لم أعد أطيق متابعة الأحداث من خلال شاشة التلفزيون أو الكومبيوتر، كما لم أستطع إقناع نفسي بأن ما يحدث على الأرض هي ثورة شباب فحسب، وأن علاقة جيلنا بها لا تعدو كونها مجرد إحساس بتحقق الحلم الذي عانينا كثيراً من أجله… فقررت أن أنخرط في الشارع لأعيش الحلم بحواسي ومشاعري، ولأكون صوتاً في جوقة تنشد للحرية في شوارع مدينة سورية. إنه إغراء لا يوصف لمن قضى عمره في الخوف والتنكيل من نظام الفرد الواحد والحزب الواحد والأجهزة الأمنية المتعددة.
وبنشوة لا توصف، لبست حذائي الرياضي، وأخذت سيارة أجرة إلى ساحة “الشيخ ضاهر” في اللاذقية، في جمعة التحدي، 8 نيسان. وقبل أن نصل الساحة، توقف السائق بعد أن شاهد تشكيلات متنوعة من عناصر الأمن والجيش.
ترجَّلت من السيارة، وهرعت إلى مدخل شارع القوتلي. بدت المظاهرة في نهاية الشارع، عند ساحة “أوغاريت”، فانطلقت مسرعا باتجاهها. وعلى امتداد الشارع، كانت مجموعات من الأمن أو من يساندهم من الشبيحة، يحملون في أيديهم العصي المتنوعة، كخشبة انتزعت من مكان ما أو عصي من النوع الذي يُركَّب على الأدوات الزراعية.
كان منظر هؤلاء مرعباً، والشارع مقفراً، وشعرت بخوف من أن ينهالوا عليَّ بالضرب في أية لحظة، ولكنني تابعت كمن يركض وراء حلم غامض. وبعدهم كان العشرات من شرطة الشغب يتسلحون بعتادهم، وهم صغار في السن، وعلى وجوههم براءة الأطفال. لم أشعر بالخوف عند مروري بجانبهم، بل شعرت بشفقة أبوية نحوهم.
حين بلغت المظاهرة مشيت بمحاذاتها، والتقطت الصور بخوف في البداية… ثم تجرأت ونزلت من الرصيف إلى الشارع، فصرت بين الحشد… ثم رددت شعاراتهم في نفسي… ثم رددتها بصوت سمعته وحدي.. ثم اختلط صوتي بأصوات الآخرين، وهنا شعرت بقشعريرة لذيذة، وبشيء من الاعتزاز بالعلاقة التي تربطني بأبناء وطني.
لم أكن أعتقد أن الأمور منظمة هكذا، كان الإيقاع منسجما والهتافات تتبدل، ليتخللها بين الفينة والأخرى الشعار الرئيسي: “الشعب يريد إسقاط النظام”، وكانت الحناجر ترتجُّ بقوة عند ترديده. ورأيت أشخاصاً ينتمون إلى كل الطيف الاجتماعي، وكان الشعار الأكثر ترديدا أيضاً يحض على عدم التفرقة الدينية والطائفية، كرد على محاولات إثارة الفتنة في هذه المدينة التي تشعر فيها بوطأة الاستبداد، جنباً إلى جنب مع مظاهر الحرية والتنوع الاجتماعي الذي يشعرك بالبهجة، ويجعل الحياة فيها حلوةً رغم كل شيء.
تقدَّمت المظاهرة حوالي عشرين امرأة وفتاة، رفعت إحداهن لافتة كتب عليها: “شبابنا خط أحمر”. وعندما مرت المظاهرة تحت منزل أحد أعضاء “مجلس الشعب”، الذي لا علاقة للمضاف فيه بالمضاف إليه، نعته المتظاهرون بالجبان. ومن إحدى الشرفات فتح شاب كيس أرز وبدأ ينثر حباته على الحشد، كمن يبذر أرضاً بكراً.
