«حزب الله» سيتفوق بقدراته على “القوات المسلحة اللبنانية”، التي هي بالأساس أضعف منه من ناحية الخبرة القتالية والأسلحة. ويشكل قلب ميزان القوى لصالح «حزب الله» على نحو أكبر احتمالاً خطراً نظراً لانعدام الاستقرار والتوتر الحزبي السائدين في لبنان
العميد موني كاتس و نداف بولاك
للمرة الأولى في التاريخ، يخوض «حزب الله» حرب المناورات الهجومية كجزء من عملياته في سوريا. ويساهم التدخل الروسي في تعزيز هذه التجربة، فيعطي بذلك للحزب على الأرجح دروساً هامة للنزاعات المقبلة.
وحتى الآن، لطالما اتبع «حزب الله» استراتيجية دفاع واستنزاف في أعمال القتال ضد عدوه الأساسي إسرائيل، وهي مقاربة اعتبرها عدة ضباط رفيعي المستوى في «جيش الدفاع الإسرائيلي» “غير خاسرة”. وعلى ضوء العناصر القتالية والميزات التكنولوجية المتوفرة لدى إسرائيل، ركزت هذه الاستراتيجية على تمديد فترة القتال إلى أقصى حد، مبقيةً على الاستنزاف في الساحة الداخلية عبر إطلاق صواريخ على المراكز السكنية الإسرائيلية وزيادة تكاليف المناورات البرية التي يقوم بها «جيش الدفاع الإسرائيلي» في جنوب لبنان. وقد أظهر «حزب الله» هذه المقاربة الدفاعية خلال حرب عام 2006 عندما أخفى صواريخ ومقاتلين في شبكات معقدة من التحصينات السرية تحت الأرض ومناطق ذات كثافة نباتية أطلق عليها ضباط إسرائيليون تسمية “المحميات الطبيعية”. واعتقد الحزب أنه طالما لم ينهار، يمكنه أن يدعي أنه قد صمد في حرب ضد «جيش الدفاع الإسرائيلي» المدجج بالسلاح، الأمر الذي اعتبره الحزب انتصاراً بالفعل. إلا أن الحرب السورية غيرت هذا النموذج الدفاعي.
تجربة جديدة، استراتيجية جديدة
في سوريا، اضطر «حزب الله» إلى تغيير أهدافه الأساسية لتصبح الاستيلاء على الأراضي وإبقاء السيطرة عليها، وفي الوقت نفسه محاربة القوات شبه التقليدية التي تستخدم تكتيكات [حرب] العصابات. وفي وجه «جيش الدفاع الإسرائيلي»، كان الحزب معتاداً على القتال ضمن وحدات صغيرة على أراضٍ معهودة، بيد أنه ينشر اليوم مئات المقاتلين في عمليات هجومية معقدة على أراضٍ غير معهودة. وبالنسبة إلى قادة «حزب الله» ومقاتليه، يمكن أن تغير هذه التجربة آراءهم حول الطريقة الأكثر فعالية للفوز في معركة، ويفترض انخراط روسيا بالحرب في سوريا أن «حزب الله» يتعلم هذه الدروس من أحد أفضل الجيوش في العالم.
منذ البداية، اعتمدت روسيا على القوات السورية والإيرانية و «حزب الله» وقوات شيعية أخرى لإنجاز المهمة على الأرض. ونظراً للطابع المعقد للحملة ولرغبة موسكو بتجنب تصورات الفشل، تحافظ القوات الروسية على الأرجح على تعاون وثيق جداً مع شركائها للتأكد من أنهم يقومون بتنفيذ مهامهم. وتشير التقارير إلى أنه تم إنشاء غرف عمليات مشتركة بين «حزب الله» وروسيا في اللاذقية ودمشق، بينما ساعد «حزب الله» وعناصر إيرانية على ما يبدو على استرجاع طيار روسي كانت قد سقطت طائرته في تشرين الثاني/نوفمبر. وما تزال موسكو مترددة كما يبدو حول زيادة عدد القوات البرية المشاركة في القتال بشكل ملحوظ، وبالتالي يجب عليها أن تعزز هذا التنسيق أكثر فأكثر.
