بيروت- خاص بـ”الشفاف”
علاقة البطريرك الراعي بالفاتيكان، كما نظرته إلى الدور “السياسي” للبطريركية في لبنان، تطرح أكثر من سؤال واستفهام!
فلم يكد هدير محرك طائرة قداسة البابا بنديكتس السادس عشر يهدأ، لتحط به عائدا الى حاضرة الفاتيكان، حتى انقلب البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي على مواقف الفاتيكان، فعاد ليوجه سهامه للثورة السورية منتقداً، من الهند هذه المرة، ما أسماه، “صب الزيت على النار”، ومؤكدا “ان إرسال عدد من الدول الاسلحة لدعم الثورة قد جعل حياة الجميع صعبة جدا وخطرة جدا، وخصوصا حياة المواطنين”.
في حين ان مواقف البابا كانت واضحة ولا تحتمل التأويل لجهة وقوف الفاتيكان الى جانب “الربيع العربي” عامة، والثورة السورية خصوصا. فقد طالب “بوقف توريد السلاح الى سوريا”، والتوريد يحصل بين الدول وليس بين جماعات او ثوار ودول. كما انه وصف للصحفيين في الطائرة التي اقلته من روما الى لبنان إنتفاضات الربيع العربي بأنها “صرخة للحرية”.
المعلومات تحدثت عن الراعي والبابا لم يكونا على اتفاق تام خلال الزيارة الحبرية الى لبنان، إلى درجة ان دوائر الفاتيكان، أصرت على ان لا يكتب “الراعي” الكلمة التي القاها في القداس الاحتفالي في “مجمع البيال”!
وأشرفت دوائر الفاتيكان على “تنقيح الكلمة” التي قرأها الراعي بصيغتها النهائية، وذلك خشية ان يصاب “غبطته” بفرح وحبور امام جماهير غفيرة تقاطرت لسماع القداس الحبري، فيجنح في كلمته نحو ما لا يشتهيه الفاتيكان والحبر الاعظم.
“الراعي”، وكما تشير المعلومات” يريد ان يتجاوز دوره، كبطريرك، ليلعب دور الزعيم الديني والزمني للطائفة المارونية، وهو لذلك يرعى إجتماعات سياسية ويقوم بجولات مناطقية لم يعهدها الرعايا الموارنة، تشبه الى حد بعيد الجولات الانتخابية، كما انه يعقد لقاءات ذات طابع سياسي، وسوى ذلك.
وفي سياق متصل تشير معلومات الى ان رعاية الراعي لتجمّع “قدامى القواتيين” في دار سيدة الجبل في “ادما”، ياتي ضمن التوجه الذي يعتمده غبطته بحيث يحاول تفتيت الكيانات السياسية المسيحية، خصوصا “القوات اللبنانية”، من اجل ان يضع يده سياسيا على الطائفة المارونية.
“سوابق” الحويّك والمعوشي
ومثل ها التوجّه يمكن أن يستوحي دور البطريرك الحويّك في مطلع القرن العشرين، أو حتى الدور السياسي “السجالي” الذي لعبه البطريرك المعوشي في عهد الرئيسين شمعون وشهاب! ولكنه، حتماً، يتعارض مع التطوّر الذي شهدته الكنيسة المارونية منذ عهد البطريرك المعوشي، وخصوصاً في عهد البطريرك صفير، الذي تحوّلت البطريركية في عهده إلى “مرجعية وطنية” لبنانية تتجاوز إطارها الماروني الضيّق.
وحتى حينما كان البطريرك صفير “يتدخّل” مباشرةً في “الشأن السياسي”، كما حدث في الأسابيع التي سبقت الإنتخابات النيابية الأخيرة في العام ٢٠٠٩، فقد جاء تدخّله بعد “مناشدة علنية” نشرتها وسائل الإعلام من جانب “شخصيات مارونية” طالبت “غبطته” بإبداء رأيه في المخاطر المحيطة بالكيان اللبناني (نداء الى سيد بكركي من ميشال بشارة الخوري ودوري كميل شمعون وسمير حميد فرنجية).
وعندها فقد أصدر البطريرك صفير نداءً محدوداً بعدد كلماته، ولكن مؤثر جداً بثقله المعنوي، جاء فيه، حسب “الوكالة الوطنية في ٦ حزيران/يونيو ٢٠٠٩:
أكّد البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير “اننا اليوم امام تهديد للكيان اللبناني ولهويتنا العربية، وهذا خطر يجب التنبه له، ولهذا فان الواجب يقضي علينا ان نكون واعين لما يدبر لنا من مكايد، ونحبط المساعي الحثيثة التي ستغير، اذا نجحت، وجه بلدنا”. ودعا الجميع الى “التنبه لهذه المخاطر والى اتخاذ المواقف الجريئة التي تثبت الهوية اللبنانية، ليبقى لبنان وطن الحرية والقيم الاخلاقية والسيادة التامة والاستقلال الناجز، ولا يضيع حق وراءه مطالب”.
فقط لا غير، ونقطة على السطر! بدون إجتماعات، ولا لقاءات، ولا تنطّح لزعامة ما! وكما يلاحظ القارئ، فالنداء توجّه إلى “الجميع” (وليس للموارنة أو حتى المسيحيين) ونبّه للمخاطر على “الكيان” و”الهوية العربية” و”الحرية والإستقلال”!
نموذج الحويك والمعوشي أم.. السيد حسن؟
ولكن الأرجح أن الخلفية التي ينطلق منها البطريرك الجديد للموارنة ليس سوابق “الحويّك” و”المعوشي” بل البيئة “الملوّثة” في لبنان التي جعلت من رجال الدين قادة لطوائفهم. وقد يكون “النموذج” الذي يستوحيه البطريرك الراعي هو السيد حسن نصرالله أكثر منه البطريرك الحويك أو المعوشي! وهذا ما لم يقبله الموارنة في تاريخهم الحديث، وما يُستَبعَد أن يقبلوه في مستقبل منظور!
أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما للبطرك للبطرك!
خطبته في البيال “نقّحها” الفاتيكان؟: التوجّهات الملتبسة للبطريرك الماروني
…مع ذلك، قال للخورية: مع هذه البغلة يعرف المرء وجهتها بالتمام، فلا يخطر ببالها أن تسير مباشرة إلى الهاوية، في حين أن هذا الشيخ و هذا البطرك يحملان كل المسيحيين على ظهريهما و يركضان مهشمين قرونهما كالتيوس.
إذهب و صلِّ في الكنيسة، قالت له زوجته، فإذا كان الله راضيًا عنا، فسيضع منذ الغد بغلاً في القصر و بغلاً في البطركية.
(أمين معلوف- صخرة طانيوس- الطبعة العربية الأولى 1994 – منشورات «ملف العالم العربي» – الصفحة 107)