حجة «حزب الله» التأسيسية ضعيفة. وإن كانت قوية شعبياً، نظراً للتأييد الجماهيري الذي تلاقيه أي «محاربة لإسرائيل«. فهذا التأييد لا يذهب أبعد من «المحاربة»: لا يريد أن يدقّق بمصدر السلاح «المحارب»، ولا بحيثيات المعارك التي يورّط لبنان فيها، ولا بالمحور الذي يديره، ولا بالتوقيت الذي يقرره، ولا برهاناته الصريحة، الخارجة عن خدمة مصالحنا المباشرة؛ رهانات لا تخفي اندراجها في سياق «الامبرطورية الفارسية»، المنبعثة من رمادها الألفي، والجديدة بإسلاميتها.
وهذه الحجة، الضعيفة بالأساس، صارت الآن أكثر ضعفاً. لأن «حرب حزب الله» على إسرائيل، تحولت إلى حرب على الفريق المناهض لسلاحه، على «العملاء الخونة…. المرتبطين بالمشاريع الصهيونية والامبريالية». الحرب على هؤلاء «العملاء» المحليين بدأت لفظية، مباشرة بعد انتهاء حرب 2006، بالحملة التي قادها «حزب الله» على هذا الفريق، وكانت نتيجتها تعميم صفة «العمالة» على من لا ينضوي تحت جناحه، أو يؤيده. شهداء هذا الفريق يسقطون الواحد تلو الآخر، بعد الحرب، وتهمة العمالة لا تبارح مكانها، والجماهير المتناغمة مع هذه التهمة لا تحرم نفسها من التعبير عن فرحتها لزوال «عميل آخر من عملاء إسرائيل«.
ولكن عندما اقترب القرار الظني، وبضربة سحر لفظية أخرى، باتت إسرائيل هي المتهمة باغتيال رجالات فريقها «العميل»، المناهض للحزب. لا ننسى بأن المحكمة الدولية لا تبحث فقط عن قتلة رفيق الحريري، بل أيضاً عن قتلة جورج حاوي وسمير قصير وبيار جميل وجبران تويني ووليد عيدو، والعشرات الآخرين الذين قضوا معهم، أو في طريقهم. اذاً، الحجة الحزب اللهية بهذا الخصوص، والمشدّدة على أن «إسرائيل هي التي اغتالت…»، هي حجة عرجاء لا تقف على رجليها. إذ لا يصح، بكل بساطة، أن تقتل إسرائيل عملائها، ولا أن تنصب محكمة دولية تحاكم نفسها بواسطتها. وتحريم المواطن اللبناني من التعاطي معها أو الاستجابة لتحقيقاتها يجب أن يكون مدعوماً بشيء آخر غير هذه الحجة.
حجة أخرى، أضعف من الأولى: كلما اشتدّ الجدل الإعلامي حول المحكمة، أو حول القرار الظني، نبشَ الحزب وكتّابه وإعلاميوه مظلمة من مظالم التاريخ: يقولون لك، رداً على طلبك تطبيق العدالة بخصوص الاغتيالات «ولكن ماذا عن الجريمة الفلانية أو العلانية؟». آخر ما أثار إعجابنا كان تعليق لهؤلاء الكتّاب على حادثة عيادة الطبيبة ايمان شرارة، وعلى قيام القاضي سعيد ميرزا بالتحقيق حولها: «هل يتذكر الرئيس ميرزا مجزرة حلبا بحق مجموعة من القوميين السوريين الاجتماعيين الذين قُتلوا ومُثّل بهم أمام شاشات التلفزة(…) ألا يستحق من قتل ظلماً يومها معرفة من قتله ومن حرض ومن خلق مناخ التعبئة؟ إلخ». طبعاً يستحق، ولكن ما كان يجدر بالكاتب أن يتعب نفسه بهذه الجريمة؛ فالسلسلة اللامتناهية من القتل والقتل المضاد توصلنا إلى أول الأخوين، قايين وهابيل. «هل يتذكر الرئيس ميرزا… جريمة قايين وهابيل؟«.
بمعنى آخر، عندما تضيق الحجة بوجه الحزب وأصدقائه، يصبحون رافضين لعدالة نسبية باسم عدالة مطلقة، يعرفون أنها لن تتحقّق. ولسان حالهم اليومي يقول: «بدل أن تدققوا بمن قتل الحريري ورفاقه، اذهبوا وانظروا بالجرائم التي يرتكبها الصهاينة والامبرياليون»، من دون أن ينتبه إلى أن الجريمة التي تحقق بها المحكمة الدولية إنما هي، بحسب الحزب، من أفعال إسرائيل. هكذا حاججنا حسن نصر الله أيضاً، عندما أطلّ على الشاشة أخيراً، ليدلي بموقفه من حادثة عيادة الطبيبة ايمان شرارة، المرتبطة بالتحقيق الدولي حول اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، إذ استهل كلمته: «في البداية أجد من واجبي أن أشير إلى الحادث الكبير والخطير الذي حدث في مدينة أم الفحم في فلسطين المحتلة عام 1948 والاعتداء السافر والوحشي على اخواننا الفلسطينيين هناك… إلخ«.
