انتهت احتفالية “مونترو” للصراع السوري وينتقل الاطراف الاساسيون الى مربع جنيف لإدارة حرب دائرة على الارض بالمدافع والطائرات واللحم الحي بالوسائل السياسية والكباش الدبلوماسي، وهي حرب أشدّ اواراً ومكراً بنتائج قد تصبح كارثية او حلول وقتية تعيد التنفس الى جبهات القتال و الامل بالحياة للمناطق والمدن المحاصرة والاسرى والاطفال والاقتصاد المنهار.
في “مونترو” افترقت الألسن والالوان عن بعضها وأُخرِجَت الارانب من الأكمام، وتمّ النطق بحقيقة ما في الصدور والمخفي من خبايا النفوس الخبيثة، كما أظهر المجتمع الدولي بغالبيته روحا طيبة وتوجّها حازما الى حد ما، للتكفير عن الشراكة الجرمية التي طالت ثلاث سنوات، ضحاياها السوريون بكل مللهم ونحلهم والجغرافيا الاقليمية التي بدأت تتفتق شروخاً بفوح الدم السوري.
بداية حسنة وسيئة
أتى خطاب ممثل سلطة الأسد مكمِّلا لجرائمها، غير مفاجئ لمن يعرف هذا النظام وخاصة حلفاؤه: فاجرا متغطرسا مشحونا بوَهم الانتصار، يحرف المناسبة عن مقصدها، يكرر الصفعة الى مرسل الرسالة الاممية السيد “بان كيمون” كما فعل الثعلب الايراني حين اوحى انه سيوافق على جنيف واحد ليستلم رسالة الدعوة للمشاركة، وينقلب على وعده برفض الشروط مما أُجبر بان كيمون على سحب الرسالة بخذلان المخدوع.
أتى الخطاب الروسي بدوره، في صيغة حفظ ماء الوجه بعد فشله الذريع في فرض ايران شريكا راعياً وفرض معارضة شبيحة أدلّاء لسلطة الاسد، بصيغ مختلفة بمسمى معارضة شريفة (التي لو كانت شريفة لما احتاجت الى استجداء الشرف لها) الى قلعة ثورة الشعب السوري، وكان يكفي هذا وحده ان يثير غضب الوزير (السوري كما لمّحت بخبث ال بي بي سي) لافروف، لولا أن زاده سيل الكلمات الواضحة الصريحة بلسان وزراء خارجية امريكا والسعودية وقطر وفرنسا قولا واحدا: “أن لا مكان للأسد” ولا بشكل من الاشكال في مستقبل سوريا ولا حتى في المرحلة الانتقالية، لا مكان لقتلة شعب في مستقبل الشعب.
لقد التزم الامريكان والسعوديون والفرنسيون لما لهم من مصداقية تجاه العالم وشعوبهم والمؤتمر الاممي انهم ملتزمون بحلّ سلمي لا مكان فيه للمجرمين ولن يكون الحل السياسي هدية للقتلة للإفلات من العقاب، وهنا تعود امريكا بخطابها لأول مرة من جديد الى خطابها ما قبل التوافق الكيماوي وجنيف ايران.
ربما لأمريكا مبرراتها الضاغطة في العودة الى رؤية الحقيقة بغير عيني “روبرت فورد” بالخوف على مصالحها ومكانتها ودورها الاقليمي بعدما كادت ان تصبح مطيّة روسية ايرانية اسرائيلية، في خدمة بشار الأسد وجرائمه معتمدا على الموقفين السعودي الفرنسي الغاضبين ربما سرّاً، والخائفين على مصالحهما امام الاختراق الايراني.
الضعف الوحيد كان في ميوعة “بان كيمون” وهزالة ادارته ليس للجلسة وحسب، بل لخضوعه للإشارات الخاطئة للسيد الاخضر الابراهيمي وجهازه الاستشاري الملغوم في صياغة الرسائل والملاحق التي ارسلت للمدعوين التي كادت ان تنسف وربما لم يفت الوقت بعد مرجعية جنيف 1 من اساسها القائمة على خطة كوفي عنان. الايام القادمة سنرى الى اية درجة سيتابع الابراهيمي دوره المشبوه وهل ستفعل المواقف الامريكية والسعودية والآخرين فعلها في لجمه عن الولوغ في مفاسد جهازه الاستشاري.
