استقبلت قيادة «حماس» — في غزة ودمشق على حد سواء، وبصورة أقل في الضفة الغربية — استئناف المحادثات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين بفيض من التصريحات المتناقضة، وهو أمر لا يثير الدهشة. وبقيامها بوصف العملية كـ “خيانة لـ “القضية” الفلسطينية، تجادل الحركة بأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يفتقر إلى “التفويض” اللازم لتمثيل شعبه. وقد ذهب زعيم المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل إلى حد تسمية عباس بـ “صفر”، وسط اتهامات بـ “الخيانة” و”التضليل”. ونشرت الجماعة أيضاً استنكاراً صارخاً للتعاون المتنامي بين الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية ونظيراتها الإسرائيليية. ووفقاً لمتحدثين باسم «حماس»، تشكل “المقاومة” المستمرة والإلتزام العنيد بـ “المعتقدات الأساسية” للنضال الفلسطيني، السبيلين الوحيدين الذين سيمهدان الطريق إلى الأمام.
إذا وضعنا فن الخطابة جانباً، [فإن الأسئلة التي تثار هي] كيف سترد «حماس» فعلياً على أرض الواقع عندما تتجلى إلى العيان تفاصيل المفاوضات التي تم استئنافها من جديد برعاية الولايات المتحدة؟ هل ستحاول إحباط المحادثات بالقيام بأعمال عنف منذ البداية، أم ستحد من الهجوم المضاد وتركزه على المجال السياسي؟ هناك عدة مؤشرات كاشفة تشير بأن القيادات العليا للجماعة قد أجرت بالفعل مناقشات مكثفة وراء أبواب مغلقة حول هذه الأسئلة، التي تم تجسيدها إلى حد ما بقيام إيران وسوريا ببحثها مع [رؤساء الحركة].
بين غزة ودمشق
عندما أجرت «حماس» مداولات حول تحركاتها المقبلة، اضطرت الحركة إلى تغيير بعض عناصر عملية صنع القرار النموذجي التي تتبعها. وقد أدى قرار مصر رفض السماح لقيادات الجماعة مغادرة غزة إلى تعقيد الأمور بسبب منع قيام اجتماعات وجهاً لوجه [بين أعضاء] “المكتب السياسي” للحركة في دمشق. وقد اضطرت الجماعة أيضاً على ما يبدو، إلى الحد من إجراءاتها المعتادة حول طلب المشورة من نشطاء «حماس» البارزين في السجن. وبالتالي، انفصلت عملية اتخاذ القرارات بين أعضاء الحركة في غزة ودمشق، حيث أن قيادة الضفة الغربية — التي يترأسها حالياً عمر عبد الرازق من سلفيت — قد أُهملت إلى حد كبير من المشاركة في المناقشات. ومع ذلك، توفر المداولات والتطورات الناجمة عنها توقعات عادلة حول مسار الجماعة على عدد من الجبهات.
حول المفاوضات المباشرة
مما لا شك فيه أن «حماس» ستتجنب إعلان حملة مفتوحة لتخريب المحادثات — وقد قال أحد قيادتها البارزين في غزة محمود الزهار: “لستَ بحاجة لإحباط ما هو محكوم عليه بالفشل على أية حال”. وقد واجه هذا التصريح العديد من التعليقات السلبية من جمهور أفراد أعضاء قاعدة «حماس» وبعض التابعين لإمرة خالد مشعل في دمشق، مما يعكس التوتر بين الزعيمين. وكان الزهار قد اتهم مشعل بصورة غير علنية، بأنه “يحاول تجسيد نفسه كعرفات جديد”.
ومع ذلك، إذا وضعنا جانباً الخلافات الداخلية داخل الحركة وإصرار الجماعة بأن عباس لا يمتلك أي شرعية للتفاوض، تؤكد «حماس» باستمرار أن نتائج المحادثات ستُظهر قريباً بأنه ليس هناك جدوى في السعي إلى التوصل إلى أي اتفاق مع إسرائيل. وردد القائد البارز في “كتائب عز الدين القسام” أحمد الجعبري — الذي غالباً ما يتحالف مع مشعل — هذا المعتقد في رسالته خلال شهر رمضان حيث قال أن “العدو لا يحني رأسه إلا للسيف والرصاص”. وبناءاً على ذلك، أكدت بدقة بيانات «حماس» وملاحظاتها التي جاءت في أعقاب عمليات إطلاق النار في الضفة الغربية بأن هدفها لم يكن عرقلة المحادثات، بل كانت مجرد انعكاس لعقيدة المقاومة التقليدية التي تتبعها الجماعة.
