جنيف (رويترز) – يرى دبلوماسيون أن الحكومة السورية ربما تكون قد ارتكبت خطأ استراتيجيا بحضورها محادثات السلام في جنيف .. إذ ليس أمامها ما يمكن أن تكسبه ولا مجال يذكر للمناورة وربما فتحت على نفسها بابا لا يحمد عقباه بإضفاء شرعية على معارضيها.
لكن روسيا – راعي الحكومة السورية الرئيسي- تحرص على التوصل لصيغة اتفاق سلام.. لذا كان من الصعب أن تتجاهل دمشق المسألة.
ظن خبراء كثيرون أن محادثات السلام التي اختتمت جولتها الأولى يوم الجمعة لن تنعقد أبدا .. ولو عقدت فستنهار سريعا كما أن هناك غيابا لأطراف كثيرة في المعارضة لتعذر الاتفاق على الجانب الذي سيمثلها.
جاء ممثلو الحكومة السورية إلى المحادثات يتملكهم شعور بوحدة الصف والثقة أكبر بكثير مما لدى المعارضة بعد أن اقتنصت القوات النظامية مكاسب عسكرية الأمر الذي أتاح لوزير الخارجية وليد المعلم الإدلاء بكلمة واثقة في الافتتاح انقض فيها على المعارضة وداعميها.
قال إن القناع سقط الآن وإنه بات بالإمكان رؤية الوجه الحقيقي لما يريدونه. وقال إن وفد الحكومة جاء لحماية الدولة المدنية ولإنهاء الهمجية.
لكنها في ذات الوقت المرة الأولى التي تضطر فيها وسائل الإعلام الرسمية في سوريا لإفساح المجال أمام المعارضة والتي تذعن فيها الحكومة لمواجهة صحفيين معارضين تعتبرهم “إرهابيين”.
وقالت بثينة شعبان مستشارة الرئيس بشار الأسد إن من يقولون إنهم يمثلون قطاعا من المعارضة في جنيف لا يعبأون إلا بإضفاء قدر من المصداقية على أنفسهم.
ويرى الكثير من المراقبين أن وفد المعارضة نجح في هذا المجال. فعلى الساحة العالمية بدا المتحدثون باسم المعارضة -الذين تدربوا على أيدي أناس أصقلهم التعامل مع وسائل الإعلام الغربية- بهيئة وبلاغة لا تقل عن هيئة وبلاغة نظرائهم الحكوميين وكانوا يتلقون أسئلة وسائل الإعلام الرسمية بهدوء ويردون عليها بكياسة.
وبعد أن ظل يصف المعارضين بأنهم “إرهابيون” رأى كثيرون أن المعلم أضفى هالة من الشرعية على رئيس وفد المعارضة أحمد الجربا عندما رفض حضور جلسات التفاوض ما لم يكن الجربا حاضرا.
ويقول الدبلوماسيون إن الوفد الحكومي حاصر نفسه بدعايته الخاصة وإن تصريحاته كانت موجهة لمن هم في دمشق وعلى رأسهم الأسد نفسه. ولم يترك هذا متسعا لمفاوضيه للتحول عن رسائلهم الرئيسية عن ضرورة مكافحة الإرهاب وعن أن بقاء مقاليد الحكم في يدي الأسد أمر مفروغ منه.
قال دبلوماسي من الشرق الأوسط “مشكلة أي نظام كالنظام السوري هو أن كل من في دائرة الأسد اعتاد على المزايدة على الآخر. والمحصلة هي الافتقار لما يمكن أن يقولوه للعالم باستثناء الكلمات الوطنية الطنانة الجوفاء.”
لكن رغم ما أظهرته المعارضة من وجه واحد في جنيف فإنها لاتزال هشة وتفتقر التأثير على نشطاء ومقاتلين داخل سوريا. ويقول الدبلوماسيون إنهم يواجهون ضغوطا للتوصل إلى نتائج سريعا.
فالمقاتلون المرتبطون بتنظيم القاعدة يعارضون المفاوضات بقوة وما لم ينجح وفد المعارضة في تحقيق نتائج ولو متواضعة فقد تنقلب فصائل المعارضة الإسلامية الأخرى على العملية برمتها.