جنيف الامل بمستقبل ووطن
أتى الموقف الدولي، الامريكي والفرنسي والعربي السعودي ليخفف من هزالة خطاب رئيس الائتلاف الذي بدا أشبه ما يكون بالأرنب الاسود في حقل كثير النواطير اليقظين. خطاب غير احترافي تنقصه الثقة بعدالة القضية، وهو أصلا يفتقد مرجعية شعبية وميدانية لأسباب اصبحت معروفة (انشقاقاته، تبعيته للمال السياسي، سيطرة قوى أمر واقع وقادة حرب على الارض غياب واضح لهوية الجيش الحر) ومع ذلك فانه بدأ بداية حسنة ، يمكن لإدارته بدعم كبير من الحلفاء على الارتقاء بقدراته الهجومية في حال:
ـ إعادة النظر في تركيبة الوفد الهزيلة بالواجهة الضحلة لشخوص مهترئين بالفساد الريعي، باشراك فاعل لممثلي المجالس المحلية للمناطق المحررة او الصامدة، فهم اهل الثورة وأهل الاسرى وأهل الشهداء ومستقبل الوطن.
ـ لملمة صفوفه ومواجهة الحالة الاتكالية التي جعلت منه ممثلا لأعضائه فقط، المتنافسين بالولاءات، بإعادة ضخ الدماء في حوار وطني حقيقي بغير شكلانية مخادعة للذات قبل الآخر وتنظيف الهيئة من الغام السلطة.
ـ الاقتناع ان جنيف حرب دبلوماسية بكل المعايير مع الذات وفي مواجهة خصم شرس يتمتع بحلفاء خطرين وفاعلين . من جنيف نعود لنبني الوحدة واليقظة الى الشعب المحاصر، الى بقايا الجيش الحر المعزول عن دوره، الى خلق توازنات ميدان تقلب موازن القوة بالحوار الحقيقي من ممثلي القوة والبندقية والمرجعية التي تنبع من العمق الشعبي الوطني السوري.
ـ يترافق ذلك وخارطة طريق برؤية سياسية لا تحتمل اللبس ولا التسويف تتوجه: للمكون الكردي حاضنة بندقية قادرة، وللمكون العلوي وحضوره في قوة الاسد، الى المكون المسيحي المستَغَل كليا من النظام وارهاب الغزاة الجهاديين.
بالإعلان عن ان هدفنا دولة سوريا، بمسمى “الجمهورية السورية” دولة تعددية بمكوناته التالية اثنيا ودينيا يحترم فيها بالشراكة والتوافق حقوق الجميع بدستور توافقي بين المكونات وليس التلطّي من خلف استفتاء كما يفعل الاسد، فالشعب بمكوناته والدساتير توافقات وليست كسر عظم ووطن.
سنرى في الايام القادمة ونحن نشجّع فريقنا التفاوضي وندفعه الى تحصين موقعه بأنساق من المستشارين والخبراء ، كم هو قابل للتطور ومنسجم للغاية التي أنشئ لأجلها بالعمل المؤسساتي وفتح الساحة، ساحة الحرب السياسية الدبلوماسية بخيرة خبرات الاحتراف ونشطاء الثورة بأطر مؤسساتية تحوّل جنيف الى ساحة استنفار عالية التنظيم والفعل لسلب وفد السلطة أوراقهم هم وحلفاءهم. لجعل جنيف ساحة نشاط حقوقي يعرّي القتلة بجرائمهم، ساحة تفضح وفد السلطة أفراداً ومجموعة، لتثير عليهم الرأي العام السويسري، حيثما حَلّوا بالصور والفيديوهات الحية على اطراف البحيرة، وبالوثائق، ولن يكون ذلك بهذه الكائنات التي ملّ العالم رؤيتها منذ سنتين يتجشأون قيحا وفحيحا بغير عقل وبغير رؤية حان وقت صرفهم الى منازلهم والى أسرهم: مئات المعتاشين على جسد الاغاثة والثورة بمفاسد أين منها مفاسد السلطة، وفتح الباب امام النشطاء الشباب المقتدرين على التواصل مع جمهور اوربي واعلام اوربي تحت علم الثورة السورية وفقط، بهوية الثورة السورية وفقط.