انتهت المظاهرة باعتصام في إحدى الساحات، وشكل بعض المشاركين حلقة كبيرة توسطتها النساء… واستمر ترديد الشعارات، علاوة على بعض مظاهر التضامن الاجتماعي التي تُفتقد في الحالات العادية.
ركبت سيارة أجرة كانت تنتظر قريبة من مكان الاعتصام، وبدا من أسئلة السائق وحديثه أنه رجل أمن، فقال أن عدد هؤلاء قليل وإن القنوات التلفزيونية مغرضة، ومثال عليها قناة “العبرية” يقصد “قناة العربية”… عقلية بائسة تجر وراءها أتباعاً تزيَّف وعيُهم في لحظة خوف أو ارتباط مصالح، يمكن أن تجد بعض التفسير لهذه الحالة في كتابات المفكر الإيطالي “غرامشي”، عندما علَّل تشكل الوعي الجمعي في مرحلة الفاشية.
وأثبت السوريون أنهم لن يقبلوا رشاوى النظام، فرفض الأكراد رشوة الجنسية بكبرياء، وعبروا في الشارع عن وحدة مطالبهم مع كل أطياف الشعب السوري. ولم يُجدِ النظام نفعاً وعده بمحطة فضائية دينية (أفيونية)، وعودة المنقبات اللواتي تم فصلهم من التعليم، لإرضاء المتدينين، مع أن شيوخ النظام هللوا لهذه المكرمات. وليس للأقليات الأخرى من رشاوى سوى التخويف، لتبقى صامتةً في وقت لا يجدي فيه الصمت نفعاً!
وبينما كنت استعيد مشاعري بهدوء في المساء، سمعت طلقات نار غزيرة قرب مكان الاعتصام، وعرفت أن الهدوء الحذر الذي عايشته في المكان، وانتهاء المظاهرة بدون مشاكل، كان أمراً عارضاً. جرحى… وربما قتلى أيضاً سقطوا، ولكنها جولة واحدة وحسب.
إذا كان النظام قد أجاد اللعب بالأوراق الخارجية بجدارة على حساب حرية شعبه ومصالحه، فإن لعبه بالأوراق الداخلية لضمان سيطرته على المجتمع يبدو بائساً ومكشوفاً، لأن شعب سوريا استفاق، ووحدة أبنائه تتشكل على الأرض، وتتعمد بالتضحيات. ولن ينسى شعب سوريا من يقف إلى جانبه في هذه الأوقات الصعبة، ولا من يتناساه من جوقة التزييف المقاوم والممانع.
mshahhoud@yahoo.com
كاتب وأستاذ جامعي سوري
حين تعيش وطنيتك السورية على الأرض
انا ايضا اذكرك من الجامعه يا دكتور منير و اذكر ابنك واعد لما كان صغير يلعب بالسكن الجامعي,واعد اكيد واعد صار شب هلق. لك كل الاحترام, امثالك يبرهنون اننا نحن العلويين ضد هذا النظام
حين تعيش وطنيتك السورية على الأرضالله عليك يا د.منير شحود لا زلت أذكرك من أيام الجامعة…والله استغربت وقت يللي شفت صورتك بالمقالة.لا أقول سوى حسبي الله ونعم الوكيل على ما يحدث في سوريا..كذب وخلط ..لك شو طائفية ومدري شو … لك كلو كذب بكذب لك نحن أحلى شعب بالتعايش .. أنا درست بمدارس الراهبات بحلب و لهم فضل علي لأموت ما بنساها هالايام الحلوة لك حتى والدي كان يقول لي أنو يهود حلب كانوا من أرقى يهود العالم و أن حلب خسرت أبنائها اليهود.نحن ما عنا شيء اسمو طائفية ..بس مشكلة الرئيس وعائلته أنهم عم يحاولوا يثبتوا نظام حكمهم من… قراءة المزيد ..