تخطيط حملة عسكرية وتنفيذها
على المستوى الكلي، سيطّلع «حزب الله» على الفكر العسكري الروسي، الذي يتضمن مفاهيم تشغيلية متطورة ومهارات متقدمة من ناحية التخطيط العسكري. فالجيش الروسي يملك خبرة واسعة في ما يتعلق بإنجاز أنواع مختلفة من العمليات، بما فيها حملات مكافحة التمرد وحملات تقليدية. لنفترض مثلاً هذا السيناريو: يجتمع قائد روسي بقادة من «حزب الله» وقادة إيرانيين وسوريين ويعرض الاستراتيجية العسكرية للحملة السورية. كما يتكلم عن الأهداف والإطار الزمني المناسب لبلوغ هذه الأهداف وعن أولويات القتال. ومن ثم يشدد على الأدوات التي يمكن أن تكون مفيدة في المعركة، وربما يقدم دروساً هامة مستخلصة من عمليات سابقة مثل حملة مكافحة التمرد في الشيشان. وبالنسبة لـ «حزب الله»، ستكون هذه المرة الأولى التي بإمكانه أن يراقب ويتتبع كيف يقوم جيش من الصف الأول بالتخطيط لحملة قتال.
وتحصل عمليات التعلم المماثلة في كافة الأوقات. على سبيل المثال، إن تجربة سوريا كجزء من الائتلاف الأمريكي خلال “عملية عاصفة الصحراء” عام 1991 قلبت استراتيجية الحرب الخاصة بها رأساً على عقب. فبعد أن شهد الجيش السوري مباشرةً آثار المعركة البرية-الجوية الأمريكية وفعالية الذخائر “الموجهة بدقة”، استخلص الجيش السوري بشكل صحيح بأن إسرائيل يمكن أن تستخدم جزءاً من الذخائر والتكتيكات ذاتها. وبناءً على ذلك، حوّل النظام تركيزه من التفكير بكيفية الاستيلاء على هضبة الجولان إلى استراتيجية أكثر دفاعية تضمنت إعادة هيكلة بعض الوحدات واكتساب/تطوير قدرات متعددة فيما يتعلق بالأسلحة المضادة للدبابات والقوة النارية والعبوات الناسفة اليدوية الصنع.
بالإضافة إلى ذلك، عندما يخطط اللاعبون لحملة عسكرية مشتركة تتضمن هجمات جوية وبرية متزامنة، يتشاركون عادةً المعلومات الاستخباراتية مع بعضهم البعض، ولا تُستثنى الحرب الحالية من ذلك. فالروس تشاركوا على الأرجح معلومات استخباراتية حول أرض المعركة مع «حزب الله» في سوريا وعرّفوا الحزب على أدواتهم الاستخباراتية. وليست هذه المرة الأولى التي يقومون فيها بذلك. فخلال حرب لبنان عام 2006، قام مركز استخباراتي سوري-روسي مشترك في الأراضي السورية بتزويد «حزب الله» بتقارير استخباراتية.
وعلى نطاق أوسع، يطّلع الحزب على الأرجح عن كثب على كيفية قيام المحللين الروس بجمع استخبارات الإشارات واستخبارات بصرية واستخبارات المصادر المفتوحة لتقديم صورة أوضح عن العدو وأرض المعركة. ويتضمن ذلك على الأرجح استخدام الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية وتصوير جوي من الطائرات بدون طيار من طراز “Orlan-10” وقدرات متطورة متعلقة باستخبارات الإشارات وعناصر الحرب الإلكترونية. وتعتبر هذه الملاحظات ذات قيمة خاصة بالنسبة إلى «حزب الله» كونه لا يملك خبرة كبيرة في جمع أقصى قدر من الاستخبارات البصرية انطلاقاً من الطائرات بدون طيار وفي إدراجها ضمن استخبارات أخرى.
كما أن العمل مع الروس سيساعد الحزب أيضاً على تعلم كيفية تنفيذ عمليات هجومية معقدة في البيئات الحضرية. ففي النزاعات السابقة، كانت تكتيكات «حزب الله» تركز على حرب العصابات وكانت الوحدات الصغيرة مكلفة بالدفاع عن قراها أو إعاقة تحركات «جيش الدفاع الإسرائيلي». ولا تنطبق هذه المقاربة على عدة معارك في سوريا، حيث اضطر «حزب الله» في معظم الأحيان إلى نشر وحدات أكبر بكثير في العمليات الهجومية بالتزامن مع المدفعية وعناصر الطاقة الجوية. وتملك القوات الروسية خبرة واسعة في حرب المدن، وبالتالي يمكنها على الأرجح أن تزود الحزب بعدة معلومات مفيدة، بما فيها كيفية تنظيم بنية فعالة للقيادة والتحكم، وكيفية اختيار أسلحة مختلفة لسيناريوهات مختلفة، وكيفية خلق أهداف إضافية بعد الدخول إلى أرض المعركة، وكيفية المحافظة على الطرق اللوجستية.
