نظّمت مؤسسة عصام فارس طاولة مستديرة حول الثورة السورية، طرحت من خلالها مجموعة من التساؤلات، هنا الاجابة على غالبيتها:
1- هل من عِبرَ من الحرب اللبنانية يمكن أن يستفيد منها السوريون؟
ـ يفترض هذا السؤال أن ما تشهده سوريا اليوم هو حرب اهلية.
والحال، ان أوجه الشبه بين الحرب الأهلية اللبنانية وبين الثورة السورية تقتصر، حتى هذه اللحظة، على التقاطع بين العاملين، الداخلي والخارجي. في الشق الداخلي السوري، هناك أزمة نظام بعلاقته مع شعب يطالب بإسقاطه، وهناك قوى دولية وإقليمية موزّعة بين داعم لهذا الشعب، وبين قوى أخرى تساند النظام. ولكل من هذه القوى المختلفة مشروعها السياسي الخاص. لبنان خلال حربه الأهلية لم يكن مختلفاً: أطراف محلية تتقاتل، والى جانب كل منها دولة أو دول.
هنا يتوقف وجه الشبه بين الثورة السورية والحرب الأهلية اللبنانية: بعد ذلك، تختلفان. الحرب اللبنانية كانت منذ بدايتها مسلحة. الطرفان تهيأ لها بالتدريب والتسليح. قبل اندلاعها كان واضحا ان طرفيها الأهليَين، المطعمَين بعناصر غير لبنانية، يستهدفان بعضهما البعض. وكان واضحا أيضا لهذين الطرفين مَنْ هي الجهات الاقليمية والدولية الواقفة مع هذا أو ذاك منهما. الحرب الاهلية اللبنانية اندلعت بين أطراف أهلية مسلحة وطائفية، عموماً، واستمرت على نحو تصاعدي، حتى نهايتها المزعومة، منذ 22 عاماً. الثورة السورية تهيأت على قاعدة العداء الشعبي للنظام، ومارست بروح عالية من التضحية بالنفس تظاهرات سلمية، كانت تواجَه بالرصاص الحيّ والدبابات. تخللتها أعمال طائفية، وشبه حياد لطوائف بعينها، فضلا عن إنحياز غالبية أقليتها الطائفية الحاكمة ضد الثورة، وثأرات طائفية هنا وهناك. ولكنها لم تتعسكر، ولم يحمل روادها السلاح، إلا عندما صار استمرار النظام بالقتل المنهجي لمعارضيه السلميين نوعاً من الانتحار الأهلي. ما نشهده في هذه اللحظة هو حرب بين طرفين: جيش منشق ومجموعة مستقلة وأخرى مدنية حملت السلاح في نهاية مطاف بدا حتمية من جهة، وبين قوات النظام العسكرية من جهة أخرى.
ليس هناك شيء يعلّمه اللبنانيون للسوريين في ما يخص حربهم الأهلية، ولا من دروس، طالما انهم، هم أنفسهم، أي اللبنانيين، لم يتعلموا. فقد ختموا حربهم عام 1990، وحتى هذه اللحظة، وبعد كل الدمار الذي نال من عيشهم وشبابهم وشيبهم… هم الآن اكثر إنقساما، أكثر تذرراً، مما كانوا عندما شرعوا بالتقاتل في سبعينات القرن الماضي. السؤال الجدير بالتأمل، مع الثورة الجارية في سوريا هو: كيف يحصل ان شعبا بهذا «الذكاء» وهذه الطاقات الابداعية، لا يتعلم شيئا من حرب أهلية ركعته ارضا، وهو ما زال يمعن بكل اشكال وأصناف الإنقسام الطائفي المذهبي؟ هل من معنى للذكاء في هذه الحالة؟ أو للتجربة؟
عندما يسترشد المحللون بعبارة «لبْننة» للإشارة الى التقاتل الأخوي البغيض بين أبناء وطن واحد… ألا تتورّد وجنتي اللبنانيين خجلا من هذا «الذكاء»؟
ما يجب على اللبنانيين تعلمه من الثورة السورية، متسلحين بشيء من التواضع، هو كيفية تجهيز أنفسهم لانهيار النظام السوري، باني كل التوازنات السياسية والأمنية والاقتصادية في بلدهم. هم الآن يتخندقون وراء طوائفهم ومذاهبهم، بين منتشٍ ومذعور. يتفاعلون مع الثورة بغرائزهم الطائفية، غير قادرين على النظر الى أفقها، أو أبعد منها. وهذه ليست جهوزية يعتدّ بها لبنان، وهو الأول من بين بلدان المنطقة الذي سوف تصيبه ارتدادات الزلزال السوري، أكثر مما تصيب غيره؛ هو الأول من بين البلدان العربية الذي مارس أوجهاً من التعددية والديموقراطية.
