يأتي أهمية قناة الجزيرة علي أنها مصدرٌ للمعلومة، لكن أي معلومة؟ وبأي طريقة يتم تناولها في قضية دارفور؟ ففي تقييم موضوعي من قبل مواطن عادي في دارفور، المواطن نفسه الذي دائماً ما تدعي القناة الإحتكام إليه، فإن الظاهر للعيان هو تبني القناة في تحليل مراسليها وجهة نظر واحدة، هي ما خص جانب الحكومة السودانية التي هي طرف في نزاع دارفور وليست الجهة المثلي للتعاطي مع المعلومات. خاصة تلك التي ترد من المركز السوداني للإعلام (cmc) فمعلوم أنه مركز أمني يقوم بتسريب معلومات إعلامية مضللة، كتلك التي تحاول إختزال قضية دارفور وثورة الهامش علي إنها صراع حول الموارد بين المزارعين والرعاة، أو حتي بين أفارقة وعرب.
إن ريادة قناة الجزيرة للساحة الإعلامية، المرئية والمقروءة منها هذه الأيام يجعلها من الضرورة بمكان أن يمسك بالعصا من المنتصف علي أقل تقدير، حتي لا يشعر طرف ما من أطراف النزاع بالحيف والغبن معاً. كما هي اليوم بالنسبة لحركة العدل والمساواة السودانية، التي تمثل حاصل جمع العدد الأكبر من ثورة الهامش في دارفور وكردفان، وهي الحركة تولي عناية خاصة وبوعي سياسي ناضج في تعاطيها مع إشكالية الأعلام بشكل عام، وقناة الجزيرة علي وجه الخصوص.
ونحن في حركة العدل والمساواة السودانية، لدينا من القرائن ما يجعلنا نعتب علي (قناة الجزيرة) علي الأقل بانها لم توفق في سياسة الحياد الأيجابي إذا صح التعبير فيما خص ما يجري منذ ست سنوات بين ثوار دارفور، وأعني هنا حركة العدل، ونده التقليدي نظام حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم. فالذي بينهما ما صنع الحداد. ونورد هنا بعض من تلك القرائن علي سبيل المثال لتثبيت موقف منها بالودِ والأريحية نفسها.
أولاً ـ في تغطيته للمؤتمر الرابع لحركة العدل والمساواة السودانية، والذي عرف بمؤتمر (وادي هور) في الاراضي المحررة، كان لقناة الجزيرة تواجد من خلال مراسلها الإعلامي في إنجامينا فضل عبد الرزاق. وكان له مطلق الحرية لتغطية الحدث مهنياً، وقد فعل جزئياً، لأن المادة الأعلامية والتوثيقية أعلاه ظل حبيسة أدراج الأرشيف، ولم تلق حظها من مساحة تساوي الجهد المبذول بالعرق والمواكبة من قبل طاقم الجزيرة في المؤتمر.
ثانياً ـ في حلقة هذا الإسبوع من برنامج (الرأي والرأي الآخر) كان للأستاذ سامي حداد، مزاجية غير مبررة، في الوقت الذي يقوم فيه بتحديد ضيوفه من حركة العدل والمساواة السودانية، ليكون علي الطرف الثاني من الطاولة، ويكون الضيف علي أهبة الإستعداد، ليتغير المزاج (mood) في آخر لحظة مقدم البرنامج، ويقوم باستضافة شخصية أخري. وتكون الأمور مكشوفة سودانياً علي الأقل حينما يكون الضيف هو الدكتور الإنقاذي مصطفي عثمان، الذي يكن كل البغضاء لثورة دارفور. الرجل حينما يعلم بمستوي وعي وقوة حجة محاوره في الطرف الآخر، لا يخجل من إستخدام (الفيتو) علي الناطق الرسمي بأسم حركة العدل والمساواة السودانية السيد احمد حسين آدم، الذي تبرم من تصرف قناة محترمة كالجزيرة التي يجب ان لا يأتي يوم نطعن في مصداقيتها بسبب مزاجية مقدم برنامج نكن له الإحترام مثل الأستاذ سامي حداد.
وكان حوار الحلقة بأن جاءت بالنتيجة، سلبية إلي حد ٍ بعيد لمجمل قضية الثورة في دارفور، بمعني أن محاور الدكتور الإنقاذي كان من الحدية وضيق أفق جليين، مما يعطي إنطباع للمشاهد بأن ليس لثوار دارفور أفق سياسي لحل المشكلة، أو حتي جاءت دفوعات ممثل حركة تحرير السودان ضعيفة فيما خص فتح مكتب لها في الدولة العبرية، مما يقوي حجة حكومة السودان في أن لقضية دارفور بعدها الخارجي (إسرائيل). ومعلوم هذه بضاعة حزب الإسلام السياسي ـ المؤتمر الحاكم، ويجيد الدكتور، الذي وصف يوماً ناس في دارفور بالقمل ( lice)،اللعق فيما خص إستعطاف البسطاء والدهماء من أبناء شعبنا المُحب لقضيته الإسلامية العادلة في فلسطين.
تأسياً علي ما سبق، نعتقد بأن مستشار رئيس السوداني مصطفي عثمان يخشي المواجهة مع حركة العدل والمساواة السودانية في الاعلام، كما يفعل جيشه في المواجهة في الميدان مع الثوار. لذا أبرز البطاقة الحمراء بالفيتو علي الناطق الرسمي باسم الحركة، في برنامج الرأي الآخر، وابتلع مقدم البرنامج الطُعم، وبذلك خسرت الثورة في دارفور أداة من أدوات الدفاع عن نفسه، من خلال الكلمة لرصينة والحجة الفالقة.
