لم يتحسّن الوضع في الشرق الأوسط فعلياً منذ أيلول (سبتمبر) 2000. ولم تسمح فوضى ما بعد الاستعمار لمجتمعات الشرق الأوسط بقبول الحداثة واعتماد الهوية العصرية بالسرعة نفسها شأن بلدان أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية غداة سقوط حائط برلين.
بالتالي، لا يمكن تحقيق الديموقراطية عبر إدخال تعديلات بسيطة على الأنظمة السياسية الموجودة، لتعزيز احترام حقوق الإنسان، وتسهيل إجراءات تسجيل المنظمات غير الحكومية أو حتى الأحزاب السياسية أو إرساء أنظمة انتخابية أكثر انفتاحاً. فالتغيير الحقيقي منوط بمقاربة أكثر شمولية من الحداثة. الا انه ما من طريق مختصرة يسلكها الشرق الأوسط باتجاه الحداثة أو تصحيح سريع يعتمده. وفي هذه الحال، وحدها سلسلة من الخطوات الصغيرة الصبورة والفعّالة تلائم الوضع وتمكن السيطرة عليها، يمكنها تسهيل الوصول إلى أدنى مستويات الاستقرار الذي قد يؤدي على الأمد المتوسط وبشكل تدريجي إلى التحديث والتقدّم العام.
انطلاقاً من هذا الافتراض، قام وفد من البرلمان الأوروبي أخيراً بزيارة إلى سورية. وكان الهدف الاطلاع على الوضع الداخلي الراهن فيها وعلى الإصلاحات السياسية والاقتصادية والوضع الاجتماعي، ودورها الاقليمي، والعلاقات مع لبنان، وحرية التعبير، ومدى احترام حقوق الانسان. أمّا الهدف الثاني من زيارة الوفد فكان تقييم ماذا نستطيع أن نفعل مباشرة، بصفتنا برلمانيين أوروبيين؟ ما عسى أن تكون هذه الخطوات الصغيرة التي نقترحها والمصممة لتتأقلم مع الوضع ويمكن أن نوصي بها على أساس أوروبي؟ أي نوع من السياسات يمكن أن نوصي بها كلاً من المجلس الوزاري والسوق الاوروبية؟
كان أساس عملنا الحصول على إجابة واضحة عن السؤال التالي: هل نصدق على اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وسورية؟ هل ننفتح أكثر على دمشق؟ هل نقرّبها أكثر إلينا؟ هل نضع حداً للرفض القاطع الذي اعتمدناه حتى الآن، أي بتعبير سياسي: هل نصغي أكثر إلى الاصوات الاشتراكية في فرنسا والمانيا؟ صحيح أن سياسة الاتحاد الأوروبي حيال منطقة حوض المتوسط لا تزال ميداناً أوسع بالنسبة إلى الاشتراكيين منها إلى الديموقراطيين المسيحيين. فرئيسة الوفد بياتريس باتري هي عضو في الحزب الاشتراكي الفرنسي. وبالتالي، يميل أعضاء هذا الحزب طبيعياً إلى العودة من الزيارة بأخبار سارة الا وهي التوصية بالانفتاح على سورية.
استخدمت الوعود التي قُطعت بعد مؤتمر حزب البعث الذي عقد في يونيو (حزيران) 2005 كمنطلق للتقييم. بدأنا بطرح الأسئلة حول التنمية الاقتصادية. مكثنا في فندق «فور سيزنز» الجديد في دمشق، ورأينا المراكز التجارية الجديدة وسيارات «بورش» والشابات الأنيقات برفقة رجال الأعمال الانيقين من الشباب. وخلال اجتماعنا مع نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبدالله الدردري، طرحنا الكثير من الأسئلة ذات الصلة بالاقتصاد السوري. أجاب : «جيد أن يستثمر الأوروبيون هنا، بدلاً من الصين، فاقتصادنا ينمو بسرعة فائقة». «ماذا عن الموازنة»؟ سألناه، وهل يتم الاعلان عنها؟ اجاب: «نعم. سوف ننشر موازنة الحكومة العامة هذه السنة». «هل ستشمل الإنفاق العسكري؟» «نعم، مع الانفاق العام، طبعاً من دون أي تفاصيل». «كيف يمكن الحصول على نسخة منها»؟ «على المواطن توجيه رسالة إلى البرلمان أو إلى وزارة المال فيحصل على الجواب». لذلك فنصيحتي إلى السوريين هي أن يبعثوا برسائل إلى السيد عبدالله الدردري طالبين منه الاطلاع على الموازنة العامة للجمهورية العربية السورية. سألت بعدها السيد الدردري هل تتم استشارة أعضاء «إعلان دمشق» في النقاشات حول الإصلاح الاقتصادي؟ فحصلت على جواب غريب: «سورية بلد مميّز، لا نستطيع أن تكون عندنا حرية صحافة كما في أوروبا». وباشر بشرح طويل حول الأسباب التي تدعو إلى اختلاف حرية الصحافة في سورية عن تلك التي في أوروبا.