حول النشاط العسكري
تظهر عمليات إطلاق النار في الحادي والثلاثين من آب/أغسطس والأول والثاني من أيلول/سبتمبر، أن «حماس» قررت بذل جهد كامل نحو استئناف الهجمات في الضفة الغربية. وقد تجنبت الجماعة على مدى السنوات الثلاث الماضية القيام بهجمات كبيرة هناك، مفضلة استيعاب ضربات وتصوير نفسها ضحية لاضطهاد غير مشروع بدلاً من أن يُنظر إليها كمثيرة لهجمات انتقامية. وفي غضون ذلك، ألقي القبض على معظم عناصرها الإرهابية في الضفة الغربية من خلال جهود مشتركة قامت بها إسرائيل والسلطة الفلسطينية، بحيث تُركت الجماعة على ما يبدو دون شبكة تتفيذية ذات بقاء وقابلة للقيام بعمليات.
ومع ذلك، تشجع «حماس» الآن بعض الخلايا النائمة لكي تقوم ببعض العمليات، وتجري محاولات لإرسال عناصر جديدة من الخارج — غير معروفة لإسرائيل، أو السلطة الفلسطينية، أو الأجهزة الأمنية الأردنية — لإقامة بنية تحتية إرهابية جديدة في أراضي الضفة الغربية. وقد واصلت الجماعة أيضاً جهودها لإرسال عناصر من قطاع غزة عبر أنفاق رفح إلى سيناء بهدف التسلل إلى الضفة الغربية. ويبدو أن «حماس» تعتقد بأن شن موجة من الهجمات الإرهابية الناجحة ستخلق توتراً لا يحتمل بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، مما سيلقي ظلالاً قاتمة على سير المفاوضات.
ومع ذلك، فمن المهم أن يؤخذ في الإعتبار بأنه وفقاً لمصادر مطلعة داخل «حماس»، لا تعتزم الجماعة العودة إلى التفجيرات الإنتحارية. ويبدو أن قرارات داخلية سابقة حول الإمتناع عن القيام بمثل هذه الهجمات لا تزال نافذة المفعول، جنباً إلى جنب مع السياسة التي تحصر تنفيذ العمليات إلى داخل الأراضي الفلسطينية وإسرائيل. فعلى سبيل المثال، عندما أُطلقت صواريخ من سيناء على إيلات والعقبة في 3 آب/أغسطس المنصرم، أخبرت «حماس» المخابرات المصرية بأن الهجوم كان “مغامرة غير مرخصة” من قبل عدد قليل من الناشطين.
حول وقف إطلاق النار الفعلي في غزة
على الرغم من أن «حماس» تميل بوضوح إلى الحفاظ على الهدوء النسبي في قطاع غزة، إلا أنها قد سمحت — يُفترض بصورة مؤقتة — بحدوث ارتفاع ملحوظ في نشاط المتشددين. وقد شهد الأسبوعين الماضيين زيادة في عدد الهجمات التي شنت على إسرائيل باستعمال صواريخ القسام التي تم تحسينها محلياً (بحمولة تبلغ 10 كغم مقارنة بثلاثة كيلوغرامات في الماضي) وقذائف المورتر، بحيث وصل عدد الإطلاقات إلى أربعة يومياً. وتم تنفيذ العديد من تلك الهجمات من قبل حركة «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية، وعدة مجموعات سلفية مسلحة صغيرة، وحتى من قبل رجال ميليشيات سابقين من حركة «فتح» كانوا قد تحولوا مؤخراً إلى وحدة جديدة تعمل تحت قيادة «حماس».
وحتى الآن، اقتصر رد إسرائيل — على ذلك التهديد — على شن بعض الغارات الجوية ضد الأنفاق وورشات عمل «حماس»، مما أسفر عن خسائر ضئيلة. ومع ذلك، إذا نجحت «حماس» في شن سلسلة من عمليات إطلاق النار من السيارات ونصب كمائن في الضفة الغربية، ستزداد الضغوط لتكملة هذه العمليات بفتح جبهة ثانية تشمل القيام بضربات إضافية من قطاع غزة.
الموقف تجاه السلطة الفلسطينية
لقد أمرت «حماس» الآن أعضاءها أن يقاوموا بقوة أي اعتقالات من قبل قوات أمن السلطة الفلسطينية، وأن يستعملوا الأسلحة النارية كلما أتيحت لهم الفرصة. ولا يزال يتوجب على أعضائها في الضفة الغربية الإلتزام بهذا النظام الجديد، ومع ذلك، — فعلى الرغم من الإعتقالات التي قامت بها السلطة الفلسطينية واستهدفت نحو 400 من الناشطين في الأسابيع الثلاثة الماضية، ليس من المرجح أن تدخل الحركة في اشتباكات عنيفة مع السلطة الفلسطينية. وفعلاً، يشكو العديد من قادة «حماس» في الضفة الغربية بأن خالد مشعل وأتباعه في غزة لا يدركون حقيقة الأوضاع على أرض الواقع، ويصدرون توجيهات “لا يمكن” تنفيذها دون التشاور مع القيادة المحلية. وقد أظهرت العديد من هذه الشخصيات استياءها بعقدها اجتماعات عامة ومريحة مع عباس وخروجها في تظاهرات مشتركة مع «فتح»، احتجت فيها ضد الحاجز الأمني الإسرائيلي في الضفة الغربية. وفي الوقت الذي يقوم فيه قادة «حماس» في أماكن أخرى بتصعيد انتقاداتهم ضد السلطة الفلسطينية ويحثون على مواجهتها، تسير قيادة الحركة في الضفة الغربية في الإتجاه المعاكس، على الرغم من الضغط المستمر الذي تمارسه السلطة الفلسطينية ضد شبكة مؤسساتها، أو ربما بسبب هذا الضغط.
