الخلفية الحقيقية للخلاف في قيادة الأمن الداخلي في لبنان هي الإختراق الطائفي الذي حقّقه “حزب الله” عبر عدد من كبار الضبّاط الذين يجاهرون بأنهم لا “يستطيعون” أن يبدوا رأياً في قضايا حسّاسة قبل “مراجعة قيادة الحزب”! يُضاف إلى ذلك ما عبّرت عنه جريدة “الأخبار” بوضوح، وهو “إنهاء إنجازات 14 آذار الأمنية”، أي ضرب “شعبة المعلومات”، وهي جهاز الأمن الوحيد المستقلّ عن حزب الله وعن النظام السوري! ومن هذه الزاوية، فقد أخطأت “القوات اللبنانية” حينما دعمت قائد الدرك من زاوية طائفية (مارونية) بحتة، وتناست الجانب الأهم وهو حماية وجود واستقلالية “شعبة المعلومات” من زاوية بناء مؤسسات الدولة. القَتَلة الذين خطّطوا لاغتيال الرائد وسام وعيد قبل سنة لم يتورّعوا عن تفجير سيارته لأنه كان ضابطاً “سنّياً”!
*
مروان طاهر بيروت الشفاف خاص
افادت المعلومات الواردة من بيروت ان الخلاف بين مدير عام قوى الامن العام اللواء اشرف ريفي وقائد الدرك العميد انطوان شكور قد طويت صفحته ولكن على الطريقة اللبنانية من دون ان “يفنى الذيب ولا يموت الغنم”.
وفي المعلومات ان الخلاف بين ريفي وشكور ليس خلافا شخصيا ولا بين مدير عام وقائد للدرك يخضع قانونا لامرته، بل في الاصل هو تضارب في الصلاحيات بين شعبة المعلومات التي يرأسها اللواء اشرف ريفي وقيادة الدرك. فالشعبة سرقت من الدرك وهج تحقيق انتصارات امنية على مستويات مختلفة في حين ان إنشاء الشعبة تم بطريقة مثيرة للجدل في اعقاب خروج الجيش السوري من لبنان وهي محسوبة على قوى الاكثرية النيابية.
وتشير المعلومات الى ان قائد الدرك لم يقـّر يوما بقانونية “الشعبة”، وتاليا لم يعترف بالقرارات الصادرة عن الرئيس الأعلى للشعبة الذي هو المدير العام لقوى الامن الداخلي ايضا اي رئيسه المباشر.
اما ما حصل مؤخرا فقد لخصه مصدر مطلع لـ”الشفاف” بالنقطة التي ملأت الكوب ففاض. والنقطة هي في الاصل قرارا اصدره وزير الداخلية اللبناني زياد بارود ومنع فيه قوى الدرك من وقف المخالفات التي تنشأ عن اعمال البناء واعتبر ان هذا الامر منوط بالبلديات، وحين تعجز البلديات عن القيام بدورها فهي تستنجد بقوى الدرك لتؤازرها. وتولى المدير العام اللواء اشرف ريفي تحويل قرار الوزير الى امر تنفيذي رفض قائد الدرك الاعتراف به وتنفيذه لأن هذا الامر يحجب عن الدرك مصدرا للرزق ناتجاً عن غض النظر عن مخالفات البناء لقاء رشى، واوقف الدرك اكثر من مئة وخمسين مخالفة بناء منذ إصدار القرار لان القائد لم يعترف باوامر مديره ولا الوزير؟!
ولأن القائد كذلك فهو درج على عصيان اوامر مديره وأمر عناصره بعدم تلبية اي طلب او اوامر تصدر عن “شعبة المعلومات” بوصفها غير قانونية وصادرة عن جهة غير معترف بها وطارئة على القوى الامنية، الى ان تراكمت اوامر المدير العام ورئيس شعبة المعلومات وصولا الى مذكرات تشكيلات بعناصر وضباط من الدرك لالحاق بعضهم بمرافقة الرئيس الحريري الامنية من الذين كانوا يرافقون والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري والذين تم تشريدهم واعادة توزيعهم على مراكز ومواقع امنية مختلفة بعد اغتيال الحريري. ولما استمر القائد في عصيان اوامر رئيسه، لجأ اللواء ريفي الى القانون الذي يخوله معاقبة موظف عاصٍ للاوامر وخيّره بين ثلاث عقوبات هي الزامه البقاء في مكتبه، او البقاء في المنزل من دون ممارسة اي مهمات من اي نوع، او سجنه ومحاكمته، من دون ان يلجأ ريفي الى توسيط السياسيين في الامر كونه لا يحتاج الى مداخلات سياسية في تنفيذ شأن إداري بحت. وحدد اللواء ريفي مهلة تنتهي عند الساعة الخامسة من يوم الخميس الماضي لكي ينفذ القائد اوامر رئيسه.