يمكن ان تستفيد سورية كثيراً من الإصلاح الإداري، أي اللامركزية الضرورية التي تمنح سلطات أوسع للمناطق. سألنا: «أين اصبحت وعود آخر مؤتمر للحزب»؟ اذ لم تطلق أي إصلاحات إدارية وما زالت قيد التفاوض في البرلمان السوري. «متى تنتهي المفاوضات»؟ لا جواب. كذلك خلال المؤتمر، وعد الرئيس بشار الأسد بسنّ قانون حول التعددية السياسية يسمح بتسجيل الكيانات السياسية المنافسة لحزب البعث. «متى يصدر مشروع القانون»؟ لا جواب.
حصلنا على الجواب نفسه على كل موضوع تطرقنا إليه. سورية مختلفة. سورية فريدة من نوعها. وبالتالي، بصفتها تلك، لا تستطيع أن تكون عضوًا عادياً في المجتمع الدولي أو في مجموعة دول الشرق الأوسط. سورية مختلفة إلى حدّ أنّها تقيم علاقات مختلفة مع الدول المجاورة. تسمح لنفسها بالتدخل وبالتعاون علنًا مع تنظيمات لا تمانع في القيام بأعمال عنف. ونتيجة رؤيتها الخاصة لفرديتها، حشرت سورية نفسها في وضع صعب: «لا سلام من دون سورية». والرسالة الى اوروبا واضحة: «يا أوروبا! تستطيعين فعل أي شيء في الشرق الأوسط. تستطيعين التحدث مع لبنان والعمل على الملف الفلسطيني -الإسرائيلي. يمكنك أن تحاولي الحدّ من التطرف ودعم المبادرة العربية. إذا حاولت فعل كل هذا من دون القبول بشروط سورية الفريدة، فسوف نقوّض جهودك جميعها. لن نسمح لك بإرساء أي سلام في المنطقة. لا سلام من دون سورية».
أمّا العصرنة والهوية الحديثة للبلد، فلا يمكن أن تأتيا إلا على الطريقة السورية. استعددنا ودخلنا القصر الرئاسي. كان الرئيس بشار الأسد يشرح أفكاره: «إيران صديقة لنا منذ حربها مع العراق. وقد بقيت معنا. أما أنتم الأوروبيون فقد تخليتم عنا. لا نرى أي سبب يدعونا لعدم مواصلة صداقتنا مع إيران. يحق لإيران امتلاك الطاقة النووية لأغراض مدنية. ويحق لها التخصيب لأغراض مدنية. لم يحن الوقت بعد لتحسين العلاقات مع لبنان. وجود سفارة لنا في بيروت يشكل دلالةً على العلاقات الطيبة، لكن كثير من اللبنانيين هم معادون لسورية. ولو كانت لسورية سفارة في بيروت لأغلقتها. نريد الاستمرار في المحادثات مع اسرائيل، ونريدكم أن تبلغوها بذلك. فلا سلام من دون سورية».
وسألنا الرئيس الاسد: «ماذا عن ميشال كيلو وأنور البنّي وكمال اللبواني؟ هل أنتم على استعداد لمنحهم العفو»؟ اجاب: «لقد اجتمعوا في لبنان ووقعوا معاً على رسالة تدعو الولايات المتحدة الأميركية إلى احتلال سورية. وما لم يعترفوا بذلك، لن اسمح بخروجهم من السجن». «ماذا عن دور روسيا؟» قال: «الاتحاد الأوروبي لا يعترف بأنّه لا يمكن تحقيق السلام من دون سورية. ولذلك لا يلعب الاتحاد الأوروبي أي دور. أما روسيا فهي نقطة توازن جيدة».
لم تكن هناك أي إشارات نحو التفاعل، أو الاستعداد للإصغاء أو التعاون أو امكان أن تصبح سورية واحدة من الدول العادية في شرق اوسط حديث عادي. لا يجسد الرسميون الذين التقيناهم الحداثة. بل يمثلون العكس: إبقاء سورية في ظل الأحكام العرفية، تربطها علاقات غير ودية بلبنان، وتتعاون مع التنظيمات المتطرفة وتفتح الباب أمام الوجود العسكري الروسي.
التقينا بعدها رسميًا برياض سيف وغيره من الشخصيات ومنهم اعضاء في «إعلان دمشق». وكانوا ممتنين للاجتماع بنا. قالوا ان هذا الاجتماع يمنحهم اعترافاً مهماً. أدركت أنّه علينا إيجاد شركاء جدد للعمل معهم. فالتعاون الديموقراطي مع مجموعة المنضوين تحت مظلة «إعلان دمشق»، الذي يمكن أن يخرج بنتائج يعتبر في نظري حلاً عصرياً كي تكون سورية جزءاً من عملية السلام.
* السيّدة Janna HIBASKOVAعضو من جمهورية تشيكيا في البرلمان الاوروبي
(الحياة)