“الشفاف”- جنوب لبنان
لا شك أن اعتصام السلفيين المستمر في صيدا وجه ضربة موجعة لأمن المدينة ونسيجها الإجتماعي والإقتصادي. ويكاد يكون “الشيخ أحمد الأسير” الظاهرة الوحيدة التي اجتمعت كل الأطياف السياسية والشعبية في لبنان على نبذها والبراءة منها.
مرّت مدينة صيدا قبل ظاهرة “الأسير” بمحاولات توتير فاشلة كان يتم الإعداد لها من قبل السلفيين الناشطين ضمن نطاق مخيم عين الحلوة. يومها تضافرت جهود فاعليات المدينة والمخيم والحريصين على أمنهما وأحبطت المحاولات في مهدها.
كان وما يزال “مخيم عين الحلوة” للاجئين الفلسطينين على مدخل المدينة الجنوبي يُعد بؤرة للخارجين على القانون والمطلوبين من أجهزة الأمن اللبنانية، لا سيما أنه يؤوي متهمين بقتل عسكريين في الجيش اللبناني. ومن المعروف أن الجماعات السلفية في المخيم لديها علاقة متينة وإرتباطات وثيقة بالجماعات السلفية الموجودة في المدينة، لكن رغم هذا ظلت جماعات المخيم حتى الآن نائية بنفسها عما يحدث خارج المخيم، ولم تتدخل لا ببيان أو حتى إشارة بسيطة للإعلان عن تأييدها للفئة التي ترتبط معها بتحالف وعقيدة!
يقول متابعون لأمن المخيم أن القيادات الفلسطينية في عين الحلوة من منظمة التحرير وفصائل التحالف والقوى الإسلامية، تعقد لقاءات شبه يومية لإبقاء المخيم بعيدا من التوترات التي تحصل على مقربة منه. واستطاعت أن تسحب من السلفيين تعهدات بعدم الإنخراط بالاحتجاج السلفي الصيداوي على سلاح المقاومة أو تأييده كونه شأنا لبنانيا داخليا.
إضافة إلى ذلك، يبدو أن التنسيق بين القوى المؤثرة في المخيم والجيش اللبناني يعيش أحلى أيامه. إذ توصّلت هاتان الجهتان إلى اتفاق اقتضى بمتابعة ورعاية أمنية من قبل الجيش اللبناني لما يستجد في المخيم، وأن ينتدب الجيش اللبناني أحد ضباطه للمشاركه في إجتماعات التنسيق الأمنية التي تعقد فيه أسبوعيا.
ثمة أسباب ليست غامضة تقف خلف هذا الترتيب الفريد أو الجديد من نوعه في عالم عين الحلوة، الذي اعتاد سكانه على تصدره في اجتذاب التوترات الأمنية!
وتؤكد معلومات أن مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم الذي دخل مؤخرا على خط ترتيب أوضاع مخيم عين الحلوة الأمنية والسياسية والإجتماعية أوصل المخيم إلى هذه الحال من الإنسجام والإستقرار، بالتنسيق والتعاون مع القوى الفاعلة في المخيم وفاعليات صيدا السياسية بالطبع.
اللواء عباس ابراهيم مدير عام الأمن العام اللبناني و”السوري”، كما يطلق عليه، كان قد أوصله حزب الله إلى هذا المنصب الأمني المتقدم، بعدما أثبت ولاءه لقيادة الحزب والنظام السوري في ملفات أمنية حساسة تتعلق بسلاح المقاومة وشبكة اتصالاتها، خلال فترة خدمته الطويلة في جهاز مخابرات الجيش اللبناني. وأيضاً في ما يتعلق بملاحقة معارضين سوريين في لبنان/ وضبط الحدود في منطقتي البقاع والشمال بعيد الثورة السورية. وقد حمّله الرأي العام اللبناني مسؤولية إثارة الفتنة في طرابلس إثر اعتقال السلفي “شادي المولوي”، بينما وجه إليه حزب الله لاحقا صفة “العين التي ارتفعت على الحاجب” في ترتيب أمن عين الحلوة، دون الرجوع إلى قيادة الحزب الأمنية.
اللواء ابراهيم في علاقته مع حزب الله ومسؤوليته عما جرى في طرابلس هو غيره في ما يتعلق بالمخيمات الفلسطينية، إذ يبدو أن المخيمات الفلسطينية في لبنان هي خط أحمر بنظر اللواء.
“عديل” فلسطيني متموّل
فاللواء هو “عديل” شخصية فلسطينية في منظمة التحرير، تقيم في عمّان. ويوجد بين الصهرين، إضافة إلى العلاقة العائلية المتينة، علاقة يمكن وصفها بالإقتصادية، كون العديل الفلسطيني من المتمولين الكبار في عمان.
معركة إيصال عباس ابراهيم لقيادة الأمن العام “خطأ استراتيجي”!
كذلك أمّنت هذه المصاهرة للواء ابراهيم علاقة متفرعة برجل منظمة التحرير توفيق الطيراوي، المسؤول حاليا عن متابعة ملف التحقيق بقضية اغتيال عرفات! وعليه فتحت له هاتان العلاقتان الباب على مصراعيه للوصول إلى قلب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي أوكل إليه مهمة ترتيب أوضاع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بعد توليه رئاسة الأمن العام اللبناني. الأمر الذي أثار استياء حزب الله فبعثت إليه قيادته رسالة عتاب شفوية اتهمته بـ”قلة الوفاء”، وذكّرته أن المنصب الذي حصل عليه كان بجهدها! فأجاب اللواء أن حصوله على هذا المنصب تم “بكفاءته وليس مِنّة من أحد”!
حزب الله بات يعتبر الآن أن معركة إيصال “عبّاس ابراهيم” إلى سدة “الأمن العام” كان “خطأ استراتيجياً! وقد بدأ بشن حملة شائعات ضده، تتناول شخصه ومصادر أمواله وانقلابه المفاجئ على “ولي نعمته” بعدما ذاق “حلاوة القيادة” كما يصفونه!
من جهة أخرى يبدو أن السلطة الفلسطينية ثمّنت مواقف ابراهيم في ملف المخيمات، فمنحه الرئيس عباس، في شهر حزيران/يونيو الماضي، الجنسية الفلسطينية وجواز سفر فلسطينياً كـ”هدية رمزية” تقديرا لجهوده!
في النهاية، يبقى سؤال: ما هي مصلحة حزب الله في اتساع ظاهرة الشيخ الأسير إلى عين الحلوة”؟ وفي بروز دعمٍ “سلفي” فلسطيني لظاهرة الشيخ المناوئ لحزب الله وحركة أمل؟