الكل يلعب، الآن، على المكشوف. فمعركة مصر، والمعركة على مصر، وفي مصر، لا تمنح أحداً رفاهية الحياد، ولا تمكن أحداً من ارتداء الأقنعة، بدءاً من الولايات المتحدة، وانتهاءً برافعي رايات “القاعدة” دفاعاً عن “الشرعية والشريعة” في ميدان رابعة العدوية.
وفي هذا السياق نلاحظ ما يلي:
أولاً، فرضت هجمات الحادي عشر من سبتمبر على الأميركيين أولويات، وتصوّرات، وخيارات سياسية جديدة، استناداً إلى فرضية مفادها مركزية الدين في سياسة الشرق الأوسط. وقد استدعت فرضية كهذه ضرورة البحث عن حلفاء محتملين بين قوى الإسلام السياسي في المنطقة. وكان “الإخوان”، على الأرجح، في طليعة تلك القوى. وأعتقد أن خطاب الرئيس أوباما إلى “العالم الإسلامي” من القاهرة في العام 2009 كان نقلة افتتاحية على رقعة الشطرنج.
وعلى الرغم من حقيقة أن قوى الإسلام السياسي لم تشعل فتيل ثورات الربيع العربي في مصر وغيرها، ولم تكن في طليعتها، إلا أنها حصدت الكثير من الغنائم الانتخابية. وبدا، للوهلة الأولى أن فرضية الأميركيين صحيحة. ولكن الموجة الارتدادية الثانية للثورة المصرية، في الثلاثين من حزيران الماضي، أطاحت بتصوّرات، وفرضيات، ورهانات استراتيجية حملها الديمقراطيون إلى البيت الأبيض. وهذا يفسِّر، في جانب منه، الأداء المرتبك للإدارة الأميركية في الآونة الأخيرة. كما ويفسِّر، رهان القيادات الإخوانية على الأميركيين.
ثانياً، لم يخطر في بال الإخوان أن الموجة الفيضانية لربيع الشعوب سترفعهم بهذه السرعة إلى سدة الحكم، ولم يخطر لهم، حتى في أكثر الكوابيس السياسية سوداوية، أنها سترغمهم على الخروج منها بهذه السرعة، أيضاً.
وكما تصرفوا بقدر لا يخفى على أحد من عمى البصر والبصيرة، بعد الصعود إلى جنة السلطة، فإن القدر نفسه، وما يزيد عنه، من عمى البصر والبصيرة، سيكون ديدنهم لحظة الهبوط منها.
وهذا ينذر بمخاطر ومضاعفات لا تُحمد عُقباها، لكن السيناريو الجزائري لن يتكرر في مصر، أما الكلام عن تكرار السيناريو السوري فليس سوى مزحة سخيفة. ومع ذلك، لا ينبغي التقليل من حجم المخاطر، خاصة أن “الإخوان” لا يخوضون معركة البقاء منفردين، بل يخوضونها مع قوى إقليمية ودولية تدرك أن مصير الإسلام السياسي، ومستقبل العالم العربي، مرهون ومشروط بنتائج المعركة في مصر وعليها.
وفي هذا ما يفسِّر، في جانب منه، عداء الغنوشي في تونس، وداود أوغلو في تركيا، وحماس في غزة، والبشير في السودان، والملالي في طهران، وجماعات المودودي في باكستان، ومشيخة قطر، للتحوّلات الجارية في مصر. أما عداء الأميركيين فمحكوم بضوابط منها أمن إسرائيل، والنفط، والسوق، وإذا أدركوا أن سقوط الإخوان نهائي وحاسم، فلن يذرفوا الكثير من الدمع.
ولكن إذا لم تكن المخاطر من الطراز الجزائري والسوري، فماذا تكون؟
الإرهاب، الذي يملك بنية تحتية، وموارد مالية، وخبرات تنظيمية، ومنابر إعلامية (من طراز شبكات “الجزيرة” القطرية)، وعلاقات دولية، وحاضنة اجتماعية (بصرف النظر عن حجمها)، وقد امتلك، في الآونة الأخيرة، شعاراً مُوّحِداً اسمه الدفاع عن “الشرعية والشريعة”.
الشعار المُوّحِد مفيد وضروري في التحريض والتجنيد، وفي جسر الخلافات الأيديولوجية، وتقريب المصالح والأهداف، وتناسي حساسيات وضغائن الماضي.