أما الحجة الأضعف، فهي تلك التي يرميها الحزب وآلته النيابية والإعلامية عند كل مفترق طريق: «إما عدالة وإما فتنة!». علينا الاختيار: إما نسكت عن جرائم يمسّ تكرارها أُسس تكويننا السياسي، وإما أن نكون عرضة لحلقة من التقاتل الأخوي الجديد، اسمه «فتنة»… وما أدرانا بهذا التقاتل عندما كان اسمه بالأمس حرباً أهلية! فما بالك عندما نكون بازاء «فتنة»؟ بكل ما تنطوي عليه «الفتنة» من تمثلات لحقبات سوداء من ظُلُمات تاريخنا، من قَدَرية ودوَران حول النفس وانشطارات عنقودية وعنف… أين منه العنف الأهلي المدني؟ إما عدالة أو فتنة تعني: يُقتل مواطنون، ثم نقتل من يريد البحث عمن قتلهم. لا ترجمة غير ذلك لهذا الشعار الشائع. أما القصص من نوع تجسّس ومعلومات واستباحة فالحزب يعلم أكثر من غيره أن العمالة الحقة لا تكشف عن نفسها إلا لحظة الانكشاف؛ تماماً كما هو حال الذين يتجسّسون لصالح «حزب الله» في إسرائيل.
كل هذه الحجج الضعيفة إذن، وكل هذه القوة، بالمقابل؟
نعم، يحصل ذلك في أحيان غير نادرة في الاجتماع البشري، كما في قصة الذئب والنعجة. أن يكون «الحق»، الحجة لجهة الذئب، الذي يستولي على أرض النعجة، لا بقوة حقه المجرّد، بل بقوة أسنانه وعضلاته. عضلات «حزب الله» هي طبعاً صواريخه وذخيرته. وهو نفسه يتغنى بها ويفاجئنا بالأرقام التي بلغتها. هل من حاجة لتخيّل وطأة هكذا قوة؟ على جمهوره كما على غير جمهوره؟ هو جرّبها في 7 أيار 2008، ولم يرسل يومها إلى «الساحة» غير أعضاء فريقه «الكشفي». فأخاف اللبنانيين. وبعضهم نزل هذا الخوف على قلوبهم مثل البرَد، وبعضهم الآخر أمسك هذا الخوف بتلابيب الرفض لسلاحه. لكنه بقي خوفاً؛ خوف أخضع رموزاً وأهلاً من الفريق المناهض، وأخلّ بالقوة المؤسساتية والبرلمانية، وأعيد، بواسطته، تعريف «الديموقراطية التوافقية»، بحيث تحصل بالإكراه، بالقوة التي يهتز بها الكيان، إذا لم «تعتدل«.
لكن قوة «حزب الله» لا تقف عند حدود السلاح. فهو، ككل ميليشيا شعبية، يختبئ الحزب بين الأهالي، في البيوت والمدارس والحسينيات، فيكون ضربه مجزرة مدنية بحق أبرياء. تزداد شعبيته… يا للمفارقة، كلما تمكّن العدو من إصابة مدنيين يقبعون فوق سلاحه.
حادثة الطبيبة ايمان شرارة لا تخرج عن هذا الفهم، وإن تغير وجه العدو هذه المرة وارتدى قناع المحكمة الدولية: فالحاجز الذي يقف بوجه تحقيقات هذه المحكمة المريبة يتكوّن الآن من نساء. رجال يحققون بشأن مشبوهين، يعتقدون بأنهم سوف يجدون أرقام هواتفهم في عيادة نساء، يتحولون، بقدرة التعبئة الحزب اللهية، إلى معتدين على شرف النساء. والنساء يحمَين الحزب بالحصانة التي يمكنهن بها هذا الشرف: العرض، الكرامة، الضمير، الأخلاق، زوجاتنا بناتنا اخواتنا، القيم الأخلاقية والدينية… كلها عبارات شيدت القلاع التي بناها «حزب الله» لحماية نفسه من المساءلة، باسم شرف النساء. يا لها من قوة تخويفية جبارة؛ قوة تتحصن خلف النساء من بين الأهل، فينتصب التحريم عالياً.