وفي الشيشان مثلاً، شكّل الروس وحدات عسكرية مكنّاة “العاصفة” مؤلفة من قناصين، وجنود مزودين بأسلحة أوتوماتيكية، ومراقبين أماميين، وعناصر استطلاع، وهي مقاربة تهدف إلى إتاحة أقصى درجات التحرك والمرونة. كما استخدموا عدداً من قاذفات الصواريخ (مثل قاذفة الصواريخ المتعددة المتحركة التي تحتوي على الباريوم الحراري من طراز “TOS-1” وقاذفة الصواريخ المحمولة “RPO-A Shmel“) بينما كانوا يقومون بمناورات داخل غروزني، عاصمة الشيشان، مما يُظهر تنسيقاً جيداً بين العناصر المختلفة. ومن خلال مناقشة هذه التكتيكات مع قادة روس مخضرمين، يمكن أن يطّلع «حزب الله» بوضوح على كيفية تنظيم قواته وفقاً للمهام على النحو الملائم، والتنسيق بين عناصر متفرقة على أرض المعركة بشكل فعال، وقضايا أخرى، مما يعود بفائدة كبرى على الحزب بالرغم من قلة تدريبه وتجهيزه بالمقارنة مع القوات الروسية.
تحضير للصراعات المستقبلية
عندما يخوض القادة العسكريون حملة طويلة وصعبة، تتجه أفكارهم لا محالة نحو النزاعات المستقبلية المحتملة. وغالباً ما يعني ذلك ترجمة العبر المستخلصة إلى استراتيجيات وتكتيكات جديدة، بالإضافة إلى مقاربات جديدة فيما يتعلق بالمشتريات والتدريبات العسكرية. وليس هناك شك بأن قادة «حزب الله» في سوريا يفكرون بالفعل في مثل هذه القضايا، ويمكن أن يؤثر القتال إلى جانب الروس إلى حد كبير على العبر التي يستخلصونها.
وعلى المستوى الاستراتيجي، يبدو أن الحزب قد تخلى عن مقاربة “عدم الخسارة” وأخذ يركز عوضاً عن ذلك على طرق تحقيق الانتصارات المرتقبة في مراحل مبكرة من نزاع معين. على سبيل المثال، أفاد الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله عام 2011 أن قواته تخطط لاختراق الحدود الشمالية لإسرائيل خلال الحرب المقبلة بهدف الاستيلاء على مستوطنات في الجليل، ومنذ ذلك الحين، أعرب مراراً عن هذه المشاعر. ويشكل ذلك ابتعاداً واضحاً عن النموذج الدفاعي التقليدي للحزب، كما أن المحادثات مع القادة الروس يمكن أن تدعم هذا التحوّل وتساعد «حزب الله» على مواصلة تطوير استراتيجياته الهجومية.
وعلى المستوى التكتيكي، يشغل «حزب الله» حالياً مقعداً في الصفوف الأمامية يتيح له مراقبة مختلف نظم الأسلحة والمعدات التي يستخدمها الروس في سوريا، والتي لم يسبق للحزب أن رأى بعضها من قبل. وبالتالي، يمكن أن يتعلم «حزب الله» كيفية استخدام أسلحته الحالية (بعضها روسية الصنع) على نحو أكثر فعالية ويدرس النظم التي قد يرغب بشرائها في المستقبل. على سبيل المثال، أشارت تقارير مؤخراً إلى أن «حزب الله» قد حصل على صواريخ أرض-جو من طراز “SA-22“. وقد جلبت روسيا النظام ذاته إلى سوريا. فإذا ما استُخدمت هذه الأسلحة تحت إشراف غرف العمليات المشتركة، يمكن لعناصر «حزب الله» أن يكوّنوا فكرة أوضح عن كيفية تشغيل رادار النظام والتعامل مع أهداف متعددة في الوقت نفسه. وكذلك، سيرون كيف تستخدم القوات البرية الروسية نظم الصواريخ على غرار “TOS-1” و “RPO-A Shmel“، التي سبق أن شوهدت في سوريا وقد تبدو مفيدة للحزب في حرب مستقبلية مع إسرائيل. حتى أن الخبرة المكتسبة من استخدام نسخ روسية متفوقة من المعدات الأساسية، بما فيها نظارات الرؤية الليلية والبزات التكتيكية والمستلزمات الطبية، قد تكون حاسمة.