على مؤسسات الائتلاف، (ان وجدت، وخلقها ان لم توجد) ان تتقدم الى التفاوض والعالم بجملة بنود “خطة كوفي عنان” المتكاملة أساس مرجعية جنيف1 وعدم الخضوع لمفخّخات ليسوا قادرين عليها وذلك بجعل أساسيات جنيف بالوثائق الاممية السياسية والحقوقية:
ـ التركيز على أسبقية ايقاف القتل الذي برأينا، سيتكثف أكثر من قبل السلطة لخلق حالة احباط شعبي وتفاوضي وشرخ بين الصفوف.
ـ فك الحصار عن المدن والاحياء التي تجوَّع، بسحب الجيش من المدن وحدودها وفتح ممرات الاغاثة وحضور الاعلام الحرّ.
ـ اعادة الامل الى المخيمات المهاجرة ان طريق العودة قد بدأ واشراكها في حرب السياسة لدعم البندقية الوطنية الملونة بألوان العلم الوطني الثلاثية، وليس الاسود.
ـ التبرّؤ وعلى رؤوس الاشهاد من الرّايات السوداء والبندقية الملغومة والاصدقاء الخبثاء.
ـ جعل قضية الاسرى والمفقودين، واحدة من أهم الحروب القانونية والانتهاكات الانسانية لتحفيز الرأي العام الغربي، الذي اهملناه لصاح حفنة سفراء محترفين، صار لزاما رفع مئات آلاف الصور للضحايا والاسرى من الأطفال والنساء والمرضى يجب اغراق فضاءات جنيف والاعلام الدولي بمأساة اسرانا وشهدائنا والمغتصبات ،هذا لن يكلف أكثر من تمويل وتموين مؤتمر واحد او اجتماع للهيئة العامة للائتلاف، وحجز مساحات اعلانية مدفوعة لانتهاكات حقوق الانسان من قبل السلطة في الاعلام الغربي. للضرب على ايدي عملاء ميشيل سماحة وخلاياه النائمة في الاعلام الاوربي .
ـ العمل الحثيث بالحوار والتوافقات على اعادة ضح الحيوية الوطنية في الساحات السورية واهل الساحات والمكونات باعادة بناء علاقات وطنية على اساس شراكة حوارية بوعي وعقل يحرص على سوريا وليس على الانشطارات الشعبوية.
هي حرب وقد بدأت بداية جيدة، لنجعل منها جميعا، بمعزل عن المواقف والرؤى الخاصة، فرصة اعادة الثورة الى الشعب والشعب الى الثورة ليس بمعسول الكلام والمشاعر اللحظية. بل بعقل ووضوح وعناد من أجل وطن “الجمهورية السورية” دولة مدنية عصرية
bachar_alissa@hotmail.com
خطوة الالف ميل: معركة الفرصة الاخيرة من أجل وطن للجميع
ghassan.tannous@gmail.com
تحليلك للوضع، كالعادة، شامل ودقيق،
أودّ فقط ان أؤكد على أهمية نوعية المفاوضين بإسم المعارضة ( بل بإسم الشعب السوري)
أهمية ان يكونوا قادرين على التحليل، على ادراك و”تشخيص” المعضلة، معتادين على اتخذ قرارات صعبة وعلى تحمل المسؤوليات والقدرة على معالجة حتى أخطائهم، اذ لابد ان يخطئون .
فالخيار بين الأبيض والأسود سهل، ولكن الخيار بين الرمادي الغامق والرمادي الفاتح
هو أمر صعب جدا، كصعوبة الخيار بين علاجات عديدة لمرض خبيث…
ليس لنا إلا الأمل بان يتحلى المفاوضين باسمنا بهذه المزايا.
مساء الخير
غسان