2- كيف يمكن إقناع الفريقين بأن التسويات السلمية هي أفضل من استمرار النزاع وأقل كلفة؟
ـ النظام لم يترك مجالا لأي تسوية سلمية. ولكن، هل كان يمكن ان يفسح المجال لها من دون سقوطه المدوي السريع؟ بل من دون الظهور كمن يسقط نفسه بيديه؟ حسنا، الشعب الذي ثار ضد النظام، هل كان يمكن له ان يتوقف ويعود ليسلم رقبته لجلاده، من دون ان يذبح ذبحة أهل حماه، عام 1982؟
كغيرها من الثورات العربية، وخلافا لما يدعيه النظام من انها مجرد «مؤامرة»، الثورة السورية أشبه بالعوامل الطبيعية الجبارة التي لا يستطيع الانسان وقفها ولا تجنبها، والتي تملي على النظام الانخراط بالصراع معها، حفاظا على وجوده. لذلك فان الأمر لم يَعُد مجرّد «إقناع»، مع كل الاهمية التي ترتديها البعثات السلمية، المكلفة بايجاد اطار تصاغ به موازين القوى بين الطرفين. انما الامر صار صراعا من اجل الوجود. هذا ما يجعل أصحاب أكبر الأدوار في الثورة السورية، هم أيضا، تفاجئهم مجرياتها، الكبيرة منها والدقيقة، تطرح عليهم مهمات أو تمرينات جديدة، طرق مبتكرة، آفاقاً أخرى غير تلك التي اعتادوا عليها… دواعي التسوية السلمية واردة في كل حين، لأنها تحدّ من الخسائر البشرية والمادية؛ وإقناع العاملين على تحسين شروطهم فيها يستوجب خيالا آخر، يتقاطع مع الخيال الجديد الذي ولّدته الثورة. ولكن مسار الثورة الجيولوجي هو نحو الجذرية؛ ذلك ان الديكتاتور، كما تقول حوليات التاريخ، هو إما حاكم مطلق، أو حاكم ميت…
3- ما هي أثمان التدخل الخارجي وتداعياته؟
ـ لحظة خارج الموضوع المباشر: فرقة غناء روسية مؤلفة من ثلاث شابات، غنّت في احدى الكنائس للعذراء مريم لكي تخلصها من فلاديمر بوتين ، رئيس روسيا. قبضت السلطات على الشابات ووجهت اليهن المحكمة تهماً شتى، فكان الحكم عليهن بالسجن ثلاث سنوات. احدى المتهمات اعلنت عن قرارها برفع هذه القضية الى المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان. دولة روسيا العظيمة، سوف يتدخل بشؤونها الغرب، عبر هذه الثغرة، وثغرات اخرى شبيهة تطفو على خشبة المسرح الروسي، وكلها فيها خرق واضح لما يدّعيه النظام الروسي من انتخابات وديموقراطية وحقوق إنسان. من يلام في هذه الحالة؟ الغرب الذي اوجد، أو سوف يجد في هذه الثغرة، كغيره من دول العالم، الكبيرة منها والمتوسطة، مجالا للتأثير السلبي على احدى دول العالم المتصدية له؟ أم سلطات هذه البلاد عينها التي لم تحم نفسها إذ لم تجد غضاضة في خرق ما تعهدت هي به من احترام لحرية التعبير والابداع الخ؟
التدخل الخارجي دعما للثورة السورية، يأتي من هذا الباب، هو ايضا. تدخل، لم تكن قوى الثورة هي البادئة به، على كل حال، بالرغم من الدعاية والاعلام، إنما النظام نفسه، الذي اقام كل خطوط سيطرته على شعبه عبر تشبيك خيوط اقليمية بالدولية. لم يبنِ دولة وطنية، بل دولة فوق وطنية، يسيطر فيها الخارج على مصير شعبه المنتفض، ويساهم في قتله بالادوات العسكرية والديبلوماسية.
فضلا عن ذلك، فان الثورات كلها تعرّض فضاءها السياسي لفراغات تمليها أطراف تملك فائضاً من القوة؛ وهذه الأطراف ليست خارجية فحسب؛ انها داخلية ايضا. انظر فقط الى عدد الوجوه الجديدة التي عرفناها بعد الثورة، بالقياس الى الوجه الواحد الذي لم نكن نرى غيره قبلها.