انعكاسات إقليمية
مضى حوالي ثلاثة أشهر على بدء موسكو حملتها في سوريا، الأمر الذي يشير إلى التزامها القوي بالإبقاء على نظام الأسد. وبما أن روسيا و «حزب الله» لن ينسحبا في القريب العاجل، سيستمر الحزب في استخلاص الدروس. فضلاً عن ذلك، تُفيد بعض التقارير أن روسيا في صدد تكثيف وجودها العسكري، (انظر المرصد السياسي 2531، “تكلفة الحملة العسكرية الجوّية التي تشنها روسيا”)،وبالتالي قد يتسنى لـ «حزب الله» تعلم دروس إضافية.
وقد أظهر التاريخ الحديث أيضاً أنه مهما كانت الدروس المستخلصة من قبل «حزب الله»، فإن شركائه في الجريمة سرعان ما سيحذون حذوه. فقد درست عدة تنظيمات إرهابية تكتيكات الحزب العسكرية ونفذتها، وفي بعض الحالات، قام «حزب الله» حتى بإرسال مدربين لمساعدة بعض وكلائه على تطوير قدراتهم. مثلاً، نفذت ميليشيات شيعية مدربة من قبل «حزب الله» تكتيكات مماثلة ضد الجنود الأمريكيين في العراق قبل الانسحاب الأمريكي (انظر المرصد السياسي 2277، “«حزب الله» اللبناني في العراق: القليل من المساعدة قد تنفع كثيراً”). ووفقاً لبعض التقارير، أقدم قادة مخضرمون رفيعو المستوى من «حزب الله» على تدريب القوات الحوثية في اليمن، التي تُظهر اليوم قدرات هائلة في معركتها ضد التحالف العربي. وفي غزة، تنفذ تنظيمات إرهابية على غرار «حماس» و «حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين» منذ وقت طويل استراتيجيات «حزب الله» في المجالين السياسي والعسكري.
وعلاوةً على ذلك، بما أن «حزب الله» يستخلص دروساً من الروس، سيتفوق بقدراته على “القوات المسلحة اللبنانية”، التي هي بالأساس أضعف منه من ناحية الخبرة القتالية والأسلحة. ويشكل قلب ميزان القوى لصالح «حزب الله» على نحو أكبر احتمالاً خطراً نظراً لانعدام الاستقرار والتوتر الحزبي السائدين في لبنان.
وفيما يتعلق بإسرائيل، تجدر الإشارة إلى أنه في حين يكتسب «حزب الله» خبرة قيّمة في سوريا، فإن الأعداء الذين يواجههم هناك أضعف بكثير من «جيش الدفاع الإسرائيلي». صحيح أن «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية» وفصائل ثوار متعددة تملك كلها نقاط قوة خاصة بها، إلا أنها لا تفرض التحديات ذاتها التي تفرضها حرب ضد مؤسسة عسكرية مدربة جيداً وتملك قوات جوية وبحرية وجيشاً ذات قدرات عالية، وجميعهاعلى معرفة وثيقة بـ«حزب الله». وسيستخلص «حزب الله» دروساً هامة ولكنه سيجد صعوبة بالغة في تطبيقها، لا سيما عندما يكون خصمه «جيش الدفاع الإسرائيلي».
ومع دخول روسيا ساحة المعركة في سوريا في أيلول/سبتمبر، أعلن نصر الله لتلفزيون “المنار” أن موسكو “تلعب دوراً إيجابياً سيأتي بنتائج إيجابية بإذن الله”. فالدروس العسكرية الروسية التي سيتلقاها «حزب الله» في الأشهر المقبلة ستساهم في تعزيز شعور التفاؤل لدى الحزب من جهة وقدراته من جهة أخرى.
موني كاتس هو عميد في «جيش الدفاع الإسرائيلي» وزميل عسكري زائر في معهد واشنطن لعام 2015-2016. نداف بولاك هو زميل “ديان وجيلفورد جليزر فاونديشن” في المعهد.