خريطة طريق الحج من القسطنطينية إلى مكة- مكتبة الإسكندرية
الترجمة من التركية: مصطفى إسماعيل
خاص بـ”الشفاف”
تُنشرُ في الآونة الأخيرة خرائطٌ جديدةٌ لمنطقتنا الإقليمية يُستخلصُ منها: أنَّ بعض القوى بإمكانها تغيير منطقتنا الإقليمية بما فيها حدودنا المقدسة، رغم أني لا أنظرُ إلى الحدود التي يتم إظهارها بجدية، وأعدُّ رسمها من قبلهم نوعاً من البروباغاندا. لكنها ليست كذلك دائماً. فعقبَ الحرب العالمية الأولى شكلت بريطانيا المنطقة بما يخدمُ مصالحها، والذي حدثَ أنَّ المُقسمين – ونحن منهم – آمنَّا بقدسية هذه الحدود.
وقد ابتكرتُ تعبيراً آخر في هذا الخصوص: لو كان الإنكليز رسموا الحدود عبر بيتنا لكان والداي قد افترقا ولما كنتُ قد ولدت. مقصدي هو أن بريطانيا حين رسمت هذه الحدود لم تتقيد بالمعايير المتعارف عليها لرسم الحدود، بل نفذتْ مهمةً تتجاوزُ مفهومَ الحدود. سكة الحديد كانت خطنا الحدودي الفاصل مع سوريا. حدود الدولتين كانت سيئة، لكن الأهمَّ أنها كانتْ مهزلة.
لمدة طويلة لم يجرِ أي نقاش حول هذه الحدود. مثلاً أضحت بالنسبة إلينا مقدسة، وجرى تكليف الجنود بحراستها. رُسمت الحدود تحت تأثير فكرة السيطرة على النفط. مع مرور الزمن خفَّ التأثير البريطاني وبدأ التنافسُ في المنطقة. يحزنني أننا أصبحنا جزءاً من موضوع التنافس، إذ يجذبنا الآخرون الساعون للسيطرة على النفط إلى جانبهم.
لكن أهمية المنطقة أنها ليست مُحددة بالنفط فقط! ربما بعد فترة وجيزة يخسرُ هؤلاء النفط كمصدر للطاقة، ولن تستطيع قوة عظمى ممارسة تأثيرها إذا انسحبت إلى داخل حدودها. إذ أن التأثير السياسي متلازم مع التأثير الاقتصادي الإيجابي. الاستمرارُ كقوةٍ عظمي يستدعي تفوقاً استراتيجياً. أيضاً فإن القوة العظمى لا تهدفُ إلى تأمين مصادرها من النفط الذي يعد اليوم أهم مصدر للطاقة فقط، بل هي مضطرة لأن تكون مؤثرة لكي تتحكم بالاحتياجات الأهم لمنافسيها أيضاً.
القوى العظمى وبدلاً من السيطرة على منطقتنا مباشرة، فإنها توَّدُ دعم قوة إقليمية للحيلولة دون لجوء القوى الأخرى المنافسة إلى الحرب النفسية.
القوة العظمى بدلاً من تجميع كل دول المنطقة الإقليمية في إطار ما، فإنها تعمدُ إلى اختيارِ دولةٍ قائدة في المنطقة. ويُسّهلُ من مهمتها في ذلك التقارب التاريخي والثقافي وانتماء الجميع إلى الدين نفسه. الدول المرشحة اليوم لزعامة المنطقة هي: تركيا، مصر، وإيران. لكن الانقسام الشيعي – السني غير المتحكم فيه يشكل أداة استخدام صعبة. القوى التي تريد أن تكون مؤثرة في المنطقة هي الولايات المتحدة، روسيا، أوربا، والصين. أعتقدُ بوجود توافقٍ بين بعض هذه الدول، الولايات المتحدة وروسيا من جهة، والصين وأوربا في الجهة المقابلة.
الصين وأوربا تريدان إيران لزعامة المنطقة، فيما الولايات المتحدة وروسيا تدعمان تركيا، وتُحضّران مصر للعب دور وإذا اقتضت الحاجة ستتحركان معها.
قد يكون تحليلي خاطئاً ولكن معرفة مدى صداقة الدول ومدى تضادها يحتاج إلى تخمين الأهداف البعيدة لهذه الدول، وأي السياسات ستنتهجها لتحقيق تلكم الأهداف.
الذي ليس لديه أهمية استراتيجية لا أهمية لمعارضته ويمكن تجاوزه.
تركيا في موقع متقدم على هذه اللوحة، لكنها ليست في موقع نيل الاعتراف بنموذجها من الدول الأخرى. لهذا عليها السير قدماً في اتجاه نيل الاعتراف. والعقبة التي تواجهنا هنا هي تحريك التوافقات الضمنية بين هذه القوى، وجعل أحزابنا تفكر بمستقبلها هي لا بمستقبل البلاد (يسخر الكاتب من الأحزاب التركية ).
ملاحظة : ماهر كايناك من كتاب الأعمدة في صحيفة ستار Star التركية اليومية.