إن مزاجية السيد سامي حداد في إختيار من يروق له هو، وهو هنا الأخ عبد الواحد الذي يقف علي أرضية اللاءات، ويكثر من المتاريس في درب آلام ثورة الهامش، بدون أفق سياسي أو مبادرة، تحرك ما هو ساكن من مواقف صبغت بلغة خشبية. فالثورة تتضرر من تصلبه الذي لا يعني القوة، لإنعدامه عملياً علي الأرض في الميدان، وكل المعارك ضد جيش النظام والمليشيات المتجحفلة معها، كانت ولا تزال من نصيب قوات حركة والمساواة بقيادة الدكتور خليل ابراهيم شخصياً، في الوقت الذي يرفض عبد الواحد التعاطي الإيجابي مع الدكتور خليل ابراهيم رئيس حركة العدل والمساواة السودانية الذي هو (جمل الشيل) كما يقول المثل السوداني.
بالطبع يحق للأستاذ سامي حداد إختيار من يرغب من ضيوفه ومحاوريهم. لكن أن يتفق وينسف مع الناطق الرسمي للحركة وامين أعلامها، أحمد حسين يدم، حيث قام الأخير بترتيب أوراقه للمساجلة مع الدكتور مصطفي عثمان قبل أن يمارس الفيتو عليه، كما أسلفت، وأطاح بالأولويات التي يجب أن يبتدرها ثورة الهامش لأجل قضيته، وليست العلاقات مع إسرائيل التي اختزلت الحلقة واحدة من ما بينها، التي هي جزئية غير مهمة بالنسبة لثورة الهامش، حتي يضيع ساعة إعلامية في قناة مثل الجزيرة.
ثالثاً ـ في برنامج مع الحدث، الذي تبثه المؤسسة اللبنانية للإرسال (LBC) في حوارٍ حول ميثاق وزراء أعلام الدول العربية، تحدث رئيس تحرير الجزيرة الكترونية الأستاذ احمد الشيخ، فيما عناه بخط الأعلام للجزيرة، وهي أن هنالك ضوابط سياسية، وأخرى لحقوق الإنسان، وهذا كلام جيد. لكن هل ينطبق ذلك علي حياد مدير قناة الجزيرة وضاح خنفر، وعلاقاته المشبوهة إعلامياً ومهنياً مع بعض القيادات الإسلامية المتنفذة في حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان؟ بمعني هل تساهم العلاقات الودية للغاية بين السيد مدير قناة الجزيرة وضاح خنفر والدكتور غازي صلاح الدين العتباني في تبني وجهة نظر الحكومة إذاء مشكلة دارفور وثورة الهامش علي وجه العموم؟ كيف اختارت الجزيرة مدير مكتبها في الخرطوم وهو معلوم للناس هناك بأنه عضو بالمؤتمر الوطني؟
إذا كانت الحكومة السودانية لم تعترف أصلاً حتي الساعة بوجود (مشكلة) في دارفور من الناحية السياسية، كيف لها أن تحلها؟ وهل يمكننا حل مشكلة لم نعترف بها أصلاً؟ ولذات السبب، أسهبت حكومة السودان في إخراج المشكلة علي إنها بين رعاة ومزارعين، أو حتي بين جنجويت (عرب) وزرقة أفارقة. إذا كانت الأمور هكذا سودانياً، كيف تتبني كل تقارير قناة الجزيرة وجهة نظر الحكومة القائلة بصراع الموارد، دون الإقرار بمسلكية التهميش التي مارستها الحكومات المتعاقبة في المركز بحق المهمشين؟ لماذا لا تذهب الجزيرة (المهنية) بعيداً لسبر أغوار مشكلة دارفور بدلاً من التلطي بفزاعة (عبد الواحد وإسرائيل) التي هي تحصيل حاصل لسياسة التهميش.
الثورة في دارفور وكردفان الآن هي نتاج لإختلال ميزان العدالة وفي تقسيم العادل للثروة والسلطة، وإنعدام الديمقراطية والإعتراف بواقع التمايز الثقافي والحضاري والأثني بين السودانيين، وهذه مسؤولية الحكومات كبنيات فوقية تعني بالفكر، بدلاً من إختلاق معارك مع الآخر وبإستمرار سمج، كإنعكاس لفكرة السيطرة.
لأننا نحب قناة الجزيرة التي نتمني بأن تكون مهنية، وتبتعد قليلاً عن إتهام بعض السودانيين همساً بأن الجزيرة جزء من صراع الرؤي في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي تتبني رؤية الحزب الحاكم في السودان لخلفياته الإسلاموية، وإنقاذاً لسمعتها، عليها أن تختار مديراً غير متهماً بانتمائه للحركة الإسلامية في السودان، التي هي طرف في مشكلة دارفور وليست حكماً يجب تبني وجهة نظره.
لأننا نحب الجزيرة، نريد لضوابط الأستاذ أحمد الشيخ ـ رئيس تحرير الجزيرة، أن تمشي علي الأرض برجلين إثنتين، ونكون من جمهور الجزيرة كرأي عام يريد أن تعرف. هل إستخدم مستشار رئيس جمهورية السودان مصطفي عثمان (الإنتباهي) الفيتو في حق الناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة السودانية، في برنامج (الرأي والرأي الآخر)، في مطلع هذا الشهر؟ نأمل أن تأتي الإجابة مبرئة لزمة الاعلام الحر والعادل.
hajerstone@hotmail.com
بيروت- كاتب من السودان