فتح التفجير الانتحاري الاجرامي في حارة حريك امس باب الاسئلة والمخاوف مجدداً حول المدى الذي سيبلغه هذا المسار الخطير في تنقل الانتحاريين بين منطقة واخرى، وتحديدا في المناطق التي يحوز فيها حزب الله حضوراً سياسياً وامنياً واجتماعياً.
وتيرة العمليات الانتحارية تتسارع، من دون ان يظهر ما يمكن ان يعد بوقفها، او الحدّ منها، ومن دون ان تتضح بعد الوسيلة السياسية او الامنية التي يمكن ان توقف هذا المسار الاجرامي الذي يحصد ارواح الناس فقط لأنهم يقيمون في منطقة خاضعة لحزب الله، او لعجز الجهة المنفذة عن استهداف حزب الله، فتستهدف آمنين لا ناقة لهم ولا جمل.
لقد اعلنت “جبهة النصرة” مسؤوليتها عن هذا التفجير، وهو وقع في لحظة يترقب اللبنانيون تتويج المناخات السياسية الايجابية في البلد، بحكومة سياسية جامعة، عزّز من فرص تشكيلها، الى التسهيلات التي قدمها حزب الله، مواقف رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، الذي اطلق سلسلة مواقف ايجابية، آخرها ما اشاعه عشية التفجير في مقابلة مع الاعلامية بولا يعقوبيان، من تقدم كبير نحو اعلان التشكيلة الحكومية في وقت قريب.
هذا المسار الحكومي يتقدم وأزيلت عقبات عدّة كانت تعوق مساره, والارجح ان تفجير الضاحية امس يقع على مسار آخر، هو مسار اقليمي، يرتبط بالأزمة السورية وتداعياتها. مسار له طابع مذهبي وله علاقة بطبيعة دور حزب الله والدور الايراني. فمثل هذه الضربات الامنية لا تحقق بطبيعتها اي اضعاف امني او سياسي للمستهدف. وعمل تنظيم القاعدة، او جبهة النصرة الامني والعسكري، لايخضع لبرنامج او اجندة سياسية واضحة. وهي ضربة امنية يتخذ اصحابها حجتين، كما ورد في بيانات التهديد الصادرة عن جبهة النصرة او بيان تبني العملية الانتحارية. الأول هو تدخل حزب الله في سورية، اما الثاني فهو حماية “اهل السنة والجماعة”. والمتابعون لخطاب تنظيم القاعدة يدركون ان البنية العقائدية لهذا التنظيم تقوم على ثابتة “اهل السنة والجماعة” وليست معنية بمن هم خارجها. اي ليس لهذا التنظيم اي تطلع اسلامي عام يستند الى فكر جامع يعترف بالتنوّع المذهبي والتعدد في الاجتماع الديني والسياسي لدى المسلمين.
لقد كان لتدخل حزب الله في سورية اثر في الوتر الحساس داخل بنية هذا التنظيم وهذا التفكير، وعبّر عن استهانة من قبل حزب الله بأثر هذا التدخل وتداعياته، من خلال ما قدمه من مبررات، استندت الى قراءة ما جرى في سورية مع بداية الربيع العربي، على انه صراع بين انصار المقاومة والممانعة من جهة والمتآمرين عليهما. وهي قراءة في احسن الاحوال كانت قاصرة عن فهم الابعاد الاجتماعية العميقة لهذا الحراك السوري ضد نظام الاسد. واكتفى حزب الله، ومن خلفه ايران، باختصار المشهد باشكالية الممانعة وضد الممانعة. وفي مقابل هذه الاشكالية التي قوبل بها السوريون، اضفى حزب الله على تدخله في سورية ابعاداً ايديولوجية ومذهبية، فلم يتهيب اضفاء هذا الطابع المذهبي مستهينا بقدرة الطرف الآخر على الذهاب ابعد بكثير في هذا المسار.
عكس سلوك حزب الله، ومن خلفه ايران، الفشل الذريع في ادارة الاشكالية السنية – الشيعية. وكان التدخل العسكري في سورية تعبيرا عن سوء الادارة. واذا كانت هذه الادارة نجحت نسبياً ببعض القوة والنفوذ الميداني في ضبط الوضع اللبناني وامساكه، ففي سورية القضية اكبر واكثر تعقيداً.
وطريقة توصيف القيادة الايرانية للربيع العربي، الذي سمته الصحوة الاسلامية، على اعتباره أحد ثمار الثورة الاسلامية في ايران، ثم العودة عن ذلك، اظهرت ازمة عدم فهم للابعاد الاجتماعية في المجتمعات العربية لذا كان تدخل حزب الله في سورية يفترض ان هناك ازمة امنية عسكرية ليس اكثر، يستطيع ان يعالجها بتدخل من هذا النوع “وكفى الله المؤمنين شرّ القتال”.
وربما تكتشف ايران من خلال مسار الأحداث الاقليمية انّ شبكة المصالح التي تسعى لحمايتها على المستوى الاسلامي العام، ان لم يكن لها عمق اجتماعي فعلي، فهي لن تصمد وستبدو كبيت العنكبوت عند ايّ تحدّ حقيقي يواجهها. فإيران ارادت تحقيق جبهة سياسية في المنطقة العربية فاقدة لعمقها السياسي والاجتماعي، ابعادها المذهبية واضحة، وخطابها غير مألوف ان لم يكن غريباً.
من هنا فإن انسحاب حزب الله من سورية لن يحلّ المشكلة، ولن يوقف الهجمات الانتحارية التكفيرية.وبات المطلوب مصالحة عميقة مع الشعب السوري والوعي العربي عموما. هذا بعدما خلصت السياسة الايرانية في المنطقة العربية اليوم الى خصومتين لم تسبقها اليهما دولة في الشرق والغرب (من دون احتساب اسرائيل)، مع الأنظمة العربية من جهة، وخصومة اشدّ مع المجتمعات العربية من الجهة الأخرى.
alyalamine@gmail.com
البلد