القوة السافرة، المتغطرسة، بدورها، لم تنقصها الشواهد. آخرها كانت العراضة المسلحة التي استقبلت حليف الحزب جميل السيد في مطار رفيق الحريري الدولي. عراضة كانت لها تعليقات سلبية، وكان رد الحزب على هذه التعليقات إمعان في مديحها، في الوعد بتكرارها لاحقاً، وأحياناً في تهديدات مباشرة… لكل من تسول له نفسه.
أما في حادثة الطبيبة ايمان شرارة، فكان التهديد له مرجعيته غير السرية: 7 أيار 2008. إذ كتب أحد أصدقاء الحزب تعليقاً على الحادثة مقالاً عنوانه «ميني 7 أيار… نسائي»، من بين ما يقوله: «الزحف النسائي القليل على عيادة الدكتورة ايمان شرارة دشّن أسلوب التعاطي الميداني مع لجنة التحقيق الدولية. علينا أن نتصور مستقبل القرار الظني(…) من لم يكن يتوقع هذا «الميني 7 أيار» أعمى، لا بل غبي جدا«.
يوحي بعض المعلقين، من غير المصدّقين «إسرائيلية» المحكمة الدولية، بأن هذه المحكمة، بفعلتها هذه، وبتجاهلها لبيئة «حزب الله» وبالعيوب التي شابت عمل محققيها في عيادة الطبيبة، بدعْستهم «الناقصة»، ربما تكون أسقطت الحزب في فخّ المواجهة المباشرة مع المجتمع الدولي. إذا كانت هذه الفرضية صحيحة فإن حزب الله يكون وقع، ليس في فخ المحكمة، إنما في فخ حجته الضعيفة وسلاحه الكثير: مثله مثل عدوه، إسرائيل. مع الفرق أن إسرائيل دولة، فيما لبنان مفتون باللادولة، بـ»الدولة المارقة». وساعتها يصبح فعلاً مستباحاً، وذلك لأنه انجرّ إلى شعار آخر: «حماية السلاح بواسطة السلاح«.
* كاتبة لبنانية- بيروت
المستقبل
«حزب الله» والمحكمة الدولية من أجل لبنان، أيضاً: الحجّة ضعيفة ولكن السلاح كثير عربي مسلم سني — o.zarti@yahoo.com اذا كانت حجة حزب الله ضعيفة , فان حجة كاتب المفال واهية . ان العرب وبعد مضيي اكثر من ستة عقود على وجود هذا الجسم الغريب والخلية السرطنية في جسمه لم يدرك بعد قانون اللعبة, ان ساسة العرب لازالوا سنة اولى سياسة وفكر, انهم في كل لحظة تمر يؤكدون انهم اغبياء سذج وعيال! ان قاتل الحريري هو ماله, واعدائه هم الامراء السعودييون الذين ينازعونه الثرى والملك, وهذا امر واضح لا يريد الكثير من الفكر ولا الفطنة. ان عدونا الاول هو الغرب بقيادة… قراءة المزيد ..
«حزب الله» والمحكمة الدولية من أجل لبنان، أيضاً: الحجّة ضعيفة ولكن السلاح كثير Mazen — sheaib@hotmail.com ليت حزب الله أخطأ! الخطأ الوحيد الذي ارتكبه حزب الله وقيادته, أنه أنكر التهم التي توجه له من قبل أعدائه وخصومه وتراجع إلى خانة الدفاع عن النفس بدل الهجوم الذي هو أفضل دفاع. يتهم حزب الله أنه ميليشيا مسلحة وشمولي ويقيم دولة داخل دولة ولديه مربعات أمنية يحظر على الدولة والجيش دخولها, ويريد السيطرة على لبنان بالإنقلاب على “الدولة” التي سرقت أموال الشعب منذ بداية التسعينيات وفتحت منافذ الوطن للموساد الإسرائيلي. كان على حزب الله أن يقوم بعيد عدوان تموز باعتقال الخونة والعملاء من… قراءة المزيد ..
«حزب الله» والمحكمة الدولية من أجل لبنان، أيضاً: الحجّة ضعيفة ولكن السلاح كثير
khaled — khaloud1@hotmail.co.uk
We the Lebanese crossed the FEAR barriers, when we forced the Syrian troops out of our country, No fears any more, and Justice on its way to bring the murderers to their destination, who they are or where they are. Thanks
«حزب الله» والمحكمة الدولية من أجل لبنان، أيضاً: الحجّة ضعيفة ولكن السلاح كثير
يعني حزب الله أنطفض واحتشد وهبة وهاجم فريق المحققين الدوليين فقط لمناصرة شرف وكرامة النساء, سؤالٌ يطرح أين شرف وكرامة النساء عند إجازة فتوة حزب الله بجواز المتعة المنتشرة في الضاحية الجنوبية وفي القرى والبلدات الجنوبية أيضا ً .