذا بما يقولون إنه حديث للنبي قال فيه (لا وصية لوراث) أى إن المورّث لا يجوز له أن يخص أحد الورثة بوصية. لكن القانون المصري أخذ مبدأ عند الشيعة بأنه تجوز الوصية لوارث، ونص على ذلك في القانون.
(جـ) الفتوى
الفتوى هي بيان الحكم الشرعى لمن يريد معرفته. واشْتُرط للمفتي أن يكون عالما مخلصا حسن النيه، وأن يعرف فقه الافتاء، ونفسية المستفتِي، والجماعة التي يعيش فيها، وأثر الفتوى في الناس، وبالاجمال أن يراعى ظروف المجتمعات المتغيرة. وقد ورد لفظ يفتيكم، أى يصدر لكم الفتوى، في القرآن منسوبا إلى الله (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن) سورة النساء 4: 127، (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) 4: 176. وعندما يفتي الله فإنه يبين ويفصّل حكما دينيا، يستفتي فيه المؤمنون (المسلمون) النبي، في وقته، أى أيام كان حيا يعيش بينهم. وصارت الفتيا بعد وفاة النبي لأعلم المسلمين وأورعهم واتقاهم. وكان رقاق القلب دقاق النفس يخشون أن يتصدروا للناس بالفتيا أو القضاء، وقد رفض أبو حنيفة النعمان – على علمه ووقاره – ولاية القضاء، حتي ضُرب في ذلك، فأصر على الرفض.
ولما ساء الناس ساء أمر المفتين، فكانوا يلحون في طلبها للارتشاء أو لمجاملة أصحاب المكانة أو المال أو لتأييد السطان في كل ما يريد، وبذلك صارت بعض الفتاوى تحل حراما وتحرم حلالا، ولم يعد الأصل فيها بيان وجه الرأى الديني، ولكن تبرير فعل من يملك السلطة أو النفوذ أو المال. ولذلك كان الفقهاء يقررون أنه يجب الحجر على المفتي الماجن، وهو – على ما شرحوا – هذا الذي يتّبع شواذ الفتيا، أو يعلم الناس الحيل للتخلص من الاحكام الشرعية، وإفسادهم للدّين.
في السلطنة العثمانية نشأت وظيفة المفتي الأعظم. ذلك أنهم كانوا قد استولوا على القسطنطينية (والتي كان اسمها بيزنطه وصار اسمها اسلام بول أو اسطانبول) عام 1451 في عهد السلطان محمد، الذي لُقب بالفاتح جراء ذلك. والسلطان محمد هذا من سلاطين آل عثمان ، وهم من المغول والتتار الذين نسبوا أنفسهم إلى اللغة التي يتكلمون بها، وهي التركية (من الفصيلة الأتراكية) ليختفوا تحت اسم الاتراك من أصولهم المغولية والتتارية، التي كانت ذات وقع سئ في أسماع الناس على زمانهم. وقد استمر هؤلاء الترك، بعد أن استولوا بالحروب المتوالية على البلاد العربية وبعض البلاد الاسلامية، يصرون على التحادث بلغتهم التركية، فلم يتعلموا العربية (لغة القرآن) ولم يتكلموا بها، حتي كلغة ثانية. وإذ كان من مقتضي ذلك أن كانوا معزولين عن القرآن محجوبين عن الاسلام، ما داموا لا يعرفون لغة القرآن، التي دُون بها الفقه، فإنهم بعد فتح القسطنطينية، وتأثرا بالنظام المسيحي الكنسى، أنشأوا منصبا سموه “المفتى الأعظم” كان يفتي بدلا من الترك جميعا، سلاطين ومحكومين، وكانت فتواه ملزمة. وقد انحرف بعض هؤلاء المفتين فأفتوا للسطان بحقه في اغتيال جميع اخوته، حتي يستتب الامن في السلطنة، ولا ينازع السلطان أحد من اخوته. كما أنهم أفتوا بوضع اخوة السلطان في حجرات مغلقة فسُمّوا بذلك أمراء القفص.
في العصر الحالى يتصدر للفتيا كل من “هبّ ودبّ”، ولا يسأله أحد عن مؤهله في الفتوى وتخصصه فيها، ما دامت توافق الهوى وتحلل الحرام من القتل أو السرقة أو ترويع الناس. ولابد لاصلاح الفكر الاسلامي، وتجديد الخطاب الديني، من تنظيم الفتاوى، ووضع قواعد للإفتاء، وتحديد نصْب وتعيين اى مفتٍ، حتى لا يكون الاسلام “سداحا مداحاً” لأى جاهل أو مدعً أو مفسد في الارض.
saidAlAshmawy@hotmail.com
دستور الاسلام المستنير (19)
دستور يا أسيادنا.
دستور الاسلام المستنير (19)
اذا كان احترام الانسان وخصوصياته تنص عليها البنود العالمية لحقوق الانسان واذا كان احترام الانسان مهما كان دينه واعتقاده ولونه وجنسه وقوميته واجب وخيار فخياري هو ان احترم الملحد والعلماني اكثر من المسلم المبتلي بدينه الجاهلي الالغائي وريث التخلف عبر العصور …..
ابن النهرين