كان لا بد للرئيس سعد الحريري من إطلالة علنية، يخاطب فيها جمهوره والحلفاء والاخصام على حد سواء. فقد طال غياب الحريري وكثرت التكهنات بشأن الغياب، وطال صمت الحريري حيال الإفتراءات التي طالته شخصيا وطاولت تياره والحلفاء وجمهور ثورة الارز.
الرئيس الحريري إختار توقيت ظهوره العلني لاسباب عدة في مقدمها تأكيد إنخراطه في السياسة اللبنانية بالتكافل والتضامن مع قوى الرابع عشر من آذار متبنيا جميع المواقف التي أعلنتها هذه القوى في غيابه الإعلامي العلني، والقسري عن لبنان. وفي الاسباب ايضا أن خروج الرئيس الحريري عن صمته جاء بعد تشكيل الحكومة اللبنانية ونيلها الثقة، كما انه جاء بعد التطور الدراماتيكي الذي تشهده الساحة السورية وتراجع حدة الافتراءات السورية واللبنانية التي تتهم الحريري بالتورط في الانتفاضة السورية. وجاء أيضا لتأكيد ضرورات المواجهة مع حكومة سوريا – حزب الله التي يرأسها الرئيس نجيب ميقاتي والعمل على إسقاط هذه الحكومة، وأيضا في اعقاب صدور القرار الاتهامي في قضية إغتيال والده وسائر شهداء ثورة الارز، واضعا لبنان والمنطقة على طريق العدالة الدولية.
مراقبون في بيروت توقفوا امام خطابين لزعيمين يتوجهان لجمهورهما ولجمهور الخصم، وهما الرئيس سعد الحريري من جهة وامين اعام حزب الله السيد حسن نصرالله من جهة ثانية، فجاءت الملاحظات في الشكل وفي المضمون لتظهر حجم الاختلاف بينهما.
في الشكل أطل الرئيس الحريري عبر شاشة تلفزيونية يحاوره إعلامي يسأل ويعقب على الاسئلة، يستوضح اجوبة ويتهم الحريري، ما اضطره الى الاستشهاد بوقائع سائلا الصحافي وليد عبود مراراً “اليس كذلك”؟ في حين ان نصرالله يطل عبر شاشة عملاقة، لا تواصل ولا إتصال بينه وبين الحضور المحتشد في ساحة عامة او ملعب رياضي او خلافه، يملي عليهم بثقة مفرطة في النفس مواقف لا يمكن سؤاله عن صدقيتها ولا كيفية التحقق منها بل يجب ان يتيقنوا من صدقيتها ويتبنوها من دون جدال او نقاش، الامر الذي أخفق فيه السيد مرار من “رسالة كيسنجر” المزعومة، الى كومبيوترات المحكمة الدولية، الى الوعود التي أطلقها بكشف المزيد من القرائن التي تشير الى تورط إسرائيل في إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتي لم تظهر بعد، والتي شكك النائب سامي الجميل بتاريخية بعضها وتزامنها مع تاريخ وقوع جريمة إغتيال الرئيس الحريري….
في المضمون هناك بون شاسع بين خطاب الزعيمين. فالرئيس الحريري خاطب جمهوره وسائر اللبنانيين تحت سقف القانون وبمنطق رجل الدولة معليا الشأن المؤسساتي والدولة اللبنانية على جرحه الشخصي، ومؤكدا إستعداده للمصالحة والمسامحة والمصارحة لاجل لبنان، ومتحملا ما تنوء بحمله الجبال وما يفوق طاقته “لاحقا الكذابين الى باب الدار” ومتسببا بخسائر شعبية وسياسية له ولتياره وحلفائه، بسبب الإفتراءات التي طالته وإستعداده لـ”العض” على جرحه الشخصي لإعلاء المصلحة الوطنية، من خلال حرصه على عدم الرد على التسريبات المجتزأة من نوع تأويله “لا إله” لتكفيره. والرئيس الحريري شدد على حقه الديمقراطي في إسقاط الحكومة متوسلا الوسائل المتاحة في ظل القانون ومؤكدا انه والحلفاء والتيار لم ولن يلجأوا الى تعطيل الاقتصاد ولا الى إقفال الطرقات او الاعتصام او إستخدام السلاح للوصول الى مبتغاهم في إسقاط الحكومة.
وفي المقابل يبدأ السيد نصرالله فوق سقف القانون والدولة، فيكون في الوقت نفسه الإدعاء العام والقاضي الذي يصدر الاحكام المبرمة بالتخوين وإهدار دماء المختلفين معه في الرأي، ويهدد بقطع الايدي والاعناق وحماية المتهمين والمرتكبين. ويصنف المواطنين بين أشرف الناس وعملاء وخونة، مستعليا على عامة الناس، ومتجاوزا القوانين في تشريع قانون “السلاح لحماية السلاح”، وفي إطلاق العنان لنوابه ونواب حلفائه في ممارسة البلطجة في المجلس النيابي متجاوزين جميع الاعراف البرلمانية والاصول الدستورية، إضافة الى حماية متجاوزي القوانين وحماية المعتدين على الاملاك العامة وصولا الى إعلان “حملة النظام من الايمان” بعد أن بدأت الامور بالخروج عن السيطرة في مناطق نفوذه، ومن التوقف عند حدود إعطاء محازبيه وعناصر الامن في حزبه حق إعتقال المواطنين والتحقيق معهم وتسليمهم الى القضاء اللبناني إذا إرتأى أن في ذلك مصلحة ما لا تأخذ في الضرورة إعتبارات مصلحة الدولة.
ويرى المراقبون ان الفرق بين الخطابين يعزز الاختلاف بين منطق رجل الدولة ورجل الخارج على الدولة، “لبنان الدويلة”.