ولكن، الثورات بينت ايضا بأن السيادة الوطنية في الدول العربية هي ربما الأضعف من بين دول العالم، وبأنها تحتاج الى اعادة تعريف. لماذا؟ لأن هذه الدول بالأصل غير فاعلة في المنظومة العالمية، اللهم بالموقع الاستراتيجي الذي منحتها اياها الجغرافيا. التدخل الخارجي قائم مع ثورة ومن دون ثورة؛ هذه الاخيرة تظهّره فحسب، تضاعفه، تكثفه. والمؤكد ان مرحلة ما بعد الثورة البعيدة ستكون مرحلة إعادة السيادة، عبر إعادة بناء الدول. فقد بيّنت الثورات، أيضاً وأيضاً، إن ما بني قبلها لم يكن استقلالا وطنيا، كان نقضا وطنيا لما تعهدت به السلطات التي قامت شرعيتها على الاستقلال الوطني. وأفضل جلاء لهذه الفكرة أثناء الثورة كان تغيير العلم السوري، واعتماد علم ما قبله، العائد الى مرحلة الاستقلال.
4- أي أفكار لتهدئة الهواجس المذهبية والإثنية؟
ـ اذا كان المسيحيون مندرجون ضمن الصفة «المذهبية»، فحسناً. واذا كانوا غير مندرجين، فنضيف الى السؤال صفة «الطائفية«.
بعد ذلك، فلا بد من ملاحظة تسرّب خطاب «التطمين» الى اللسان العربي. والقصد المعلن حينا والمضمر حينا آخر، هو التطمين من صعود الاسلام السياسي الى السلطة بعد الثورات؛ من انتهاكاتهم المحتملة أو الجارية لحقوق ابناء الطوائف الدينية، المسيحية أو غير السنية، على يد هؤلاء الصاعدين الى السلطة. طرفان تبنيا هذا الخطاب: أطراف الاسلام السياسي نفسه، تمويها في غالبية الاحيان، ثم المعادون للثورات، خصوصا السورية منها، الذين يتذرعون بالخطر الاصولي الآتي معها.
خارج هذه الوظيفة فان التطمين ليس بالمطلوب الآن؛ بل اليقظة والنقد. ذلك ان الخطر الأصولي على الاقليات مؤكد في الدول التي اسقطت رأس نظامها، وأكثر من مرجح في تلك التي في طريقها الى هذا الإسقاط. دعم الثورة السورية والحذر والانتباه من معالم موجة اسلامية قد تكون عاتية، هما من تلازمات كل ديموقراطي نقدي. حتى الآن، الحذر ضعيف والاستثمار السياسي على أشده، بفعل احتدام الصراع، وتغذية مقوماته من قبل النظام. الأطر الطائفية اللبنانية ليست افضل ما يحتضن هكذا مسؤولية، بذهينتها وتلويناتها وانغلاقاتها وتلاعباتها وكراهياتها السياسية، انما فكرة المواطنة، النظيفة من فساد صميمي تطبّعت به على امتداد عقود بحيلها.
[ورقة قُدمت في طاولة مستديرة نظمتها مؤسسة عصام فارس في 13 آب 2012.
dalal.elbizri@gmail.com
كاتبة لبنانية
نوافذ المستقبل
دروس لبنانية للثورة السورية أم دروس سورية للمعضلة اللبنانية؟ يقول الشاعرالمتنبي:عيـد بأية حال عـدت يا عيـد بـما مضى أم بأمر فيك تـجديد.ان هدية النظام السوري الدموي الشبيحي ليوم عيد الفطرللشعب السوري العظيم المطالب سلميا بالحرية والديمقراطية وانهاء الاستبداد والفساد وانهاء عبادة الفرد بقتل 175 بريء بواسطة الطائرات الحربية والمدفعية والدبابات.فكل عام وانتم بخير وان شاء الله العيد القادم يكون الشعب السوري محرر من النظام السوري الارهابي السرطاني الخبيث ويكون رئيس الشبيحة بشار الاسد السفاح ونظامه في محكمة الجنايات الدولية. والكل يقول للطاغية بشار الاسد السفاح ارحل انت ونظامك المجرم قبل فوات الاوان وكفى مجازر يضاف لما ذكرت ان مصلحة الدب… قراءة المزيد ..
دروس لبنانية للثورة السورية أم دروس سورية للمعضلة اللبنانية؟ Regarding the Revolution in Syria, we can not yet predict, how the political and military situation would settle down. In connection to the Lebanese, and the Lessons that the great Lady want them to LEARN, they DID. The Majority of the Lebanese had Learnt the Lessons of destruction by the a WAR was not theirs. Truly was Palestinian-Syrian WAR on the Lebanese Soil. The last war the Lebanese had was 1860, and they learned the Lessons for over 150 years, until The Monsters of the Syrian Regime and the Monsters of… قراءة المزيد ..