القائد شكور استمر في رفضه وحوّل الموضوع الى شأن سياسي يطال موقع الطائفة التي ينتمي اليها وهي الطائفة المارونية معتبرا ان موقعه هو للطائفة المارونية وان مديره من الطائفة السنية ويسعى الى الحط من قيمته مما يعني الحط من قيمة الطائفة المارونية متجاهلا الرتب العسكرية وقواعدها.
السياسيون وجدوها فرصة سانحة للتدخل فانبى لنصرة القائد شكور عدد من القادة الموارنة كل له اسبابه، وفي مقدمهم القوات اللبنانية التي اعتبرت ان معاقبة شكور لا تجوز طالما ان الحكومة لم تستطع تنفيذ قرارين شهيرين سابقين احدهما يتعلق بنقل قائد جهاز امن المطار وهو من الطائفة الشيعية من منصبه الامر الذي ادى الى اندلاع هجمات السابع من ايار واجتياح العاصمة من قبل مسلحي حزب الله وانصارهم، فما لا يصح على الامنيين الآخرين يجب ان لا يطبق على المسيحيين لانهم مستضعفون، وحين تستطيع الحكومة تنفيذ قراراتها في حق جميع الضباط على حد سوء عندها لا تمانع القوات او انها لا تعترض على معاقبة شكور او سواه.
العماد عون بدوره استشعر موقف القوات فقرر عدم الخوض في الموضوع من جانبه السياسي علما ان معلومات تشير الى ان القائد شكور ذو الجذور الكتائبية هو من انصار عون على ذمة الرواة. ولم يعلن العماد عون اي موقف علني سياسي من موضوع الخلاف بل قال بضرورة إجراء تحقيقات مسلكية ومحاسبة المسؤولين.
الوزير بارود والذي هو من ابرز المتضررين من الخلاف خصوصا انه عجز عن التدخل طوال سنتين من عمر الخلاف قرر بدوره التعاطي ببراغماتية مع الموضوع فاستمهل اللواء ريفي عدم تطبيق قراراته العقابية في حق القائد شكور لمعالجة الامر على طريقته ولما لم يفلح اعلن انه عاتب على اللواء ريفي لأنه لم ينتظر نتائج وساطته مع القائد. والوزير بارود اراد بدوره ان يلعب على الوتر السياسي والطائفي فحاول تسويف العلاج كي لا تحسب عليه قبوله بالحاق ضابط رفيع المستوى ماروني لإمرة مدير عام سني.
ولما كان لا بد من معالجة الامر تدخل رئيس الجمهورية وحل الخلاف على الطريقة اللبنانية. فعمد القائد شكور إلى تنفيذ اوامر المدير العام بعد ان عاد الى مكتبه في الساعة الثانية فجرا لاصدار اوامره بتنفيذ قرارات المدير العام على ان يتراجع المدير اللواء ريفي عن معاقبة شكور.
هذا الامر سحب الموضوع من يد الوزير بارود وأظهره بمظهر العاجز عن حل خلاف في وزارته بين إثنين من الموظفين، فقرر الاعتكاف ليرتكب بعدها خطأه الثاني بإعلانه ان مرجعيته هي رئيس الجمهورية وليس مجلس الوزراء الوزراء ورئيسه وهو وزير وليس مستشارا لدى الرئيس ميشال سليمان.
حل مؤقت لخلاف اللواء ريفي وقائد الدرك ومشكلة الإختراق الطائفي لأجهزة الدولة مستمرة
العدل اساس الملك وطالما ان كثير من النظم العربية وخاصة الثورية العسكرية تنظر للكرسي على انه يولد الذهب الذي تسرقه وتبني القصور للاسرة او الطائفة او الحزب الحاكم نتيجة امتصاص دم الشعوب فهي تعمل على استمرار تخلف الشعوب للمحافظة على هذا الكرسي وذلك باستخدام المافيات المخابراتية ونشر الفساد والرشوة وتهجير المفكرين والعلماء مما دمر البلدان وجعلها لقمة سائغة للاطماع الخارجية فانتشرت المليشيات الايرنية الارهابية وايضا القاعدة وغيرها لتدمير الانسانية