عقد المكتب التنفيذي (الموقت) لـ«ائتلاف الديمقراطيين اللبنانيين»، اجتماعه الدوري، بحضور كامل الأعضاء. ترأس الاجتماع عضو المكتب لقمان سليم، وعاونه في إدارة الجلسات نضال أبو شاهين. بعد التباحث في جملة من المسائل التنظيمية، واستعراض لمجمل المشهد السياسي الداخلي والإقليمي، وبناء على اقتراح عدد من الأعضاء، قرر المكتب أن يُقْتَصَر البيان الصادر عن اجتماعه على بند واحد هو قراءةٌ في الذكرى الثامنة على اندلاع حرب تموز 2006 في ظل الحرب الدائرة بين حماس وإسرائيل.
في الذّكرى الثامنة على اندلاع حرب تموز التي اتخذَ لها حزبُ الله مِنْ تحرير الأسرى أسباباً موجبة، وسَوّقَ ما انتهت إليه بوصفه نصراً إلهياً مؤزّراً، تحتدم الحرب بين حماس وإسرائيل، ولا يملك الناظر إلى المشهد الفلسطيني الدامي إلّا أنْ يستضيئَ به لمراجعة مشهد الأمس اللبناني واستخلاص ما يترتب على هذه المراجعة من خلاصات:
بعد ثمانية سنوات على اندلاع حرب تموز 2006، وإذ يتردى لبنان أسفل سافلين، آن أوان التصارح في شأن هذه الحرب التي كلّفت لبنان، ونسيجه الوطني، أثماناً باهظة، وآن للبنانيين أن يضعوا حداً لمسلسل ابتزازهم تحت عنوان «المقاومة» وأن يواجهوا حزب الله ببعض الحقائق، ومنها أن استدراجَهُ الحربَ على لبنان واللبنانيين في عام 2006 إنما هدف، في عداد أمور أخرى، إلى الخروج من المأزق الذي كان يجد نَفْسَه فيه، (ومعه النظامين السوري والإيراني).
فإذ كُتِبَ الفشل لمحور الممانعة في احتواء القرار الدولي 1559 من خلال اغتيال رفيق الحريري باعتبار ما تبع هذا الاغتيال من انتفاضة شعبية سيادية، ومن إرغام لجيش النظام السوري على الانسحاب من لبنان، ومن إنشاء لمؤسسة قضائية تضع حداً للإفلات من العقاب، وما تبدى من إرادة دولية لمساعدة اللبنانيين على بناء دولة مؤسسات لا شريك لها، بادر حزب الله إلى استدراج الحرب. ولكن هذه الحرب، مع الاعتراف بأنها اشترت لحزب الله بعض الوقت، لم تخرجه من مأزقه. فالنصر الإلهي المزعوم شيء، ومندرجات القرار 1701 الذي أنهى تلك الحرب شيء آخر؛ وخير دليل على ذلك أن حزب الله، منذ نهاية تلك الحرب في هروب دائم إلى الأمام.
فعندما سُدّت في وجهه أبواب «المقاومة» جنوباً يمّم شمالاً فكان اعتصام 2007، ثم كانت حملة أيار 2008 التأديبية، فإسقاط الحكومة في 2011، وما هي أن اختمرت مقدمات التغيير في سوريا، وانتفض الشعب السوري، حتى سارع حزب الله، إنفاذاً للأمر الإيرانية، إلى «المقاومة» في سوريا دفاعاً عن نظام الأسد ومشاركة له في الحرب على شعبه، ومن يدري فلعلّ هذا الهروب إلى الأمام أن يسير به إلى بغداد وما بعد بغداد.
بناء عليه، وكما أن حرب تموز 2006 لم تسقط على رؤوس اللبنانيين بقدرة قادر من السماء، فإن حرب غزة 2014 لا تسقط اليوم على رؤوس الفلسطينيين من السماء. إن هاتين الحربين لا تتشابهان فقط في أن الطرفَ المُتَسَبّبَ بهما، في لبنان كما في فلسطين، هو طرف يتوسل بـ«المقاومة» للمروق على الشرعية وعلى الإجماع الوطنيين، وللمنافحة عن مشروعه الخاص المزاحم لفكرة قيام دولة هنا وسلطة وطنية هناك، ولكنهما تتشابهان أيضاً في أن الطرف المُتَسَبّبَ بهما يثبت أنه لا يَسْتَغلي ثمناً بشرياً أو مادياً لتعويم نفسه، ولشراء مزيد من الوقت ومن المبررات لمشروعه ذاك.
بعد ثمانية سنوات على اندلاع حرب تموز 2006 لا بد من مصارحة اللبنانيين، لا سيما الشيعة منهم، بأن الاستقرار النسبي الذي ينعم به جنوب لبنان، والذي يحوّل هذه المنطقة اللبنانية إلى الملاذ الشيعي الآمن بامتياز، قياساً بالضاحية وبالبقاع الشمالي ــ وهو استقرار يحرص عليه حزب الله قبل سواه ــ إنما الفضل فيه لما كان من تدويل فعلي لجنوب الليطاني، ببركة القرار الدولي 1701، الذي أعاد الجيش اللبناني إلى تلك المنطقة اللبنانية، وضاعف من عديد القوات الدولية ووسع من مسؤولياتها. إن هذه المصارحة لا تستمد قيمَتَها من نفسِها فقط ولكن لما يُمكن أن يترتب عليها من مواقف وسياسات. إن أهل المناطِقَ اللبنانيّة الحدوديّة المحاذية لسوريا، من أقصى الشمال إلى أقصى البقاع، باتوا ينظرون إلى الجنوب، وإلى ما ينعم به من استقرار ومن ازدهار، نظرة غيرة وحسد ويتمنون، تحت وطأة ما يعانون منه من ضغوط أمنية واجتماعية، لو أنَّ كلّ الحدود اللبنانية كانت محاذية لإسرائيل ولو أن الـ 1701 يعمهم هُمُ أيضاً.
مع تواصل العمليات العسكرية، من المبكر، احتراماً لمن يسقط نتيجة هذه العمليات من ضحايا مدنيين، الحديث عما بعد حرب غزة 2014، وعما سوف يكون لهذه الحرب من مترتبات على المستوى السياسي. ولكن الصيامَ عن هذا الحديث ليس سبباً كافياً للإمساك عن التصريح جهاراً بما يهمس به الكثير من اللبنانيين ومن الفلسطينيين وغيرهم على حد سواء: الهروب إلى الحرب ليس مقاومة!
١٢ تموز ٢٠١٤