قلق من الانسحاب
انصب التركيز في الأيام الأولى من محادثات جنيف على الخطوات الإنسانية التي يمكن أن يتخذها كل جانب مثل إطلاق سراح المحتجزين والسماح بدخول المساعدات للمناطق المتضررة وإنهاء حصار مناطق الخصم.
قال مارك فينود الخبير في الحد من التسلح ودبلوماسية الشرق الأوسط بمركز جنيف للسياسة الأمنية إنه لم تحدث انفراجة لكن معظم التوقعات كانت منصبة على الحكومة بسبب “الفارق الجم” بين التنازلات التي يمكن أن يقدمها كل جانب فيما يتعلق بالنواحي الإنسانية.
ويقول النص الأساسي للمحادثات إن كل الأطراف لابد وأن تحترم القانون الدولي لكنه يدعو الحكومة على وجه الخصوص إلى الإفراج عن المحتجزين الذين ألقت القبض عليهم بشكل تعسفي والسماح بدخول المساعدات الإنسانية على نحو كامل للمناطق المتضررة.
وتقول المعارضة إنها سلمت الوسيط الدولي الأخضر الإبراهيمي قائمة بأسماء 28 ألف شخص تحتجزهم قوات الأمن من بينهم 3000 من النساء والأطفال.
لكن ظلت هناك مخاوف من أن تضطر الحكومة للانسحاب بسبب الضغوط عليها للوفاء بالتزاماتها.
وقال فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري إن وفد الحكومة لن يترك مائدة التفاوض وسيواصل النقاش.
ويقول الدبلوماسيون إن الضغوط الحقيقية على سوريا تأتي من حليفتها روسيا التي شاركت في تنظيم المحادثات مع الولايات المتحدة والتي لا تجد دمشق سبيلا لتجاهلها.
وقال فينود أن هدف روسيا الأساسي هو الحفاظ على وضعها كقوة عالمية من خلال إظهار أن “ما من شيء يمكن أن يحدث دونها” كما كان الحال في صفقات أبرمت في الآونة الأخيرة بشأن تسليم الأسلحة الكيماوية السورية والحد من مطامح إيران النووية.
وأضاف أن روسيا تريد أيضا الإبقاء على مصالحها الاستراتيجية داخل سوريا بما في ذلك وجود قاعدة بحرية لكنها -مثلها مثل إيران حليف سوريا الرئيسي الآخر- لا تتشبث بمساندة الأسد نفسه.
ورسم وفد الحكومة “خطا أحمر” حول الأسد قائلا إن دوره ليس محل نقاش في الوثيقة التي كانت أساسا للتفاوض.
غير أن المعارضة ترى أن الحلقة ستضيق تدريجيا على الأسد لأن كيان الحكم الانتقالي الذي تسعى المحادثات لإرسائه يتطلب موافقة الجانبين.
وقال أنس العبدة المتحدث باسم المعارضة “هذا يعني أن الطرفين لديهما حق الفيتو. ومن هذا المنطلق سنستخدم الفيتو مع بشار والدائرة المقربة منه وبالقطع سيضعون هم دائرة على بعض الأسماء التي سنقترحها.”
ومن المتوقع أن تسعى الحكومة لبث الشقاق في صفوف المعارضة وأن تطيل أمد المحادثات قدر المستطاع لنزع الثقة في خصمها كقوة تفاوضية.
وقال العبدة “سيحاولون ويحاولون. وسنتحلى بالصبر الجميل. سنصبر لأقصى درجة.”
وقال فينود إنه إذا انتقل الجانبان من التراشق بالكلمات وشرعا في الحديث الجدي فإنهما قد يجدان أرضية مشتركة في التصدي لخصم مشترك يتمثل في المقاتلين الإسلاميين الأجانب الغائبين عن محادثات جنيف.
وأضاف “ستكون هذه إلى حد ما استراتيجية بقاء بالنسبة لمعظم من هم في النظام. سيضطرون على الأرجح إلى التضحية بالأسد لكن معظم الأعضاء الآخرين في النظام سينجون بمناصبهم.”