ثالثاً، انخرط مثقفون، وما لا يحصى من المعلّقين العرب، في سجالات، ما تزال مستمرة، حول حقيقة ما حدث في مصر: هل وقع انقلاب عسكري، أم ثورة؟ والصحيح أن ما وقع كان ثورة شعبية ديمقراطية انحاز فيها الجيش إلى الشعب.
واللافت في هذا الشأن حرص بعض القائلين بفكرة الانقلاب العسكري، على الانحياز إلى “قيم” الديمقراطية، التي تستدعي عدم تدخل الجيش، بل إسقاط “الإخوان” في انتخابات رئاسية جديدة بعد ثلاث سنوات. وغالباً ما يكرر هؤلاء القول إن انحيازهم إلى “الديمقراطية” لا ينفي موقفهم السلبي من حكم “الإخوان”، ولا يعني التغاضي عمّا ارتكبوه من أخطاء.
يمكن الرد على هؤلاء بمرافعات منطقية مضادة تستند إلى “قيم” ديمقراطية أصلية وأصيلة. ويمكن التدليل، أيضاً، على فشلهم في قراءة الواقع المصري. وبالقدر نفسه يمكن عقد مقارنات مع تجارب تاريخية في مناطق مختلفة من العالم.
بيد أن ما يحظى بالأولوية، هنا، يتمثل في ضرورة العثور على ما يختزل مواقف هؤلاء في إطار يقبل التأويل والتدليل. ولا أجد، في هذا المقام، أفضل من مجاز الأم تيريزا، التي أنفقت عمرها مع الفقراء والمرضى في الهند، وكافأتها الكنيسة الكاثوليكية، فطوّبتها قديسة، علاوة على تكريمها بجائزة نوبل للسلام.
تعرّضت الأم تيريزا لبعض النقد بدعوى أنها لم تكن على دراية واسعة بالطب، ولم تلتزم بالمعايير الطبية. وردت على منتقديها إن النجاح ليس المقياس، بل الصدق والإخلاص. وهذا الرد مفيد جداً، ففي مرافعات بعض القائلين بالانقلاب العسكري تجليات للكثير من مظاهر الورع والتقوى الديمقراطية، وكلها تدل على الصدق والإخلاص، ومن سوء الحظ أن الأولوية في السياسة للنجاح، باعتباره المقياس الرئيس، والأولوية في النظرية للواقع، باعتباره فصل المقال.
وبقدر ما تبدو “القداسة الديمقراطية” سامية ومتعالية، فإن في تجاهلها لمقياس النجاح في السياسة، ورفض الاحتكام إلى الواقع باعتباره فصلاً للمقال، ما يعيد التذكير بالتسامي والتعالي السلميين في ذلك الاجتماع الشهير في ميونيخ في العام 1938، وحرص تشامبرلين على سياسة الاسترضاء، التي وسمت السياسة الخارجية البريطانية عشية الحرب العالمية الثانية، وما تزال في نظر الكثيرين مدعاة للندم.
ولعل في هذا المعنى ما يضفي على كل نقاش محتمل لحقيقة الصراع في مصر وعليها، دلالات أكمل وأشمل، طالما أن اللعب أصبح، الآن، على المكشوف.
khaderhas1@hotmail.com
كاتب فلسطيني
حقيقة الصراع في مصر وعليها..!!عربة مرسي ومن معه من الاخوان وأشياعهم كانت أعجز من أن تجر مصر بثقلها الحضاري، الاقليمي والعالمي في طريق المستقبل الذي ينشده المصريون. ومع ذلك، الافضل الا يتدخل العسكر وليبقى صندوق الاقتراع هو الحكم لعل أن يكون هناك انتخابات تأتي بمن هم أقدر وأجدر. الاخوان هم صنيعة نظام كان يحلم بأن يحفظ مصر بين ذراعيه او تحت إبطيه للابد، وجل همه أن يصد بهم رياح التغيير، ويقاوم ويمانع الاصلاح. ذلك المسلك مهد للعسكر الطريق الى سدة الحكم فزادوا الطين بلة. لقد جاء الانقلاب العسكري لطمئنة الانظمة القسرية الشرق اوسطية على ثبات اوضاعها. دعوا الامة تطفوا للسطح… قراءة المزيد ..