قبل يومين التقى السيدان وليد جنبلاط وحسن نصرالله. الأول واحد من أبرز قادة قوى 14 آذار ويحمل الكثير من التناقضات الظاهرة في ترجمته للسياسة اللبنانية. فهو الذي حمل على شبكة الاتصالات الهاتفية الخاصة بحزب الله من جهة، وهو الحامل لاحقاً لمشروع سحب القرار الحكومي من التداول. والسيد الثاني، أي نصرالله، هو الذي اتهم قادة الأكثرية بالعمالة لأميركا الشيطان الأكبر وإسرائيل، ووصل الأمر بنواب حزبه وتلفزيونه الخاص (المنار) إلى اتهام أقرب الأشخاص إلى جنبلاط أي النائب أكرم شهيّب بالعمالة المباشرة لاسرائيل، فيما كانت بعض التسريبات التي تعمّم على الاعلام القريب لحزب الله تفيد ان جنبلاط يتصل مباشرة بالإسرائيليين لضرب المقاومة الاسلامية في لبنان، حيث يمدونه بالسلاح.
نجحت التهدئة الجنبلاطية في كسر حاجز عبوره إلى لقاء نصرالله. فقرار من هذا النوع يحتاج إلى إعادة تهيئة الشارع الشيعي بعد الحملة التخوينية التي طالت زعيم الدروز. فالشيعة في لبنان تحولوا إلى حقد كامل على وليد جنبلاط كاد أن يشعل حرباً أهلية لولا الرعب الذي عاشه بيك المختارة وجعله يستدرك الأزمة ويُدخل فيها طلال ارسلان وسيطاً لوقف المعارك.
فجنبلاط، وبعد السابع من أيار، أدرك ان ثمن الحرب الأهلية لدى قوى 8 آذار مثل ثمن السلم الأهلي وبل أرخص قليلاً. وصواريخ “زلزال” الموجهة باتجاه تل أبيب وحيفا، وما بعد بعد حيفا، يمكنها الاستدارة وتدمير مدن مثل عاليه وبعقلين وقرى الشوف بكاملها، وحتى انهاء بيروت المدينة ان اضطر الأمر قادة السلاح.
في الآونة الأخيرة، حين كان وليد جنبلاط يُسأل عن سلاح المقاومة في جلسات خاصة، كان يجيب بطريقته الخاصة في توصيف ارتداد السلاح إلى الداخل، وعدم اضطرار من ناضلوا في الشوارع لاخراج الوصاية السورية، إلى الدخول بحرب أهلية جديدة تمحق الأخضر واليابس.
بعد نجاح قوى 14 آذار في الانتخابات النيابية، صار جنبلاط راكضا باتجاه التهدئة أكثر من السابق، مقابل عدم الوقوع بالاشكالات السياسية وهجوم حزب الله مجدداً على منطقة الباروك باتجاه قصر المختارة. فهذا القصرالذي لم يدخله محتل أو عدو طوال مئات من السنوات صار على قاب قوسين أو أدنى من مقاتلي حزب الله المنتظرين في البقاع الغربي وفي منطقة جزين.
جنبلاط المنتصر مع سمير جعجع وأمين الجميل وسعد الحريري في الانتخابات النيابية، ذاق مرّ المعارك والحصار في منزله في كليمونصو في بيروت حين أسمعه محررو القدس من العاصمة اللبنانية شتائمهم. تلك المرحلة لا يريد جنبلاط عودتها وهو يؤكد كل مرّة ان ثمن التنازلات السياسية رخيص جداً أمام ثمن الحروب حتى لو انتصر بها مع حلفائه، فتجربة والده كمال جنبلاط وجورج حاوي ومحسن ابراهيم في اشعال الحرب الأهلية بمواجهة بيار الجميل وكميل شمعون لا يريد تكرارها. فالرابح في تلك الحرب، بالنسبة لجنبلاط، هو خاسر.
ذهب جنبلاط إلى مكان الاقامة السري لحسن نصر الله. سلم نفسه لشبان من أمن هذا الحزب من دون مرافقين ومن دون جهاز هاتفي كي لا يُكشف المكان الذي يختبيء فيه نصر الله. سلّم جنبلاط حياته لشبان قد يكون استشهد أحد أخوتهم في عملية الهجوم على الجبل، ولم يَخََف على حياته الشخصية. فاهتمامه منصبّ طوال هذه الفترة على الرعب الذي يأكله من الانقضاض على ما تحقق من انتصارات قد تنهي مفاعيل ثورة الأرز.
جلس جنبلاط في غرفة سرية تحت الأرض أو فوقها. فهو لا يعلم أين ذهبت به السيارة ذات الزجاج الأسود والمغطاة بستائر محكمة من الداخل، تتنقل بين شوارع الضاحية الجنوبية أو في ملجأ داخل بناية، دخل للقاء نصر الله وهو يصرّ على كسر الصراع الذي امتد في الأعوام الماضية.
في الغرفة هناك، كان نصر الله يجلس إلى كنبة تظهر في كثير من الأماكن وخلفه ستارة بنية وأمامها راية حزب الله فقط، من دون مرافقة العلم اللبناني. العلم الذي استعمله الحزب طويلاً غاب هذه المرة عن اللقاء مع جنبلاط. لم يعلم بيك الاشتراكية ان كان الأمر مقصوداً أم هو قلة انتباه من العاملين على أمن السيد. فغياب الأرزة اللبنانية ووجود الراية التي تحمل رسم الكلاشينكوف وحدها يوحي بالكثير من الاحتمالات، ومنها ان أمن الحزب نقل نصر الله إلى مكان سري جداً لا يمكن لجنبلاط الاحساس به، ولذلك تم نسيان العلم اللبناني، وهذا دليل على عدم الثقة، أو ان اللقاء ليس لبناني الهوى والحديث، بل رسالة خارجية تصل بالبريد العاجل.
كانت الصورة غريبة في الغرفة المعتمة تقريباً، خصوصاً ان لقاء السيد في اليوم الثاني مع نواب من الحزب القومي كان في منزل عادي واضح ان لديه سكانه وانه فوق الأرض، وأن زواره هم ذوو ثقة لدى الحزب الإلهي، ولا يحتاجون إلى النقل بطرق سرية ليصلوا إليه.
ليس غريباً أن يتقدم منسوب الثقة بين القوى اللبنانية بهدوء بعد أعوام الصراعات والاتهام بالخيانة، ولكن بعض المطلعين على ما يجري يتمنون أن لا تكون قلة الثقة صورة جديدة لأزمة سياسية طويلة، تأكل من جديد فكرة الدولة والدستور والالتزام بالقوانين.
oharkous@gmail.com
حضر جنبلاط وغاب العلم اللبناني على هامش السرد البوليسي-الجواسيسي المعبّر، ومع تفهم مشروعية الخوف، كشعور من مشاعر البشر، ينطرح تلقاءً سؤال ما إذا كان الخوف المستشار الأجدى في السياسة والحرب. أي انه هل للمسالمة جدوى، متى كانت تُعرض على حسن ستالين الله وما شابه. هذا عدا عن أن جنبلاط من ضمن 14 آذار، التي انتصرت في الإنتخابات، والتي في مطلق الأحوال، لا يجب أن تتصرف وكأنها المهزوم… خاصة وأن 7 أيار لم يغرب على انتصار جلي للميليشيا الإيرانية، وأن ما يدور في المنطقة ليس لصالحها اليوم. بتاتاً. إذن، جنبلاط منتصر انتخابياً، ومهزوم نفسياً؟ أنا كمواطن لبناني، لا تشوقني كثيراً تحليلات… قراءة المزيد ..