دور إيران وسوريا
لقد كانت إيران، وإلى حد أقل، سوريا سريعتين في إطرائهما على [قرار] تجديد الهجمات الإرهابية في الضفة الغربية، وهي خطوة دعمت رأي الشخصيتين المفضلتين لهما داخل «حماس»، وهما القائد البارز في “كتائب عز الدين القسام” أحمد الجعبري ونائبه مروان عيسى. وفي الوقت نفسه، ساعد كلا البلدين في التوسط للوصول إلى تفاهم سري بين «حماس» وحركة «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية لمنع حدوث المزيد من التدهور في العلاقات بينهما، ذلك التدهور الذي كان قد نشب عنه سابقاً وقوع اشتباكات مسلحة صغيرة في غزة.
وبتشجعهم من دعم هاتين الدولتين الراعيتين، اجتمع ممثلو 13 فصيلة فلسطينية في دمشق لكي يحرموا عباس من حق اتخاذ قرارات نيابة عن «منظمة التحرير الفلسطينية» — المحاور الفلسطيني الرسمي مع إسرائيل منذ اتفاقية أوسلو. وكان لهذين البلدين دوراً في إقناع «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» و«الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين» و«حزب الشعب» الشيوعي سابقاً، بحجب الدعم عن قرار الدخول في مفاوضات مباشرة. وقد حرمت هذه المناورة الرئيس عباس من أي دعم من خارج حركة «فتح»، في وقت كان فيه العديد من مسؤولي «فتح» قد تجنب تقديم دعمه بصورة علنية، أو — كما في حالة أحد زعماء الحزب محمد دحلان — أعرب عن شكوكه بشأن الحكمة من وراء هذه الخطوة.
وتعكس ردود فعل «حماس» الصراع الدائر بين الفصائل المختلفة بشأن مسار الحركة في المستقبل. وكان المدير العام الحالي لوزارة الخارجية في حكومة غزة الذي كان يقيم سابقاً في الولايات المتحدة، يوسف أحمد، قد عبر ببلاغة عن هذا النقاش حيث تساءل عما إذا كانت «حماس» تطمح في النهاية أن تصبح نسخة فلسطينية من حركة «طالبان» أو نسخة من «حزب العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا. وبعبارة أخرى، هل تريد الجماعة أن تصبح ميليشيا مسلحة تفرض تفسيرها للإسلام ولوجهات نظرها السياسية عن طريق القوة، أو طرف مدني يوجه [سياسته] وفقاً لقواعد الديمقراطية التعددية؟
خطر الإرهاب
انتقد معظم قادة «حماس» في الضفة الغربية بصورة غير علنية الجناح العسكري للحركة والطريقة التي يدير بموجبها قطاع غزة. فهم يؤيدون التوصل إلى مصالحة هادئة مع الرئيس عباس بدلاً من المواجهة ويشككون في فعالية “الكفاح المسلح” في هذه المرحلة. ويمكن إيجاد مواقف مماثلة بين بعض قادة الجماعة المخضرمين في قطاع غزة وحتى بين عدد قليل من الحاشية المحيطة بخالد مشعل في دمشق.
وعلى الرغم من ذلك، استطاع مشعل والقادة العسكريين في غزة وحلفائهم المدنيين السياسيين، الحفاظ على اليد العليا في الوقت الراهن. ونتيجة لذلك، هناك احتمال بأن يرافق التدهور المتزايد في العلاقات بين «حماس» والسلطة الفلسطينية، قيام مرحلة جديدة من الهجمات الارهابية — إلا إذا استطاعت وكالات الإستخبارات الإسرائيلية وتلك التابعة للسلطة الفلسطينية إيجاد وسيلة لإحباطها.
إهود يعاري هو زميل ليفر الدولي في معهد واشنطن ومقره في إسرائيل.
«حماس» وعملية السلام: المحادثات الجديدة تبرز التوترات الداخلية
Ghassan Barakat — barakatghassan007@hotmail.com
إهود يعاري هو زميل ليفر الدولي في معهد واشنطن ومقره في إسرائيل. إلى صحيفة الشفاف المحترمين الأجدر بكم بأن تقولوا في” فلسطين المحتلة” وأرجو المعذرة منكم ومع فائق إحترامي وتقديري لكم ولصحيفتكم