ترجمة: الحدرامي الأميني
*
أشعر بالعناء وببعض الألم عند معالجة الموضوع السوري مرة أخرى. بدأتُ، قبل عامين من الآن، في وسائل إعلام محلية مختلفة، بمراجعة تلك المأساة المستجدة، التي أخذت تتحول -في نظري- إلى خطأ جيو استراتيجي هام للإدارة الأمريكية.
قررتُ اليوم معالجته مرة أخرى إثر بعض التوضيحات لتصريحاتٍ للرئيس أوباما، في العام الماضي قبل إعادة انتخابه، يشير فيها إلى أن استخدام الأسلحة الكيميائية من جانب نظام الأسـد سيكون خطاً أحمر، أي أنه سيؤدي إلى تدخل عسكري أمريكي. حسناً، لقد تمت البرهنة عملياً –مع الإقرار بذلك من قِبَل الرئيس ووزير دفاعه- على أنها قد اسْتُخدمت فعلاً، إلا أنه لا توجد رغبة كبيرة لدى الرئيس الأمريكي بتحويل تهديده إلى حقيقة مادية.
الأسبوع الماضي، في رسالة جوابية إلى اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ، نقَّح أوباما، للمرة الأولى، كلامه المتعلق بالخط الأحمر. فقط إذا استخدمت الغازات بكميات كبيرة ضد السكان المدنيين السوريين سينفذ هذا الإنذار. إضافة إلى ذلك، يُشار في تلك الرسالة إلى الأخطاء في تقديرات الاستخبارات التي قادت إلى التدخل في العراق، وتطبيق ذلك على هذه الحالة – تسهيل الامتناع في سوريا- هو أكثر من واضح. نرى أن هذا الخط الأحمر آخذ بالتحول إلى نقاط متباعدة إلى درجة كبيرة وفي هذه الفضاءات الفارغة نستشعر وجود رغبة كبيرة بعدم التدخل في عش الدبابير السوري.
فلنعترف بأن بشار الأسـد سيء، عديم الرحمة ربما، لكنه ليس غبياً على الإطلاق. إن استخدامه للقوة العسكرية لقمع الثورة كان تدريجياً: أولاً، الآليات المدرعة “فقط”، بعد ذلك المدفعية؛ ثم الطائرات المروحية؛ بعد التحقق من عدم وجود رد فعل أمريكي، الطائرات ذات الجناح الثابت؛ في وقت لاحقٍ صواريخ سكود ذات حمولة تقليدية؛ وأخيراً، الغازات، وهذه نعم بكميات “قليلة” فقط، بالرغم من خط -خييط- أوباما. هل يشك أحد بأن ذلك كان جس نبض للرد الغربي وأنه عندما يصل إلى القناعة بأنه لن يتحرك في هذه المرة أيضاً، سيزيد من استخدام غاز السارين ضد البؤر الثائرة.
يطبِّق النظام السوري عقيدة مكافحة التمرد الكلاسيكية -التي توصي بفصل السكان المدنيين عن الثوار- بطريقة شيطانية أصيلة. يجبر السكان المدنيين على الهجرة، تاركين الثوار من غير مساندة في مدن مهجورة بخدمات أساسية مدمرة. من يشكك في هذا فليراجع الأعداد الضخمة للاجئين المدنيين السوريين وليفكر في إمكانية كونها أمراً عارضاً. لتحقيق هذا الهدف، يكون استخدام الغاز -مروعاً السكان المدنيين في المراكز الحضرية- فعالاً بشكل مخيف.
إن السيء في الإنذار وفي التهديدات هو أنك تخاطر بالمصداقية. استقرار الشرق الأوسط سيكون في خطر لأعوام طويلة جراء التأخر في التدخل في سوريا، الذي أتاح للجهاديين أن يتحركوا بشكل منظم. لكن، مازال هناك أمر أكثر خطورة على المحك: مصداقية حارس العولمة.
** انخيل تافايّا هو نائب سابق لرئيس الأركان في البحرية الإسبانية والقيادة البحرية لحلف الناتو في جنوب أوروبا.
موقع: أتينيا ديخيتال
http://www.revistatenea.es/RevistaAtenea/REVISTA/articulos/GestionNoticias_13011_ESP.asp