رسالة مفتوحة إلى معالي وزير الداخلية والبلديات لدى الجمهورية اللبنانية
أثمرت المساعي التي بذلتها سفارة فلسطين لدى الجمهورية اللبنانية ولجنة الحوار اللبناني الفلسطيني وبعض منظمات المجتمع المدني الفلسطينية واللبنانية والدولية إزاء مشكلة الفلسطينيين فاقدي الأوراق الثبوتية إتفاقاً مع الحكومة اللبنانية على إعطاء هذه الفئة من اللاجئين بطاقات تعريف، يصدرها الأمن العام اللبناني، تسهل على أصحاب العلاقة عملية التنقل، وبعض الأمور الحياتية الأساسية.
وعلى الرغم من عدم تعميم أي مستند يشير إلى الاستخدامات المحددة لهذه البطاقات وما تقدمه من حقوق لحاملها، وإن كان تجديدها سيجري بصورة سنوية، بما يعني بقاء حاملها تحت الضغط الدائم لاحتمال إلغائها، فإن الإجراء اعتبر بمثابة تقدم باتجاه حل، وإن جزئيا، لمعضلة عاشها أكثر من أربعة الآف فاقد للأوراق الثبوتية، ظهرت أولى معالمها المأساوية عند مقتل اللاجئ الفلسطيني حسني غزال في أيلول/سبتمبر 2001 عند حاجز للجيش اللبناني على مدخل مخيم عين الحلوة برصاص الجنود المناوبين هناك، أثناء محاولته الفرار خوفاً من افتضاح أمر الأوراق المزورة التي يحملها.
لقد أثارت المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان (حقوق) في حينه هذه القضية، وقامت بعدة أبحاث واستقصاءات ميدانية لتكتشف حجم المأساة التي يعيشها الآلآف من فاقدي الأوراق الثبوتية، وجمعت مواد عن عدد من الحالات ووثقتها، بلغت حتى اليوم 3987 حالة، يمكن أن يضاف إليهم أعداد أخرى، كون بعض هؤلاء لم يكشفوا عن وضعهم، خشية تعرضهم للملاحقة جرّاء افتقادهم للشخصية القانونية، إذا ما عُرف بأمرهم.
وفي إطار التوثيق الموّسع لعدد فاقدي الأوراق الثبوتية، أنجزت المنظمة دراسة موجزة عن وضع هذه الفئة في العام 2002 وبناءً عليها، حضّرت المنظمة، بالتعاون مع المجلس الدنماركي للاجئين، لدراسة أوسع وأشمل نفذتها في العام 2004/2005 تحت عنوان: “الأوضاع القانونية والاجتماعية والاقتصادية للاجئين الفلسطينيين فاقدي الأوراق الثبوتية في لبنان” تضمنت أكثر من 1700 إستمارة ودعمّت هذا البحث المفصل بإنتاج فيلم وثائقي في العام 2006 مدته 24 دقيقة يوّضح بالصوت والصورة المعاناة لفاقدي الأوراق الثبوتية، خصوصا لناحية تهميشهم في شتى مجالات الحياة وعنونته: “لاجئون بلا أوراق … هل هم موجودون؟”. وتابعت في هذا الملف، فأنجزت في العام 2006 قراءة في القانون اللبناني وما يتيحه من حلول لهذه الفئة، تمكنت بموجبها من إيجاد مخرج قانوني تمثّل بإمكانية استخراج وثيقة تعريف من المختار المحلي ومصادق عليها من المحافظ، وفي منطقة البقاع، تم استخراج عدم ممانعة من فرع الأمن العام ـ دائرة الفئات الخاصة. كما قدّمت المنظمة مذكرة خاصة بالموضوع للجهات المعنية في الحكومة اللبنانية وضّحت أهمية قوننة وجود فاقدي الأوراق الثبوتية وقاربت، في المذكرة، هذه الأهمية، من منظور الأمان الإنساني والأمن الوطني.
واستناداً إلى هذا المخرج القانوني، عملت المنظمة في العامين 2006 و2007 على استخراج نحو 400 وثيقة تعريف، وكانت هذه الوثائق حلاً اولياً، أسّس لإصدار بطاقات التعريف من الأمن العام اللبناني في أواخر العام 2008، والتي أعطيت لنحو 800 شخص، قبل أن تتوقف العملية، منذ نحو عام، بقرار إداري من معالي وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، ليُعاد ويُعلن مؤخراً عن إعادة فتح باب إعطاء بطاقات التعريف، ولكن عملياً لم تُعطَ أي بطاقة حتى الآن لأسباب إجرائية.
لقد فوجئ عدد من فاقدي الأوراق الثبوتية الذين قصدوا مراكز للأمن العام على الأراضي اللبنانية يومي الجمعة والسبت الواقعين في 30 و 31 تشرين الأول (أكتوبر)، بهدف تقديم طلبات تجديد/استخراج بطاقات التعريف، بطلب الموظفين منهم جلب إقرار من سفارة فلسطين لدى الجمهورية اللبنانية مفاده بأنّ صاحب العلاقة لا يحمل جواز سفر السلطة الفلسطينية، الأمر الذي رفضته السفارة الفلسطينية لسببين: الأول، أنّ الأمن العام اللبناني أو أي جهة رسمية لم تضع السفارة في صورة الطلبات تلك وفق مصادر في السفارة الفلسطينية سألتها “حقوق” عن الموضوع. والثاني، أنّه يستحيل على السفاره إعطاء مثل هذا الإقرار لكونها لا تضمن أن يكون الشخص المعني قد قام باستصدار جواز سفر من رام الله مباشرة.
كنّا في منظمات المجتمع المدني، وخصوصاً منظمتنا (حقوق) التي تابعت الموضوع منذ بدايته، قد تفاءلنا بأنّ الملف في طريقه الصحيح إلى الحل، لكن بات لدينا شك في أنه كلّما سجل تقدم، تظهر عراقيل أخرى، تؤجل ما تم التوصل إليه، وتبقي الوضع على حاله، علماً أنّ وضع فاقدي الأوراق الثبوتية يزداد سوءاً، إقتصادياً وإجتماعياً وقانونياً.
ما توّد “حقوق” أن تضعه أمام المعنيين، أنّه وفق الإجراءات المعمول بها، فإنّ حامل جواز سفر دولة ما، ملزم باستخراج إقامة للبقاء في لبنان، والأمر يطبق هنا على حامل جواز سفر السلطة الفلسطينية، ما يعني بالتالي دفع تكاليف عن كل إقامة في حدها الأدنى 300 ألف ليرة سنوياً (200 دولار أمريكي)، ما يزيد من الضغوط المالية على فئة اللاجئين فاقدي الأوراق الثبوتية، الذين هم بالأساس مهمشون اقتصادياً، وبالأصل، وللحصول على هذه الإقامة، يجب عليهم التعهد لدى الكاتب العدل بعدم العمل، وهنا المفارقة الكبرى!!!
إنّ المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان (حقوق)، تعي تماماً بأنّ حصول الإنسان الفاقد لأوراقه الثبوتية على جواز سفر يؤدي، وتلقائياً، إلى نزع هذه الصفة عنه، ولكن في الحالة الاستثنائية التي يعيشها الفلسطينيون في لبنان، فإن الأمر يزداد تعقيداً ما يساهم في إبعاد القضية عن جوهرها الإنساني. لذا فإننا وبموجب رسالتنا المفتوحة هذه نناشد كل المعنيين، وفي مقدمتهم معالي وزير الداخلية زياد بارود، بأن يأخذوا في الاعتبار ما يلي:
ليس هناك اختلاف على أن جواز السفر الذي منحته السلطة الفلسطينية لعدد قليل من فاقدي الأوراق الثبوتية هو وثيقة ثبوتية، إلا أنه تجدر ملاحظة أنّ هذا الجواز هو وثيقة منتقصة لا تتعدى التعريف بحامله ولا يخول حامله العودة إلى أراضي السلطة الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة) كونه لا يحمل رقماً وطنياً وحامله لا يملك بطاقة وطنية أيضاً. هذا إضافة إلى أنه لا اعتراف قانوني بدولة فلسطين في لبنان، وإن كانت الحكومة اللبنانية قد أعطت في العام 2006 صفة السفارة لمكتب منظمة التحرير في لبنان واعترفت بالسلطة الفلسطينية.
أن تكون إقامة حملة تلك الجوازات من فاقدي الأوراق الثبوتية مجانية وذلك لكي لا يتكبد من هو مهمش اقتصادياً، وممنوع من ممارسة الحق في العمل، إذا ما أصبح وضعه كباقي اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، مبالغ مالية كبيرة في مقابل استخراج الإقامة.
ضرورة مراعاة خصائص الإقامة الممنوحة لفاقدي الأوراق الثبوتية كأن تكون دائمة (كما باقي اللاجئين الفلسطينين) وأن تخول صاحبها العودة إلى لبنان في حال السفر إلى الخارج بهدف العمل أو الزيارة … حتى لا يقع فاقد الأوراق الثبوتية بين مطرقة عدم مقدرته العودة إلى فلسطين وسندان عدم السماح له بالعودة إلى لبنان فتصبح إقامته في المطارات الدولية كما حدث مع شاب فلسطيني من هذه الفئة الذي أمضى منذ فترة ليست بعيدة 8 أشهر في قاعة مرور (ترانزيت) أحد مطارات الدول العربية بعدما منع من دخول لبنان لأنه غادر هذا البلد بموجب جواز سفر السلطة الفلسطينية بعد تسوية أجراها لوضعه لدى الأمن العام اللبناني كونه من فاقدي الأوراق الثبوتية.
تجدر الملاحظة هنا، بأننا في المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان (حقوق) كنا قد طلبنا ولأكثر من مرة، آخرها كان منذ فترة شهر تقريباً، لقاء معالي وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، لبحث هذه المسألة بالتحديد مع معاليه، غير أننا لم نحظَ بفرصة هذا اللقاء حتى الآن! إننا نتفهم إزدحام جدول أعمال معاليه، غير أننا وفي الوقت عينه نتطلع إلى أن تلقى هذه المسألة الإنسانية إهتماماً بارزاً وعدم التعاطي معها كقضية قانونية إجرائية فقط.
المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان (حقوق)
الأحد الواقع فيه 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2009
*
تعريف
المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان (حقوق)، هي منظمة مستقلة، وغير حكومية، تأسست في العام 1997 ومشهرة في لبنان بموجب علم وخبر رقم 36/أد، حيث تعمل في مجال نشر وحماية والدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وتتمتع المنظمة بعضوية كل من الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان والشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان.